دراسة: صدمات نفسية تهدد طلاب غزة بعدما أفقدتهم الحرب فرص التعلم

time reading iconدقائق القراءة - 8
أطفال فلسطينيون داخل مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح وسط غزة وسط استمرار الغارات الإسرائيلية على القطاع. 4 أغسطس 2024 - REUTERS
أطفال فلسطينيون داخل مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح وسط غزة وسط استمرار الغارات الإسرائيلية على القطاع. 4 أغسطس 2024 - REUTERS
القاهرة-محمد منصور

حذَّرت دراسة جديدة من أن الحرب الإسرائيلية على غزة ربما تعوق تعليم الأطفال والشباب بما يصل إلى خمس سنوات، وتهدد بخلق جيل ضائع من الشباب الفلسطينيين المصابين بصدمات نفسية دائمة.

الدراسة، التي أعدها فريق من الأكاديميين بالتعاون مع جامعة "كامبريدج"، ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، هي الأولى من نوعها التي تقيّم، بشكل شامل، تأثير الحرب على التعلم منذ اندلاعها في أكتوبر 2023. 

وتشير نتائج الدراسة إلى أن الصراع لم يؤثر فقط على البنية التحتية التعليمية، بل ألقى بظلاله على الصحة النفسية للطلاب، ما يجعلهم عرضة للاكتئاب والقلق، ويضعف فرصهم في الحصول على تعليم جيد.

فقدان الحق في التعليم

وفق الدراسة، فإن أطفال غزة فقدوا بالفعل 14 شهراً من التعليم، منذ عام 2019 بسبب فيروس كورونا، والعمليات العسكرية الإسرائيلية السابقة، والحرب الحالية.

وعلى هذا الأساس، وباستخدام معلومات، مثل بيانات التعافي التعليمي العالمي بعد فيروس كورونا، وضع الباحثون نماذج لعدة مستقبلات محتملة لجيل الشباب في غزة.

ويقول التنبؤ الأكثر تفاؤلاً- بافتراض وقف إطلاق النار الفوري والجهد الدولي السريع لإعادة بناء النظام التعليمي- إن الطلاب سيخسرون عامين من التعلم، وإذا استمرت الحرب حتى عام 2026، فقد تمتد الخسائر إلى خمس سنوات.  
 
ولا يأخذ هذا التنبؤ في الاعتبار التأثيرات الإضافية للصدمة، والمجاعة، والنزوح القسري، والتي تعمل جميعها على تعميق أزمة التعليم في غزة. 
 
وفي غياب الدعم الدولي العاجل، وواسع النطاق للتعليم، يشير الباحثون إلى وجود تهديد كبير، ليس فقط لتعلم الطلاب، بل وأيضاً لإيمانهم العام بالمستقبل، ومفاهيم مثل حقوق الإنسان.  

تراجع أولوية التعليم في غزة

وتظهر الدراسة أن التعليم أصبح أقل أولوية في جهود المساعدات الدولية، لصالح مجالات أخرى. ويحذر التقرير من أن التعليم، ببساطة، لا يُنظر إليه على أنه منقذ للحياة. 
 
وقالت المؤلفة المشاركة في الدراسة، بولين روز، وهي مديرة مركز البحث من أجل الوصول العادل والتعلم بجامعة كامبريدج - والذي ينشر الدراسة على موقعه الرسمي- إنه بالإضافة إلى التخطيط لكيفية إعادة بناء نظام التعليم المحطم في غزة، فهناك حاجة ملحة للحصول على الدعم التعليمي للأطفال الآن.

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد سقط أكثر من 10 آلاف و600 طفل و400 معلم  في العمليات العسكرية الإسرائيلية حتى أغسطس 2024، وأصيب أكثر من 15 ألفاً و300 طالب، و2400 معلم، كما نزح مئات الآلاف من الشباب، ويعيشون في الملاجئ.

وأكدت صور الأقمار الصناعية، التي حللها مجموعة التعليم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أن أكثر من 90% من المدارس تضررت، والعديد منها لا يمكن إصلاحه.

منذ أغسطس، قدمت الأونروا التعليم في الملاجئ، إذ وصلت إلى حوالي 8000 طفل، لكن الدراسة تحذر من أن هناك حاجة إلى المزيد للتخفيف من فقدان التعلم، والذي كان كبيراً بالفعل بعد فيروس كورونا. 

خوف دائم وانعدام الأمل 

ويرى الباحثون أن 14 شهراً من فقدان التعليم، حتى الآن، أدت إلى زيادة "فقر التعلم" - نسبة الأطفال غير القادرين على قراءة نص أساسي في سن العاشرة - بما لا يقل عن 20 نقطة مئوية، وقد يكون الرقم الدقيق أعلى من ذلك، حيث لا يأخذ هذا التقدير في الاعتبار التأثيرات الأوسع للحرب على الأطفال والمعلمين. 
 
وتسلط الدراسة الضوء على العواقب النفسية المدمرة للأطفال الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون بالفعل "في خوف دائم وانعدام الأمل" بعد 17 عاماً من الحصار، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة إنقاذ الطفولة في عام 2022. 

