يتوقع الخبراء، مع اقتراب الانتخابات الأميركية في نوفمبر، أن تغزو بعض الولايات موجة حمراء تعني انتصار الجمهوريين، وفي أحيان أخرى يتوقعون موجة زرقاء تنبئ بانتصار ديمقراطي.
وفي الولايات المختلفة يحرص الكثير من الأميركيين على وضع لافتات أمام منازلهم تدل على انتمائهم السياسي، فيما تنحصر الرموز على هذه اللافتات بين الحمار الأزرق كدلالة على تأييد الحزب الديمقراطي، أو فيل أحمر انتماءً للحزب الجمهوري، فكيف اكتسبت السياسة الأميركية هذين اللونين والرمزين؟
الأزرق أحمر والأحمر أزرق
في الولايات المتحدة، أصبح اللون الأحمر مرتبطاً بالحزب الجمهوري واللون الأزرق بالحزب الديمقراطي في خرائط التصويت.
وأصبح وجود "الولايات الحمراء" و"الولايات الزرقاء" أمراً معتاداً، رغم أن الولايات المتحدة في الواقع عبارة عن خليط من درجات اللون الأرجواني، وفق توصيف روبرت فاندربي، الذي صاغ عبارة "أميركا الأرجوانية".
وابتكر عالم الرياضيات والأستاذ الفخري في قسم بحوث العمليات والهندسة المالية في جامعة برينستون، منذ انتخابات 1960، رسماً متحركاً يقدم 3 تحسينات على الخريطة الحمراء والزرقاء القياسية، حيث يرسم المقاطعات، وليس فقط الولايات، ويستخدم ظلال اللون الأرجواني لتعكس مزيج الأصوات الديمقراطية والجمهورية.
ورغم أن المتعارف عليه أن اللون الأحمر يعبر عن الحزب الجمهوري، بينما يعبر الأزرق عن الديمقراطي، ويبدو كأنه تقليد طويل الأمد ارتبط بالحزبين منذ نشأتهما، إلا أن واقع الأمر يُظهر أنه تقليد حديث نسبياً.
وبدأت القصة على شاشة التلفزيون عندما كشفت "NBC"، أول شبكة إخبارية ملونة بالكامل، عن أول خريطة انتخابية مضيئة، في انتخابات 1976.
وتحولت المصابيح إلى اللون الأحمر للإشارة إلى الولايات التي فاز بها المرشح الديمقراطي جيمي كارتر، واللون الأزرق للإشارة إلى الولايات التي فاز بها المرشح الجمهوري جيرالد فورد.
ووفقاً لشبكة NPR، كان مخطط الألوان قائماً على النظام السياسي في بريطانيا العظمى، حيث ارتبط الحزب الليبرالي باللون الأزرق، كما كانت تميل العديد من النصوص والكتب المرجعية إلى استخدام اللون الأحمر للإشارة إلى الجمهوريين، جزئياً، لأن اللون الأزرق كان لون الاتحاد في الحرب الأهلية الأميركية.
ومع تحول القنوات التليفزيونية الأخرى من الأبيض والأسود إلى الألوان، استخدمت كل قناة خرائطها الملونة والمضيئة في الانتخابات المتتالية، لكنهم لم يتفقوا على تحديد أي الألوان مخصص للديمقراطيين وأيها مخصص للجمهوريين.
وفي الانتخابات الرئاسية 49 والتي أجريت عام 1980، أضاءت قناتا NBC وCBS اللون الأزرق في إشارة إلى أن المرشح الجمهوري رونالد ريجان يهزم المرشح الديمقراطي جيمي كارتر، بينما استخدمت شبكة ABC اللون الأحمر لنفس الغرض.
وبقي الأمر على حاله لسنوات، إذ في البداية، كان الأزرق أحمراً والأحمر أزرقاً، وكان اللونان الأحمر والأزرق يُخصَّصان بشكل مختلف ومتغير للديمقراطيين والجمهوريين من انتخابات إلى انتخابات، ومن شبكة إلى أخرى.
ولم تترسخ في الأذهان فكرة وجود "ولايات زرقاء" و"ولايات حمراء"، وأن الأولى ديمقراطية والثانية جمهورية، حتى عام 2000.
"فلوريدا" وحدت الألوان
وفي الانتخابات الرئاسية عام 2000، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" لأول مرة خريطة ملونة للانتخابات الرئاسية، وكانت حينها بين الجمهوري جورج بوش والديمقراطي آل جور.
واستخدمت الصحيفة اللون الأحمر لبوش الجمهوري، والأزرق لآل جور الديمقراطي، وأرجعت الصحيفة قرارها إلى محرر الرسوم البيانية في الصحيفة أرشي تسي، الذي قال، حينها، إن اللون الأحمر "معبر عن الجمهوريين، ببساطة، لأن كلمة Republican تبدأ بحرف (R) مثل Red.
وبحلول نهاية ليلة الانتخابات، لم يكن لدى جورج دبليو بوش ولا آل جور أغلبية انتخابية حاسمة لتحويل البلاد إلى اللون الأحمر أو الأزرق، بسبب النتيجة المتقاربة للغاية في ولاية فلوريدا.
واستمرت العملية الانتخابية حتى منتصف ديسمبر نتيجة إعادة فرز الأصوات، عندما حسمت المحكمة العليا الفوز لصالح بوش، وأصبحت فلوريدا رسمياً "ولاية حمراء".
