اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، أوكرانيا بمحاولة قصف محطة كورسك النووية الروسية، فيما أعلن نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن توغل القوات الأوكرانية في المنطقة، الذي يتجه نحو معارك "طويلة الأمد" يهدف لـ"إنهاء الحرب بشروط كييف". وبينما تسعى القوات الأوكرانية إلى تطويق نظيرتها الروسية في كورسك، تواصل قوات موسكو التقدم في شرق أوكرانيا
وقال بوتين خلال اجتماع مع كبار المسؤولين، إن موسكو أبلغت االوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة بالموقف، دون أن يكشف مزيداً من التفاصيل عن الواقعة.
ولم يصدر تعليق فوري من أوكرانيا، التي نفذت توغلاً مباغتاً في منطقة كورسك اقتحم خلاله آلاف الجنود الأوكرانيين الحدود الغربية لروسيا في السادس من أغسطس الجاري، في تحرّك فاجأ روسيا، إذ يعد هذا التوّغل هو الأكبر من نوعه، الذي تنفذه قوة أجنبية داخل روسيا منذ الحرب العالمية الثانية، بينما تضغط القوات الروسية على نظيرتها الأوكرانية في إقليم دونباس، وتسيطر على مساحات جديدة من الأراضي الأوكرانية.
النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي، دينيس مانتوروف، أشار خلال الاجتماع مع بوتين، إلى إجلاء 115 ألف روسي من المناطق الحدودية الخطرة.
وأشار مانتوروف إلى أن الحكومة الروسية ستخصص 858 مليون روبل إضافية (9 ملايين و400 ألف دولار) لتقديم المساعدة لمواطني المناطق الحدودية الذين فقدوا ممتلكاتهم، و713 مليون (7 ملايين و800 ألف دولار) روبل لتقديم المساعدة للمواطنين المتضررين من حالات الطوارئ.
وأبلغ أليكسي سميرنوف القائم بأعمال حاكم منطقة كورسك، بوتين، خلال الاجتماع أن الوضع في محطة كورسك النووية مستقر.
"شروط كييف"
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قال إن التوّغل الكبير الذي نفذته قوات أوكرانية في منطقة كورسك الروسية، كان خطوة ضمن جهود منهجية لإنهاء الحرب المستمرة منذ 30 شهراً "بشروط كييف".
وأضاف خلال مناسبة في كييف، أن التوغل الذي حدث في السادس من أغسطس، إضافة للدفاعات الأوكرانية في شرق البلاد، حيث تركز روسيا هجومها هناك، هو جزء من مسار لـ"إنهاء الحرب بشروط أوكرانيا المستقلة".
وأشار زيلينسكي إلى أنه زار منطقة سومي، وأن هناك تراجعاً في وتيرة القصف الروسي وفي أعداد الضحايا المدنيين منذ عملية كورسك.
وأعلن ممثلو ادعاء إقليميين، أن هجوماً روسيا بقنبلتين موجهتين في منطقة سومي شمال شرق أوكرانيا على الحدود مع منطقة كورسك، أودى بحياة شخصين، وإصابة آخر.
وأسقطت القوات الروسية قنبلتين موجهتين على منشآت بنية تحتية مدنية، بحسب بيان المدعين الإقليميين على منصة تليجرام.
وأمطرت روسيا المناطق الحدودية الأوكرانية بهجمات عديدة، وقالت كييف إن توغلها المباغت في منطقة كورسك، يهدف إلى تعطيل قدرة موسكو على شن مثل هذه الهجمات.
تحرك أوكراني لحصار القوات الروسية في كورسك
وأفاد تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، بأن القوات الأوكرانية تتحرك لتطويق ما يقدر بنحو 3 آلاف جندي روسي محاصرين عند نهر في مقاطعة كورسك الروسية، سعياً لضربة جديدة ضد موسكو في الأسبوع الثالث من التوغل المفاجئ.
ونقل التقرير عن الجيش الأوكراني قوله، إنه استخدم أنظمة صواريخ هيمارس التي زودتها بها الولايات المتحدة وطائرات مسيرة متفجرة، لضرب المعابر العائمة ومعدات الجسور، بينما سارعت موسكو إلى منع تطويق قواتها بين نهر سيم والحدود الأوكرانية.
وأحرجت عملية التوغل الأوكرانية الرئيس الروسي بالاستيلاء على عشرات البلدات والقرى عبر منطقة كبيرة تماثل المناطق التي استولت عليها روسيا خلال عام من الهجمات في أوكرانيا، بحسب التقرير.
وتعمل قوات كييف الآن على توسيع سيطرتها على طول الحدود وضرب طرق الإمداد الروسية، حيث تكثف موسكو هجماتها المضادة باستخدام قنابل انزلاقية ضخمة وقوات كانت متمركزة في أوكرانيا بالإضافة إلى أجزاء أخرى من روسيا.
