حث المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي كريم خان، السبت، الدائرة التمهيدية في المحكمة على "تسريع إصدار مذكرة اعتقال" بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف جالانت، ومسؤولين إسرائيليين آخرين "ممن اتُهموا بارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
وقال خان في ملف شامل صادرة عن مكتب الادعاء: "الوضع كارثي.. في غزة، يكافح المدنيون من أجل البقاء في مواجهة الموت والجوع والمرض.. لا يمكننا أن نقلل من أهمية سرعة تحركنا".
وأكد المدعي العام أن "احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967 غير قانوني"، مستشهداً برأي استشاري صادر عن محكمة العدل الدولية في يوليو الماضي، مضيفاً: "اتفاقيات أوسلو لا تستطيع ولا تحمي المسؤولين الإسرائيليين من المساءلة عن جرائم الحرب التي ارتُكبت في هذه الأراضي (الفلسطينية)".
وفي الملف الشامل، حث مكتب الادعاء، الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية على تسريع إصدار أوامر القبض على المسؤولين الإسرائيليين، وغيرهم ممن اتهموا بارتكاب جرائم خلال احتلال إسرائيل لغزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، علاوة على عدد من المسؤولين الفلسطينيين المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أبرزهم رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" يحيى السنوار.
وتصاعد تدخُّل المحكمة الجنائية الدولية في الملف الفلسطيني بعد هجمات السابع من أكتوبر الماضي، وحرب إسرائيل على غزة، ما أودى بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وتشريد مئات الآلاف، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية المدنية في القطاع الفلسطيني بشكل كبير، وفقاً لما ورد في ملف الادعاء.
الاختصاص القضائي للمدعي العام والسوابق القانونية
وعلى الرغم من الاعتراضات من جانب إسرائيل وحلفائها بشأن اختصاص المحكمة، أكدت المحكمة الجنائية الدولية سلطتها في محاكمة "الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
وفي قرار تاريخي صدر عام 2021، أكدت المحكمة أن لديها اختصاصاً على الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، وجاء هذا القرار بعد انضمام فلسطين رسمياً إلى "نظام روما الأساسي" في عام 2015، ما جعلها دولة طرف لها الحق في إحالة القضايا.
وكان التحدي القانوني المركزي هو اعتماد إسرائيل على "اتفاقيات أوسلو" للقول إن فلسطين لا تملك السلطة لمقاضاة الإسرائيليين.
ومع ذلك، حكمت المحكمة الجنائية الدولية بأن "اتفاقيات أوسلو"، وهي اتفاقية تنظم العلاقة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بشأن الضفة الغربية وغزة، لا تتجاوز أحكام نظام روما الأساسي.
ادعاءات جرائم الحرب والاستجابة الدولية
وجاء في ملف الادعاء: "الوضع لم يبدأ في 7 أكتوبر"، مشيراً إلى أن "المحكمة تحقق في الجرائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ يونيو 2014".
ودعا مكتب الادعاء إلى اعتقال نتنياهو، وجالانت، إلى جانب آخرين بتهم تتعلق بـ"جرائم حرب"، مشيراً إلى أنه "حتى الآن، لا توجد أي إشارة إلى أن السلطات الإسرائيلية تجري تحقيقات في تصرفات هؤلاء الأفراد".
وأفاد المدعي العام بأن "تدخُّل المحكمة الجنائية الدولية ضروري لمنع مزيد من الضرر، لا سيما في ظل الأوضاع الإنسانية المتدهورة التي يواجهها المدنيون في غزة".
وأوضح خان أن "إصدار أوامر الاعتقال قد يمنع المزيد من الأذى للضحايا الذين لا يزالون في غزة، وأولئك الذين أُجبروا على الفرار".
احتمالات الاستجابة الدولية
ومنذ هجمات السابع من أكتوبر الماضي، استهدفت إسرائيل البنية التحتية الحيوية في غزة، ما أدى إلى نزوح جماعي، وتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات والمؤسسات العامة.
وتُظهر إسرائيل رفضاً لاتهامات المحكمة الجنائية الدولية، وتعتبرها "تدخلاً غير شرعي في السيادة والسياسة الإسرائيلية"، كما رفضت الحكومة الإسرائيلية التعاون مع المحكمة.
وقال نتنياهو مراراً إن المحكمة الجنائية الدولية "لا تملك شرعية" للتدخل في هذا الصراع، بدعوى أن إسرائيل ليست عضواً في المحكمة.
في المقابل، يتزايد التأييد الدولي للمساءلة، فقد رفعت دولاً مثل جنوب إفريقيا والمكسيك وبنجلاديش، مطالبها إلى المحكمة بضرورة التحقيق في الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل منذ 2014.
وتأتي هذه المطالبات في أعقاب تقارير صادرة عن منظمات حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، التي توثّق انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الرد الأميركي وردود الفعل الدولية
وفي الولايات المتحدة، تسود انقسامات بشأن دور المحكمة الجنائية الدولية في هذا النزاع، بينما يواصل المسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تقديم الدعم الكامل لإسرائيل بوصفها "حليفة أساسية" في الشرق الأوسط، إلا أن أصواتاً مهمة داخل الكونجرس عبّرت عن قلق متزايد إزاء الخسائر المدنية في غزة.
وقال السيناتور بيرني ساندرز مؤخراً: "لا يمكن تبرير قتل المدنيين الأبرياء.. يجب محاسبة جميع الأطراف على أفعالهم".
وعلى الرغم من هذا القلق، فإن الولايات المتحدة ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية أيضاً، وقد أعربت الإدارات المتعاقبة عن معارضتها لتدخُّل المحكمة في النزاعات التي تشمل إسرائيل.
ومع ذلك، فإن الضغوط الدولية والداخلية المتزايدة قد تدفع واشنطن إلى إعادة النظر في موقفها إذا استمر النزاع في التصاعد.
وفي ظل تزايد الاهتمام العالمي بهذه القضية، تتوقع مصادر قانونية أن تكون قرارات المحكمة الجنائية الدولية في الأيام المقبلة حاسمة.
ومن شأن هذه القرارات أن تؤثر بشكل مباشر على الديناميات الدبلوماسية والجيوسياسية في المنطقة، خاصة إذا ما تم إصدار أوامر القبض بحق القادة الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم حرب.
تأثير محتمل على النزاع
ويتزايد القلق في الأوساط الدبلوماسية من أن إجراءات المحكمة الجنائية الدولية قد تزيد من تعقيد الوضع المتأزم في الشرق الأوسط.
ويرى محللون أن إصدار أوامر القبض قد يؤدي إلى مزيد من التوترات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وقد يدفع الفصائل الفلسطينية إلى تصعيد الهجمات الانتقامية.
ومع ذلك، فإن خبراء يؤكدون أن التدخل الدولي ضروري لضمان المساءلة ومنع تكرار الجرائم في المستقبل.
ولفتت المحكمة الجنائية الدولية إلى أن "حقوق الضحايا في معرفة الحقيقة والوصول إلى العدالة والتعويضات" يجب أن تكون أولوية.