قائد أوكراني يكشف تفاصيل توغل كورسك: سرية تامة وتكتيكات خداعية

time reading iconدقائق القراءة - 7
جنود من اللواء الميكانيكي الرابع والعشرين من القوات المسلحة الأوكرانية يطلقون النار من مركبة قتالية مشاة من طراز BRM-1K باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة بالقرب من بلدة تشاسيف يار في منطقة دونيتسك. 17 أغسطس 2024 - Reuters
جنود من اللواء الميكانيكي الرابع والعشرين من القوات المسلحة الأوكرانية يطلقون النار من مركبة قتالية مشاة من طراز BRM-1K باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة بالقرب من بلدة تشاسيف يار في منطقة دونيتسك. 17 أغسطس 2024 - Reuters
دبي -الشرق

في أواخر يوليو الماضي، جمع قائد الجيش الأوكراني، أوليكساندر سيرسكي، كبار الضباط في اجتماع سري، إذ كشف عن خطة جريئة لإعادة تنشيط جهود الحرب المتعثرة في البلاد. وقال سيرسكي للضباط إن الجيش الأوكراني سيقلب الموازين ضد موسكو بشن أول غزو واسع النطاق لروسيا منذ الحرب العالمية الثانية، وفق "وول ستريت جورنال".

وقال أحد الحضور، وهو رئيس أركان اللواء الميكانيكي رقم 61، المقدم أرتيم خولودكيفيتش، للصحيفة، إنه شعر بالصدمة في البداية. وأضاف أنه تساءل: "إلى أين نحن ذاهبون؟". 

وذكرت "وول ستريت جورنال" أن العملية الجريئة صدمت روسيا أيضاً، عندما بدأت في 6 أغسطس الجاري، إذ اجتاحت القوات الأوكرانية الدفاعات الحدودية الضعيفة، واستولت بسرعة على نحو 100 بلدة وقرية في منطقة كورسك الروسية.

وأضافت الصحيفة أن الغزو أحرج الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وعزز معنويات الأوكرانيين بعد حرب دفاعية طاحنة استمرت عاماً، وأظهر للولايات المتحدة وحلفائها أن أوكرانيا، لا تزال تمتلك القدرة على القتال بفعالية.

وقال خولودكيفيتش في مقابلة مع "وول ستريت جورنال": "لقد فجرنا الأسطورة القائلة بأن روسيا دولة لا تُقهر. فعلنا شيئاً لم يفعله أحد منذ 80 عاماً". 

وسلطت العملية الأوكرانية الضوء بشكل أكبر على مُخططها، سيرسكي، الضابط العسكري البالغ من العمر 59 عاماً الذي واجه تحدياً كبيراً عندما تولى القيادة في فبراير الماضي، عندما حل محل الجنرال فاليري زالوجني الذي يتمتع بشعبية كبيرة.

ومنذ ذلك الحين، سعى سيرسكي بشكل رئيسي إلى إدارة حرب استنزاف ضد خصم أكبر بكثير، بحسب "وول ستريت جورنال".

تغير مسار الحرب

وقالت الصحيفة، إن التوغل غيّر مسار الحرب، وأعاد أوكرانيا إلى وضع الهجوم، لكن نجاح العملية سيتحدّد في النهاية بناءً على ما إذا كانت ستؤدي إلى مكاسب دائمة أو خسائر أكبر على أرض المعركة، أو تحقق مكاسب سياسية تجلب دعماً عسكرياً إضافياً من الولايات المتحدة وحلفائها، أو تعزز موقف أوكرانيا في أي مفاوضات سلام مستقبلية.

وتواصل العملية تحقيق المكاسب في أسبوعها الرابع، رغم إرسال روسيا لتعزيزات. وأفاد جنود أوكرانيون بحصار ما لا يقل عن ألفي جندي روسي، حيث فشلت محاولات متعددة لتخفيف الحصار باستخدام الجسور العائمة، بحسب الصحيفة.

وشكك بعض الاستراتيجيين العسكريين والجنود في عملية كورسك، قائلين إن سيرسكي يُخصص احتياطيات ثمينة من القوة البشرية والمعدات لجبهة جديدة، بينما تستغل روسيا خطوط الدفاع الضعيفة لأوكرانيا على الجبهة الشرقية للمضي قدماً.

وسحبت روسيا عدة آلاف من قواتها من أوكرانيا رداً على التوغل، لكنها كثّفت الهجمات على هدفها الرئيسي، بوكروفسك، والتي تُعد مركزاً لوجستياً حيوياً للعمليات الأوكرانية في الشرق.

وفي المقابل، أشاد آخرون بعملية كورسك، قائلين إن أوكرانيا كانت بحاجة إلى استخدام ورقة رابحة لتغيير مسار الحرب، وفق "وول ستريت جورنال".

