بريطانيا.. محاربة خطاب الكراهية "مهمة عاجلة" على طاولة حكومة العمال

time reading iconدقائق القراءة - 11
اشتباكات بين متظاهرين مناهضين للهجرة ورجال شرطة في روثرهام ببريطانيا. 4 أغسطس 2024 - Reuters
اشتباكات بين متظاهرين مناهضين للهجرة ورجال شرطة في روثرهام ببريطانيا. 4 أغسطس 2024 - Reuters
لندن-بهاء جهاد

تحولت "مهمة" محاربة "خطاب الكراهية والعنصرية" إلى أولوية على أجندة حكومة "حزب العمال" البريطانية، وخاصة بعد تقرير أممي صدر، مؤخراً، حذّر من استمرار خطاب وجرائم الكراهية والعنصرية في المملكة المتحدة.

وأشار التقرير الصادر عن لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة CERD، إلى تمدد "خطاب الكراهية" في قطاعات مختلفة، وبين شرائح عدة من سكان بريطانيا، مضيفاً أن "الطامة الكبرى" بأن ساسة يساهمون في اتساع المشكلة من خلال استخدام مفردات وعبارات في تصريحاتهم وكتاباتهم ومنشوراتهم، تؤجج التعصب ضد المهاجرين والأقليات، وحتى النساء في بعض الأماكن.

وتعتزم الحكومة البريطانية، التي وصلت إلى السلطة في 5 يوليو الماضي، تعزيز القوانين لمواجهة الكراهية خطاباً وسلوكاً في البلاد، ولكن مواجهة الكلمات العنصرية والمتطرفة لا يقل صعوبة عن محاصرة الممارسات التي تستهدف فئة أو ديانة أو جنساً في المجتمع، خاصة أن اليمين المتطرف يتغذى على خطاب العنصرية، ويحشد الرأي العام خلفه، مستغلاً مشكلات مجتمعية وأمنية واقتصادية ازدادت في السنوات الماضية.

والطريق إلى مكافحة الكراهية في البلاد ليست قصيرة، وهي بحسب مراقبين ومختصين تعج بالتحديات القانونية والسياسية والمالية، ويبدو أن اليمين المتطرف الذي يشعل ثقافة التعصب ورفْض الآخر ينتشر على امتداد أوروبا، وليس فقط في المملكة المتحدة، وهو ما استدعى من رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر دعوة أحزاب اليسار والوسط في أوروبا إلى التكاتف والتعاون في مواجهة هذا خطر.

مطالبة أممية

جاءت التوصيات الأممية بعد مراجعة استمرت 4 أعوام لسجل المملكة المتحدة في معالجة التمييز العنصري، بدعوة حكومة بريطانيا لاتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة للقضاء على هذه المشكلة بين صفوف الشرطة، وفي مجالات العدالة الجنائية والإسكان والمدارس والرعاية الصحية، كما عبّرت عن قلها إزاء اتساع جرائم الكراهية بحق المهاجرين والأقليات وخاصة في الأشهر الماضية على ضوء أحداث عدة شهدتها البلاد.

ولفتت اللجنة الأممية نظر حكومة بريطانيا إلى أن هناك سياسيين يغذون في خطاباتهم الكراهية والتعصب بين الناس، لكنها لم تذكر أسماء بعينها ولا أحزاب بشكل محدد، إلا أنها قالت إن المفردات والعبارات التي تصدر عن هؤلاء يستخدمها اليمين المتطرف لإثبات وجهة نظره في أحداث معينة، أو يصنع منها رسائل تتناقلها جماعات وشرائح بين البريطانيين على أنها تحذيرات من أزمات بسبب الأقليات والمهاجرين.

وثمة استطلاع للرأي أُجري بعد أحداث الشغب في بريطانيا الشهر الماضي، يظهر أن 40% على الأقل من البريطانيين يعتقدون أن النائب وزعيم حزب "الإصلاح" نايجل فاراج كان سبباً في تفجُّر هذه الأحداث بعد مقطع مصور ظهر فيه، وانتقد رفْض الشرطة نشْر معلومات بشأن المتهم في جرائم قتْل فتيات في مدينة ساوثبورت نهاية يوليو الماضي، وهي الجريمة التي هزت الشارع البريطاني، ورافقها نشْر معلومات مضللة قادت لأزمة كبيرة.