وقالت الباحثة المشاركة في الدراسة، مها شعيب، وهي مديرة مركز الدراسات اللبنانية: "تُظهِر نتائجنا أن الشباب في غزة يفقدون الأمل، والتعليم عنصر أساسي في تثبيت استقرار دوامة الانحدار هذه، وإذا مُحي التعليم ببساطة، فإن العواقب ستكون بعيدة المدى". 
 
وقدَّرت منظمة "أنقذوا الأطفال" أن أكثر من 10 أطفال فقدوا أطرافهم يومياً منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023، ويحذر التقرير من ارتفاع أعداد الإعاقات الأقل وضوحاً، الأمر الذي سيزيد من الضغوط على نظام تعليمي غير مجهّز لدعم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

وتشير الدراسة إلى أن الصدمة والمعاناة المستمرتين تشكلان الآن نظرة الأطفال، ووجهات نظرهم للعالم، وذكر الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات أن بعض الأطفال يشككون في قيم مثل المساواة، وحقوق الإنسان، والتسامح عندما يتم تدريسها في الملاجئ. وقال أحد مسؤولي المساعدات الإنسانية: "هذا جيل كامل من الصدمات؛ وسوف يستغرق الأمر جيلاً للتغلب عليها". 
 
ويسلط التقرير الضوء على المعاناة الهائلة التي تحملها المعلمون، والمرشدون، جسدياً ونفسياً؛ إذ ألحقت عمليات القتل، والنزوح، والواقع اليومي للحياة أثناء الحرب خسائر فادحة في قدرتهم على المشاركة بشكل هادف في التعليم، كما يقول التقرير، وسوف تؤثر سلباً على جهود إعادة الإعمار.

عواقب طويلة الأمد

ويقول الباحث المشارك في الدراسة، يوسف سيد، من جامعة كامبريدج: "من المهم إدراك أن المعلمين والمرشدين، مثل بقية السكان، عانوا بشكل كبير.. هناك أدلة على التزام غير عادي من جانب المعلمين الذين يسعون جاهدين للحفاظ على التعلم، ولكن من المحتمل أن يؤثر الحرمان والقتل والصعوبات على قدرتهم على القيام بذلك". 
 
ورغم النداء العاجل من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن التحليل يظهر أن 3.5% فقط من المساعدات المقدمة إلى غزة تم استثمارها في التعليم، فقد أهمل المانحون الرئيسيون، مثل الولايات المتحدة وألمانيا، التعليم في حزم مساعداتهم، ويستمر الحصار الإسرائيلي في إعاقة تسليم الموارد على الأرض.
 
ويحذر التقرير من أن العواقب طويلة الأمد على الجيل القادم في غزة، سوف تتفاقم، في غياب المزيد من التمويل، والوصول إلى التعلم، واللعب المنظم، وغير ذلك من أشكال الدعم.

صدمات نفسية عميقة

ويدعو التقرير إلى اتخاذ خطوات فورية تركز على استئناف التعليم، بما في ذلك توفير المشورة، ومساحات التعلم الآمنة، ودعم الطلاب، والمعلمين ذوي الإعاقة، كما يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، وبشكل دائم، وإنهاء الاحتلال، بما يتماشى مع الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، والقرار الذي اعتمدته الأمم المتحدة مؤخراً بهذا الخصوص.

وسيتطلب هذا التركيز على توظيف المزيد من المعلمين، والمستشارين، للتعامل مع حجم فقدان التعلم والصدمات التي يعاني منها الأطفال والشباب. 
 
ويقول فيليب لازاريني، المفوض العام للأونروا، إن التعليم هو الأصول الوحيدة التي لم يُحرم منها الشعب الفلسطيني.

ويضيف: "لقد استثمروا بفخر في تعليم أطفالهم على أمل مستقبل أفضل. واليوم، يعيش أكثر من 625 ألف طفل في سن المدرسة مصابين بصدمات نفسية عميقة، تحت الأنقاض، في غزة.. ويجب أن تكون إعادتهم إلى التعلم أولويتنا الجماعية"، مشيراً إلى أن الفشل في القيام بذلك لن يؤدي فقط إلى ضياع جيل، بل سيزرع أيضاً بذور المزيد من التطرف والكراهية والعنف. 

وتؤكد الدراسة أيضاً على أن الفلسطينيين أنفسهم يجب أن يقودوا تعافي التعليم، ويرى المؤلفون أن وقف إطلاق النار هو المفتاح لنجاح أي نشاط للتنمية البشرية في غزة، بما في ذلك التعليم.

وتذهب الدراسة إلى القول: "رأى الأطفال أن المجتمع الدولي سيجلس مكتوف الأيدي بينما يُقتلون.. وقد تركهم هذا مع تساؤلات حول القيم التي تهدف المدارس والتعلم إلى غرسها حول المبادئ الإنسانية".

تصنيفات

قصص قد تهمك