مناورة جريئة

وقال الجنرال المتقاعد بن هودجز، وهو قائد سابق للجيش الأميركي في أوروبا، إن أوكرانيا لم تكن قادرة على الاستمرار في محاولة كسب الوقت من خلال دفع المزيد من الرجال إلى خطوط الدفاع. وأضاف: "لا يمتلك أحد الموارد الكافية للقيام بكل شيء. أنت مضطر باستمرار لاتخاذ قرارات بشأن الأولويات، وتحديد أين تُقبل المخاطرة". 

ووصفت الصحيفة العملية، بأنها "مناورة جريئة" للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي كان محاصراً بين تقدم روسي بطيء ودؤوب نحو السيطرة على أوكرانيا، وعدم استعداد الغرب لتوفير الأسلحة الكافية لوقف المكاسب الروسية.

وقال ميك رايان، الخبير الاستراتيجي العسكري واللواء المتقاعد في الجيش الأسترالي، للصحيفة: "لقد رأى أن هناك جهة واحدة فقط يمكنها تغيير الوضع الراهن. الأمر محفوف بالمخاطر، ولكنه جريء".

وقال زيلينسكي، الثلاثاء الماضي، إنه يخطط للسفر إلى الولايات المتحدة في سبتمبر المقبل لعرض خطة سلام مدفوعة جزئياً بالتغييرات الإيجابية التي أحدثها الغزو الروسي.

جنرال يتحرك سراً 

ويحظى سيرسكي، الذي يحب اللياقة البدنية والتاريخ العسكري، بسمعة "غامضة" بين الجنود الأوكرانيين. ويتناقض أسلوبه الصارم والمباشر مع سلفه، الذي كان يتظاهر بالتقاط الصور الشخصية ورفع علامة النصر، حسبما ذكرت "وول ستريت جورنال".

وقاد سيرسكي الدفاع عن كييف أمام الهجوم الروسي في أوائل 2022، ونجح في الهجوم المضاد في منطقة خاركيف الشمالية الشرقية في خريف هذا العام. ولكن البعض ألقوا باللوم عليه في الخسائر الفادحة التي تكبدها أثناء الدفاع عن مدينة باخموت الشرقية، التي استولت عليها روسيا في مايو 2023 بعد قتال عنيف استمر لأشهر.

وقالت الصحيفة، إن عملية كورسك، أُشيد بها على نطاق واسع بفضل "تخطيطها، وسرّيتها، وسرعتها". ويرى محللون وضباط أوكرانيون أن سيرسكي استخلص دروساً واضحة من الهجوم المضاد الفاشل لأوكرانيا خلال صيف 2023، عندما تشاورت أوكرانيا مع الولايات المتحدة وشركائها الغربيين، ونشرت ألوية حديثة التشكيل، وكشفت عن خططها عبر مقاطع الفيديو والتصريحات العلنية.

وشارك عدد قليل فقط من الضباط الكبار في الاجتماعات التي قادها سيرسكي، لوضع خطط مفصلة لعملية التوغل. واستعان سيرسكي بوحدات خاضت معارك صعبة، مثل اللواءين الميكانيكيين رقم 80 و82، لقيادة التوغل، ولم يُطلع الولايات المتحدة على الخطط، بحسب الصحيفة.

وعلى عكس الهجوم المضاد الذي شُن العام الماضي على أقوى التحصينات الروسية في الجنوب، اختار سيرسكي هذه المرة هدفاً افترضت موسكو أنه غير قابل للمساس، وتركت دفاعاته ضعيفة.

وقال سيرهي تشيريفاتي، المستشار الإعلامي السابق لسيرسكي، للصحيفة، إن نقطة قوة سيرسكي تتمثل في كونه قائداً عسكرياً يمكنه التصرف بطرق غير عادية، وسريعة، وغير متوقعة بالنسبة للعدو".

تضليل استراتيجي

وقبل اجتماع سيرسكي مع الضباط الكبار من الوحدات المختارة للعملية في يوليو، قضى جنود اللواء الميكانيكي رقم 61، شهوراً في التدريب في الشرق استعداداً لما افترض الضباط أنه سيكون اشتباكاً دفاعياً آخر.

وحتى بعد أن كشف الجنرال عن أن المهمة ستكون في روسيا، اعتقد خولودكيفيتش، أنها قد تكون مجرد خدعة تهدف إلى تضليل الروس، وفقاً للصحيفة.

وقالت "وول ستريت جورنال"، إن انتقال اللواء الميكانيكي رقم 61 من الشرق كان مصحوباً بحملة تضليل أشارت إلى توجه اللواء إلى فوفشانسك، المدينة الشمالية التي تتعرض للهجوم منذ مايو، عندما شنت روسيا اقتحاماً عبر الحدود. وأضافت أن اللواء كان ضمن الموجة الثانية من القوات الأوكرانية التي دخلت كورسك في 7 أغسطس. 

تصنيفات

قصص قد تهمك