وفي جريمة ساوثبورت منعت القوانين الشرطة من إعلان اسم المتهم، لأن عمره كان أقل من 18 عاماً، فتسربت رواية كاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تزعم أنه مهاجر سوري قَدِم إلى البلاد بحراً العام الماضي، وذلك الفيديو الذي خرج فيه فاراج يتساءل عن سبب تأخُّر الحكومة في إعلان اسم الجاني عزز مصداقيتها، ثم اندلعت أعمال شغب في مناطق عدة استهدفت الجالية المسلمة بشكل رئيسي، قبل أن تتضح ماهية الجاني.

والجاني في ساوثبورت كان بريطانياً من أصل رواندي، ولكن كشْفت هويته بعد أيام من الجريمة لم يكن كافياً لوقف أعمال الشغب في البلاد، كما لم يساعد في انحسار خطاب الكراهية ضد المهاجرين وخاصة الذين يصلون عبر البحر بشكل غير شرعي، وهنا وجدت الحكومة نفسها أمام استحقاق ملاحقة أولئك الذين خرجوا يعيثون خراباً واعتداء في الشوارع، ثم الزج بهم في السجون عبر أحكام قضائية وُصفت بالشديدة.

الحد الفاصل

الفيديو الذي نشره فاراج ليس سابقة في علاقته مع اليمين المتطرف، فهو سياسي يُحسب على هذا التيار بشكل أو بآخر، ومثله النائب لي أندرسون الذي انضم إلى حزب "الإصلاح" بعد طرده من "المحافظين"، العام الماضي، بسبب تصريحات معادية للمسلمين وعمدة لندن صادق خان.

وهناك أيضاً، سويلا برافرمان، وزيرة الداخلية في حكومة، ريشي سوناك، بين أكتوبر 2022 ونوفمبر 2023، التي وصفت "مهاجري القوارب" يوماً بـ"الغزاة".

منظمة "تل ماما" Tell MAMA المختصة في توثيق ومكافحة جرائم الكراهية في بريطانيا، تقول إن وصْف "الغزو" انتشر حينها كالنار في الهشيم بين صفوف اليمين المتطرف، فقادة هذا التيار يستغلون المواقف والتصريحات الصادرة عن ساسة مثل برافرمان وفاراج وغيرهما للتأكيد على توجهاتهم، دون أن يتعرضوا لمساءلة قانونية قد تطالهم لو صدرت عنهم شخصياً تعابير وتشبيهات مماثلة تحشد الرأي العام ضد الأقليات أو المهاجرين.

ومن أبرز التحديات التي تواجه حكومة بريطانيا في مواجهة خطاب العنصرية والكراهية بين البريطانيين بمن فيهم الساسة، هو ضرورة التفريق بينه وبين حرية التعبير المصانة بالقانون، فثمة فارق رفيع بين التعصب ضد المهاجرين والأقليات والرأي الشخصي، وفق أستاذ القانون في جامعة "نيوكاسل" هنري زاهو، الذي يقول في حديث مع "الشرق"، إن الخلط بين الأمرين خطأ يجر تداعيات كثيرة على الحكومة وخاصة في هذا الوقت.

وبالنسبة لوزيرة الداخلية الجديدة إيفيت كوبر، فقد بدأ نهج "عدم التسامح" في تسجيل جرائم الكراهية وبخاصة الموجهة إلى المسلمين واليهود في المملكة المتحدة، ولكن مراقبة بيئات هذه الجرائم وأشخاصها لن يكون إلا عند الخشية من ضرر حقيقي يحيط بالأفراد والمؤسسات كي لا يمس العمل الأمني بحريّة البريطانيين في التعبير عن أفكارهم وآرائهم، وهو مستوى من الترصد والمتابعة حرصت عليه حكومة "المحافظين" السابقة.

ميادين مختلفة

وازدادت جرائم الكراهية في بريطانيا بعد هجمات السابع من أكتوبر 2023، وحرب إسرائيل على قطاع غزة، ثم ازداد الوضع سوءاً بعد أحداث الشغب الشهرين الماضيين، ولكن مكافحة هذه الجرائم هي ميدان مواجهة واحد ضد خطاب الكراهية، فهناك جبهة تشريعية تحتاج فيها الحكومة لتطوير قوانين تحاصره، وجبهة "إجرائية" لمعالجة المشكلات التي يتغذى ويستند عليها.

