كيف اغتالت إسرائيل "الشبح" فؤاد شكر؟

"وول ستريت جورنال" تكشف تفاصيل خطة الاستدراج.. و"حزب الله" ينفي الرواية

time reading iconدقائق القراءة - 11
أعضاء من جماعة "حزب الله" يحملون نعش فؤاد شكر، الذي سقط في غارة إسرائيلية، خلال جنازته في الضاحية الجنوبية لبيروت، لبنان، 1 أغسطس 2024 - Reuters
أعضاء من جماعة "حزب الله" يحملون نعش فؤاد شكر، الذي سقط في غارة إسرائيلية، خلال جنازته في الضاحية الجنوبية لبيروت، لبنان، 1 أغسطس 2024 - Reuters
دبي-الشرق

عاش رئيس غرفة عمليات "حزب الله" فؤاد شكر، المقرب من أمين عام الحزب حسن نصر الله، حياة سرية للغاية لدرجة أن قِلة من الناس عرفوا اسمه، أو وجهه قبل اغتياله في غارة جوية، وضعت الشرق الأوسط على شفا الحرب، وفق رواية أوردتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، ونفتها الجماعة اللبنانية.

وقالت الصحيفة الأميركية، الأحد، إن فؤاد شكر أفلت من الملاحقة الأميركية على مدار أربعة عقود، منذ اتهامه بالمشاركة في التخطيط لتفجير ثكنة لمشاة البحرية في بيروت عام 1983، وهو الهجوم الذي أدى إلى سقوط 241 جندياً أميركياً، ولكن في نهاية يوليو الماضي استهدفته غارة جوية إسرائيلية في الطابق السابع من مبنى سكني في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وكان شكر أحد مؤسسي جماعة "حزب الله" اللبنانية، التي تصنفها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، وأحد قياداتها العليا، ولعب دوراً محورياً في تطوير الترسانة الصاروخية، وخلال الأشهر الـ10 الماضية، كان  يقود الاشتباكات المتزايدة عبر الحدود مع إسرائيل، وفق الصحيفة.

ورغم كونه أحد أهم الشخصيات في تاريخ "حزب الله"، عاش شكر حياة "شبه خفية"، ولم يظهر إلا في تجمعات صغيرة لقدامى محاربي المجموعة، وفي بداية العام، ظهر علناً لبضع دقائق فقط لحضور جنازة ابن أخيه الذي سقط أثناء مواجهات مع إسرائيل، حسبما قال أحد معارفه للصحيفة.

خطة استدراج فؤاد شكر

وكان شكر معروفاً بأنه شخصية "سرية للغاية" لدرجة أن بعض وسائل الإعلام اللبنانية نشرت صوراً خاطئة لرجل آخر عند إعلان وفاته، وفق "وول ستريت جورنال".

ونقلت الصحيفة عن مسؤول في "حزب الله" قوله إن شكر، الذي لا يعرفه سوى قِلة من الناس، قضى يومه الأخير في مكتبه بالطابق الثاني من مبنى سكني في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث كان يعيش في الطابق السابع؛ على الأرجح لتقليل الحاجة إلى التحرك في العلن، وأثناء تأبينه، قال حسن نصر الله إنه كان على اتصال بفؤاد قبل ساعات قليلة من اغتياله.

وبحسب المسؤول، تلقى شكر اتصالاً من شخص طلب منه الذهاب إلى شقته في الطابق السابع، وفي السابعة مساءً تقريباً، قصفت طائرات إسرائيلية الشقة و3 طوابق تحتها، ما أسفر عن سقوط شكر، وزوجته، وامرأتين، وطفلين، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 70 شخصاً، وفقاً لوزارة الصحة اللبنانية.

وقال المسؤول إن الاتصال الذي استدرج شكر إلى الطابق السابع، حيث سيكون من الأسهل استهدافه وسط المباني المحيطة، جاء على الأرجح من شخص اخترق شبكة الاتصالات الداخلية لـ"حزب الله".

وأضاف أن "حزب الله" وإيران يواصلان التحقيق في هذا الإخفاق الاستخباراتي، لكنهما يعتقدان أن إسرائيل تفوقت على وسائل المراقبة الخاصة بـ"حزب الله"، باستخدام تكنولوجيا متقدمة، قادرة على الاختراق.