ولم تغير عملية التوغل حتى الآن الوضع في ساحات المعارك الرئيسية للحرب في شرق أوكرانيا، حيث تتقدم روسيا نحو بوكروفسك، المركز اللوجستي الأوكراني الرئيسي، وتوريتسك، وهي مدينة تقع على أرض مرتفعة ذات أهمية استراتيجية.
وفي الوقت نفسه، قالت السلطات الروسية، الأربعاء، إنها أحبطت وابلاً من الهجمات بطائرات مسيرة على موسكو ومناطق أخرى. وأوضحت وزارة الدفاع الروسية إنها دمرت 45 طائرة مسيرة نشرتها أوكرانيا، تشمل 11 طائرة أُسقطت فوق منطقة موسكو.
وفي كورسك، تعمل أوكرانيا على توسيع نطاق توغلها بدلاً من السعي إلى تقدم أعمق من شأنه أن يسهل قطعه، وفق ميك رايان، الخبير الاستراتيجي العسكري واللواء المتقاعد في الجيش الأسترالي.
وقال رايان للصحيفة الأميركية: "إنهم يسيطرون على أرض أكثر قابلية للدفاع عنها وأقرب إلى أوكرانيا وأسهل في الدعم".
منطقة عازلة
وذكرت "وول ستريت جورنال"، أن أوكرانيا تخطط للاحتفاظ بما أطلق عليه مسؤولون "منطقة عازلة"؛ تشكل معضلة لبوتين بحيث أنه إذا حاول إخراج قوات أوكرانيا سيكون بعملية مكلفة تتطلب سحب قوات كبيرة من أوكرانيا، وإضعاف الهجمات ضد الأهداف الاستراتيجية في الشرق، وفتح ثغرات محتملة للقوات الأوكرانية لاستغلالها.
حتى الآن، يبدو أن روسيا تنقل قواتها في الغالب من الاحتياطيات والمناطق في أوكرانيا التي ليس بها قتال مكثف، مثل الجنوب أو الشمال الشرقي.
وقال اللواء المتقاعد بالجيش الأسترالي: "هناك حالة تجعل الروس يرون كيف يتطور هذا الأمر ويوجهون ما يكفي فقط لإبطاء الأوكرانيين".
بالنسبة لروسيا، قد يكون استعادة منطقة كورسك بالكامل هدفاً ثانوياً للهدف الأكثر استراتيجية؛ المتمثل في التقدم إلى أبعد داخل إقليم دونيتسك بشرق أوكرانيا، والذي أعلنه بوتين جزءًا من روسيا. كانت موسكو تجند حوالي 25000 شخص شهرياً، ولكنها تعاني من نقص في الجنود ذوي الخبرة من النوع المطلوب لطرد الأوكرانيين.
بدورها، قالت تاتيانا ستانوفايا، وهي زميلة بارزة في مركز كارنيجي روسيا أوراسيا، إن هناك القليل من الذعر في موسكو بشأن الوضع في كورسك. وأضافت أن بوتين يرى أن الهجوم الأوكراني هناك ليس له تأثير يذكر على حساباته الاستراتيجية الأوسع، والتي تركز على الاستيلاء على دونيتسك بالكامل، وفي النهاية، التسبب في انهيار حكومة أوكرانيا لتسهيل الطريق إلى المفاوضات التي تصب في صالح روسيا.
ورجحت ستانوفايا أن الجيش الروسي لا يريد الانجراف إلى هجوم كورسك المُكلّف، الذي ربما يتطلب نوع استراتيجية "الأرض المحروقة"، التي استخدمت سابقاً في مدن أوكرانية، مثل أفدييفكا وباخموت، موضحة أن "تبني نفس التكتيك ضد مدن روسية في كورسك، حيث لا يزال بعض المدنيين موجودين، ليس سياسة يمكن الدفاع عنها".
وعن وجود موطئ قدم لأوكرانيا داخل روسيا، قالت ستانوفايا "إذا لم يجد (بوتين) حلاً عسكرياً، فقد يستمر هذا الأمر لأشهر أو عام. وقد اعتاد الناس في موسكو على هذه الفكرة".
نقل الحرب إلى روسيا
ومع ذلك، وجهت العملية الأوكرانية ضربة لتعهد بوتين بأن الحرب التي يسميها "عملية عسكرية خاصة" ستقتصر على أوكرانيا ولن يكون لها تأثير يذكر على حياة الروس العاديين. ولطالما جادل بعض القادة العسكريين الأوكرانيين بأن جعل الروس يشعرون بتداعيات الحرب؛ ينبغي أن يكون جزءاً رئيسياً من استراتيجية كييف، لأن هذا يزيد من الضغوط على بوتين لإنهائها.