الباحث في الشأن البريطاني جوناثان ليز قال، لـ"الشرق"، إن حكومة لندن تحتاج إلى تبنّي تشريعات صارمة لملاحقة من يروّج لخطاب العنصرية، فتدفع الناس وخاصة الساسة وقادة الرأي إلى اختيار مفردات لا تؤجج الكراهية في المجتمع، لافتاً إلى أن حرية التعبير في البلاد استغلت كثيراً من قِبَل جماعات اليمين المتطرف للحشد ضد الأقليات والمهاجرين.

من جهته، لفت رئيس مركز الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي في جامعة "شرق لندن" أمير النمرات، إلى أهمية بذل جهود حثيثة وكبيرة لوقف استخدام منصات التواصل الاجتماعي في الترويج لمعاداة المهاجرين في المملكة المتحدة.

ونوّه في حديثه مع "الشرق"، إلى ضرورة مراقبة استخدامات الذكاء الاصطناعي في مجال الدعاية اليمينية المتطرفة ضد الأقليات في المملكة المتحدة وبخاصة الجالية المسلمة على وجه الخصوص.

وفي أحداث الشغب الأخيرة، برزت وسائل التواصل الاجتماعي كإحدى أهم أدوات اليمين المتطرف في الحشد ضد المهاجرين والمسلمين في بريطانيا، ولعل منصة "إكس" كانت أكثرها في دعم "البلطجية" كما وصفهم ستارمر، وهو ما أحدث خصومة لم تنتهِ إلى اليوم بين الحكومة ومالك المنصة الملياردير إيلون ماسك الذي يخطط نواب في البرلمان البريطاني إلى مساءلته في مجلس العموم خلال الشهر الجاري.

الهجرة وأوروبا

ويتغذى اليمين المتطرف على معضلة استمرار تدفُّق المهاجرين عبر بحر المانش، وقد بعث إلغاء ستارمر لخطة ترحيل مهاجرين إلى رواندا التي أقرتها الحكومة السابقة، برسالة سلبية في مساعي الدولة لضبط الهجرة والحدود، خاصة أن الأرقام تشير إلى وصول أكثر من 20 ألف مهاجر غير شرعي منذ بداية العام الجاري، كما أن وزارة الداخلية قررت تقديم حق اللجوء لكثير ممن كانوا محتجزين على ذمة "خطة رواندا".

واستبدلت حكومة العمال "خطة رواندا" بإعلان حملة كبيرة على "تجار البشر" الذين يساعدون المهاجرين على القدوم من الشواطئ الفرنسية، فقررت تصنيفهم كـ"إرهابيين"، وأنشأت لهم قوة جديدة في حرس الحدود مَدّتها بعناصر استخبارات وأدوات كثيرة لمطاردة مهربي اللاجئين داخل البلاد وخارجها.

كما راح ستارمر يناشد الأوروبيين لإنجاح حملته ومساعدة حكومته في وقف تدفُّق آلاف الأشخاص سنوياً إلى السواحل الإنجليزية.

وفي المقابل عرض ستارمر فتح صفحة جديدة في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، ومد يد التعاون في مجالات الأمن والدفاع والتقنية والبيئة وغيرها.

وراح كذلك يستنهض همم حكومات اليسار والوسط في القارة العجوز لمواجهة اليمين المتطرف، كما نقلت مجلة "بوليتيكو" عن رئيس الحكومة قبل أيام بينما كان في طريقه إلى برلين للقاء المستشار الألماني أولاف شولتز، ومن هناك توجه إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وعبّر ستارمر عن قلقه من تمدد اليمين الشعبوي في بلاده وأوروبا، وقال "إن مواجهة هؤلاء هي التحدي الذي تواجهه الديمقراطية، ويحتاج إلى مناقشة كبيرة في أنحاء القارة وخارجها، وهو حريص جداً على متابعة ذلك مع الأحزاب التقدمية في الغرب".

ولعل هواجس رئيس الحكومة البريطانية تجد آذاناً صاغية في أوروبا، وخاصة بعد تمدد اليمين المتطرف في البرلمان الفرنسي قبل أشهر، ومن ثم الأقاليم الألمانية قبل أيام قليلة فقط.

تصنيفات

قصص قد تهمك