وخلال تلك العملية من إعادة فرز الأصوات والطعون القضائية، كانت الحاجة إلى الاتساق عبر المنافذ الإعلامية ذات أهمية قصوى، فوحدت الشبكات والصحف الخرائط بألوانها الثابتة الأحمر للجمهوريين والأزرق للديمقراطيين، وبقيت على حالها منذ تلك اللحظة. وأصبحت الخرائط الملونة رمزاً ثابتاً لتذكير الناخبين بالانقسام الأيديولوجي الحاد بين الحزبين.
حمار أزرق وفيل أحمر
ويظهر الفيل والحمار في كل دورة انتخابية، إذ يمثل الأول الحزب الجمهوري، بينما يشير الثاني إلى الحزب الديمقراطي، ويعود الفضل في ترويج الرمزين السياسيين لأكبر حزبين في الولايات المتحدة إلى الرسام الكاريكاتوري السياسي توماس ناست، الذي كان يعمل في مجلة "هاربر ويكلي" السياسية بين عاميْ 1862 و1886.
ووفقاً لشبكة CNN، تمحورت مسيرة ناست المهنية حول موضوعين أساسيين، هما ازدراؤه الساخر للمتنمرين من كل الأشكال والأحجام، وتعاطفه مع ضحاياهم، خاصة أنه كان يتعرض للتنمر بشراسة عندما كان طفلاً.
وبينما يعود الفضل لناست في ترويج وترسيخ ارتباط رمز الحمار بالديمقراطيين، فإن "الحمار" كرمز للحزب الديمقراطي، ظهر قبل ذلك بكثير.
وفي عام 1828، أطلق خصوم الرئيس الديمقراطي أندرو جاكسون لقب "حمار" عليه بسبب عناده واستخدام شعارات حملته الانتخابية التي ركزت على السلطة الشعبية "دع الشعب يحكم".
وبحسب منظمة Our White House، تبنى جاكسون رمز الحمار بعناد كدليل على صلابته وقوته، وأدرجه في ملصقات حملته الانتخابية، مشيراً إلى أنه يمثل البساطة والمثابرة.
وبعد أن ترك أندرو جاكسون منصبه، عمل رسامو الكاريكاتير السياسي على تعزيز الصلة بين الديمقراطيين والحمار. ففي رسم كاريكاتوري يعود إلى عام 1837، صور جاكسون وهو يقود حماراً رفض أن يتبعه، في إشارة إلى أن الديمقراطيين لن يستسلموا للرئيس السابق.
لكن الرمز ارتبط بالحزب الديمقراطي بشكل وثيق، ولاحقاً في عام 1870، عندما قام ناست باستخدام الحمار في رسومه الكاريكاتورية السياسية كرمز للحزب الديمقراطي بشكل متكرر، لاقى هذا الرمز انتشاراً واسعاً وأصبح مرتبطاً بالحزب منذ ذلك الحين.
وقد استخدم ناست، الذي كان مخلصاً للحزب الجمهوري، رمز الحمار في رسوماته بكثرة وربطه بالديمقراطيين بقصد ازدرائهم، فيما ساعدت شعبية رسوماته وانتشارها في ترسيخ هذه الصورة في أذهان الجمهور.
ومنذ ذلك الوقت، استمر استخدام الحمار كرمز للحزب الديمقراطي، وأصبح أحد الرموز السياسية الأكثر شهرة في الولايات المتحدة، بجانب الفيل الذي روج له أيضاً رسام الكاريكاتور توماس ناست، عام 1874، رغم أنه كما "الحمار" لم يكن أول من استخدمه.
وكان أول ارتباط بين الفيل والحزب الجمهوري من خلال رسم توضيحي في حملة أبراهام لينكولن الرئاسية عام 1864، وقد ظهر فيل يحمل لافتة ويحتفل بانتصارات الاتحاد. وخلال الحرب الأهلية، كانت رؤية صور الفيل تعبيراً عن القوة والثبات، وكان الفيل خياراً لتمثيل المعارك الناجحة.
وفي عام 1874، نشر ناست رسماً كاريكاتورياً في مجلة Harper's Weekly بعنوان "ذعر الفترة الثالثة".
وكان الرئيس الجمهوري يوليسيس جرانت، رئيساً لفترتين وكان يفكر في تولي فترة ثالثة، قبل تحديد المدة بفترتين وفقاً للتعديل الـ 22 من الدستور.
وبحسب مجلة Smithsonian السياسية، كان الرسم يصور فيلاً ضخماً يرتدي لافتة "التصويت الجمهوري" يبدو وكأنه على وشك السقوط في فخ نصبه الحمار، الذي يمثل الصحافة الديمقراطية.
وفي ذلك الرسم، كان الحمار يرتدي جلد أسد، معبراً عن اعتقاد ناست، الذي كان مؤيداً للجمهوريين، أن الصحافة الديمقراطية تعمل على بث الخوف لدى الناخبين من الفترة الثالثة للرئيس الجمهوري يوليسيس جرانت. ومع مرور الوقت، تبنى الحزب الجمهوري هذا الكاريكاتور، وتبنى الفيل رمزاً رسمياً له معبراً عن القوة والثبات.