من جانبه أصدر "حزب الله" بياناً، في وقت لاحق من يوم الأحد، نفى فيه رواية "وول ستريت جورنال" حول اغتيال فؤاد شكر، مشدداً على أن الصحيفة لم تتواصل مع أي مسؤول بالحزب.

"ضربة كبيرة لحزب الله"

ووصفت "وول ستريت جورنال" عملية الاغتيال بأنها "ضربة كبيرة لحزب الله"، إذ تم القضاء على أحد أفضل خبرائه الاستراتيجيين، وكشفت مدى تغلغل إسرائيل في عمليات الجماعة. 

وتزامن حادث الاغتيال مع استهداف رئيس المكتب السياسي السابق لحركة "حماس" إسماعيل هنية، في هجوم، تتهم إيران "وحزب الله"، إسرائيل بارتكابه داخل طهران، ما دفع بالمنطقة إلى حافة حرب إقليمية جديدة تسعى الولايات المتحدة جاهدة لتجنبها.

وقالت كارميت فالنسي، وهي باحثة كبيرة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي وخبيرة في شؤون "حزب الله"، للصحيفة إن "الاغتيالات المستهدفة لها تأثير تراكمي على القدرات العملياتية للمنظمة"، في إشارة إلى الجماعة اللبنانية.

ووصفت فالنسي، شكر بأنه كان "مصدراً للمعرفة"، وقالت: "كان يعرف كيف يعمل ويتواصل مع نصر الله.. كانا متشابهين في التفكير".

وقضى شكر معظم حياته في قلب عمليات "حزب الله" ومركز صنع القرار، وكان حلقة وصل رئيسية بين الحزب وراعيه الرئيسي (إيران)، وفي عام 1982، عندما كان لا يزال في أوائل العشرينيات من عمره، شارك في حرب العصابات، لمقاومة الغزو الإسرائيلي للبنان أثناء الحرب الأهلية، وفق "وول ستريت جورنال".

وبعد حصار إسرائيل، لبيروت في ذلك العام، تراجع المقاومون إلى وادي البقاع في شرق لبنان، حيث تواصلوا مع حوالي 1500 عنصر من الحرس الثوري الإيراني الذين وصلوا عبر سوريا.

وفي تلك الفترة، كان شكر يعمل لصالح مديرية الأمن العام في لبنان، وهي وكالة استخبارات حكومية لبنانية، حيث كُلف بمرافقة دبلوماسيين إيرانيين من الحدود السورية إلى السفارة في بيروت، وفقاً لقاسم قصير، وهو محلل سياسي مطلع على شؤون "حزب الله" وكان يعرف القيادي الراحل منذ أوائل الثمانينيات.

وقال قصير إن فصيل "القوات اللبنانية"، وهو فصيل مسيحي مُسلح، اختطف الدبلوماسيين الذين لم يُعثر عليهم مرة أخرى، بينما أُطلق سراح شكر بصفته موظفاً أمنياً حكومياً.

وأصبح شكر، الذي عُرف باسمه الحركي "الحاج محسن"، حلقة الوصل بين الإيرانيين ومعسكرهم في البقاع لتدريب مقاتلي "حزب الله"، وانتقل في وقت لاحق إلى إيران للإشراف على تدريب قوات النخبة في الحزب.

وفي صباح 23 أكتوبر 1983، انفجرت شاحنة مفخخة تحتوي على 12 ألف رطل من مادة "تي إن تي" أمام ثكنة لمشاة البحرية الأميركية في بيروت، ولم يكن "حزب الله" قد أعلن عن وجوده رسمياً بعد، وتبنت جماعة تُدعى "الجهاد الإسلامي" المسؤولية عن الهجوم، وفي وقت لاحق، قالت الولايات المتحدة إن شكر كان له دور رئيسي في تخطيط وتنفيذ الهجوم. 

تجارب ميدانية وقيادية

وأعلن "حزب الله" رسمياً عن تشكيله في عام 1985، وأصبح شكر أول قائد عسكري له، واستمر في شن حملة حرب عصابات في الجنوب حتى انسحبت القوات الإسرائيلية بالكامل من البلاد في عام 2000، واكتسب سمعة كبيرة كمفكر استراتيجي لديه معرفة بالمنطقة بأكملها.