ونقلت الصحيفة عن قائد كتيبة الطائرات المسيرة في الفوج الرابع عشر بالجيش الأوكراني، الذي يشار له بالاسم الرمزي "كولد" قوله: "نريد أن ننقل الحرب إلى أراضيهم".
كانت وحدة الطائرات المسيرة التابعة للقائد "كولد" من بين القوات الأولى التي دخلت كورسك، وهي الآن مختبئة في أقبية المنازل شمال مدينة سودجا، وتستخدم طائرات الاستطلاع والهجوم المسيرة لمساعدة القوات الأوكرانية في شق طريقها إلى الأمام.
وأوضح "كولد" أن روسيا تقاتل بشراسة، ففي وقت سابق هذا الأسبوع، أرسلت موسكو، قوة من 80 رجلاً إلى إحدى القرى التي يسيطر عليها الأوكرانيون، وأسقطت 21 قنبلة انزلاقية على المستوطنة في غضون ساعة قبل هجومها، والذي صدته أوكرانيا بصعوبة. مضيفاً: "نحن ندفع الثمن أيضاً".
وأشار "كولد" إلى أن القوات التي ترسلها روسيا مجهزة تجهيزاً جيداً، و"من الواضح أن بعضها يتمتع بخبرة قتالية واسعة". كما استخدمت روسيا بنجاح أنظمتها للحرب الإلكترونية، لإسقاط بعض المسيرات التابعة لوحدته. ويمكنه أن يرى من خلال الصور التي تلتقطها الطائرات المسيرة كيف تتحصن بعض القوات الروسية وتبني مواقع دفاعية على طول خط المواجهة الجديد، متوقعة بوضوح حملة طويلة.
جاء وابل الطائرات المسيرة التي أرسلتها أوكرانيا إلى المناطق الروسية، الأربعاء، في الوقت الذي كثفت فيه كييف هجماتها على المطارات لمنع موسكو من استخدامها لإطلاق طائرات مسيرة وطائرات حربية. والأسبوع الماضي، نفذت أوكرانيا ما وصفه مسؤول بأنه "أكبر هجوم بطائرات مسيرة" على المطارات العسكرية الروسية منذ بداية الحرب، بضربات في فورونيج وكورسك وسافاسليكا وبوريسوجليبسك.
ولفت التقرير إلى أن الطائرات المسيرة المنتجة محلياً تُمكّن كييف من تجاوز القيود السياسية على استخدام الأسلحة التي يوفرها حلفاء غربيون بشأن الهجمات في عمق الأراضي الروسية، كما أنها أرخص وأكثر توفراً من الصواريخ. واستهدفت أوكرانيا مصافي النفط الروسية بطائراتها المسيرة.
انقطاع خطوط الإمداد
في سومي، وهي مدينة في المنطقة الأوكرانية المتاخمة لكورسك، تصطف مركبات عسكرية على جانبي الطرق، والتي تستخدم لنقل الإمدادات إلى كورسك، بما في ذلك الغذاء والوقود للقوات. كما تحضر مولدات كهربائية، لأن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في منطقة كورسك تعني عدم وجود كهرباء هناك.
وبينما يقوم الروس بتجميع الجسور العائمة لمحاولة عبور نهر "السيم"، يحاول الأوكرانيون تحطيمها بالمدفعية.
وقال الجندي أندري بريجادير من لواء المدفعية الأوكراني الرابع والأربعين، الذي يعمل بمدافع M777، إن عبور الروس للنهر يجري غالباً "بطريقة مذعورة" تعرضهم للنيران الأوكرانية، مضيفاً: "الروس يسرعون إلى جلب أي جنود يمكنهم الحصول عليهم الآن".
ووفقاً لوزارة الدفاع الروسية، فإن هؤلاء الجنود يشملون الآن مشاة البحرية من أسطول البحر الأسود الروسي، المتمركز عادةً في أقصى الجنوب في شبه جزيرة القرم التي تسيطر عليها روسيا. وأعلنت الوزارة، الثلاثاء، إنشاء ثلاث تشكيلات عسكرية جديدة مكلفة بالدفاع عن مقاطعة كورسك ومنطقتين مجاورتين.
ويقول الجنود الأوكرانيون، إن هذا من غير المرجح أن يساعد الجنود الروس الذين انقطعت عنهم خطوط الإمداد بالقرب من نهر السيم.
وقال قائد وحدة استطلاع في الفوج الرابع عشر: "الآن بعد أن فجرنا ثلاثة من جسورهم، لم يعد الأمر سوى مسألة وقت قبل أن يغلق هذا الجيب في وجههم".