وفي 14 يونيو 1985، استولت مجموعة من الخاطفين على طائرة تابعة لشركة "ترانس وورلد إيرلاينز" بعد إقلاعها من أثينا، وحلقوا بالطائرة ذهاباً وإياباً بين بيروت والجزائر لمدة ثلاثة أيام، مطالبين بالإفراج عن 700 أسير من المحتجزين لدى إسرائيل.  
 
وقال قصير إن شكر ساهم في التخطيط لهذه العملية، وبعد ذلك اختفى عن الأنظار بينما انتشرت شهرته في بيروت، وأضاف أحد معارف شكر: "لقد أصبح شبحاً". 

وكان شكر يحظى باحترام ضباط "حزب الله" من جميع الفئات، وكان يظهر في بعض الأحيان، وخلال الاحتجاجات في بيروت عام 1993 ضد اتفاق أوسلو للسلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، تدخل شخصياً لإقناع مجموعة من أعضاء الحزب بالانسحاب من الاشتباك مع قوات الأمن ومنع إراقة الدماء، وفقاً لما قاله صديق شكر. 

ولعب شكر دوراً فعالاً عندما اندلعت الحرب المدمرة الثانية في لبنان عام 2006، إذ ساعد في قيادة المقاتلين الذين تسللوا إلى شمال إسرائيل، وقتلوا 8 جنود واختطفوا 2 آخرين، ما أدى إلى غزو استمر شهراً ودمر أجزاء من لبنان. 
 
وبعد الحرب، أشرف شكر على تطوير القدرات العسكرية لـ"حزب الله"، ورفع عدد الصواريخ في ترسانته إلى ما يقرب من 150 ألف صاروخ، من بينها صواريخ مضادة للسفن، وصواريخ كروز، وطائرات مُسيرة.  
 
وأصبح شكر مسؤولاً عن عمليات تسليم المكونات التي تحول الصواريخ غير الموجهة إلى صواريخ موجهة بدقة من إيران عبر سوريا، وفقاً للجيش الإسرائيلي. 

سقوط الأصدقاء

وفي عام 2008، أودى انفجار سيارة مفخخة بعملية مشتركة بين وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) والموساد في دمشق بحياة صديق شكر والقائد العام لـ"حزب الله" عماد مغنية.

وفي عام 2016، سقط صديق آخر لشكر في "حزب الله" وهو مصطفى بدر الدين في انفجار بالعاصمة السورية أيضاً، وألقى الحزب باللوم على جماعات سنية مسلحة بينما قالت إسرائيل إنه سقط على يد رجاله نتيجة خلافات داخلية بأوامر من حسن نصر الله.

وقالت الصحيفة إن شكر كان يشعر بارتياح أكثر على ما يبدو في بيروت حيث كان الاغتيال المستهدف غير محتمل، نظراً لاستهداف أغلب أصدقائه في دمشق، فيما ظلت هذه القواعد سارية حتى 7 أكتوبر الماضي عندما هاجمت "حماس"، إسرائيل، وبعد ذلك، بدأ "حزب الله" في إطلاق النار على إسرائيل ما أدى إلى تبادل إطلاق النار بين الطرفين.

وقالت الصحيفة إن حسن نصر الله، الذي كان قلقاً بشأن الانهيارات الاستخباراتية التي مكنت من استهداف عناصر الحزب، أمر مقاتليه وعائلاتهم في فبراير الماضي بعدم استخدام الهواتف الذكية وقال: "اتركوا هواتفكم.. عطلوها.. ادفنوها.. ضعوها في صندوق معدني".

وأصبح شكر هدفاً لإسرائيل بعد سقوط صاروخ على ملعب كرة قدم بمجدل شمس في مرتفعات الجولان السورية المحتلة، أواخر يوليو الماضي، ما أسفر عن سقوط 10 شبان، وفق "وول ستريت جورنال".

ونفى "حزب الله" تورطه في الهجوم، لكن إسرائيل ألقت اللوم على الجماعة قائلة إن الصاروخ كان من صواريخ الحزب، وجاء من لبنان.

وفي وقت مبكر من يوم الاغتيال، أصدر "حزب الله" أوامر لقادته البارزين بالتفرق، خوفاً من أن يكونوا في خطر، وبعد الهجوم لم يتضح على الفور مصير شكر، واستغرق الأمر وقتاً للعثور على جثته التي قُذفت إلى مبنى مجاور. 

تصنيفات

قصص قد تهمك