رفع تحول رحلات الطيران الدولية عن مسارها التقليدي فوق منطقة الشرق الأوسط إلى مجال أفغانستان الجوي مع تصاعد توتر الشرق الأوسط، عائدات حكومة طالبان، إذ أثبت الطيران عبر المجال الجوي الأفغاني، أنه الخيار الأكثر أماناً لشركات الطيران الدولية، حيث تسبب القصف الصاروخي الإيراني لإسرائيل في تحول ملحوظ في مسارات الطيران المدني، حسبما أكدت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية.
وبلغ عدد الرحلات الجوية الدولية التي تمر عبر المجال الجوي الأفغاني الذي تسيطر عليه طالبان، أعلى مستوى قياسي هذا الأسبوع في أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل.
والخميس الماضي، عبرت 191 رحلة جوية فوق أفغانستان، حيث دفعت شركات الطيران لوزارة الطيران المدني في البلاد، 700 دولار لكل رحلة مقابل هذا الامتياز. وتمثل المدفوعات تدفقاً كبيراً للإيرادات لنظام طالبان الذي يعاني من صعوبات مالية.
وأصبح المجال الجوي الأفغاني محظوراً على الرحلات الجوية الدولية، في ظل مخاوف تتعلق بالسلامة في وقت انهيار الحكومة المتحالفة مع حلف شمال الأطلسي في أغسطس 2021، عندما انسحبت القوات الغربية من كابول، واستولت الجماعة المتشددة على البلاد.
لكن هذه الطائرات ما فتئت تعود بشكل مطرد، وخاصة العام الماضي منذ هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل، والحرب الإسرائيلية على غزة.
وفي الأسبوع الثاني من أغسطس، شهدت أفغانستان أكثر من سبعة أضعاف عدد الرحلات الجوية عبر مجالها الجوي مقارنة بأغسطس 2023، بحسب بيانات FlightRadar24.
تحول سريع
وتسارع هذا التحول بشكل كبير في وقت سابق من هذا الأسبوع، وذلك عندما أطلقت إيران ما يقرب من 200 صاروخ باليستي على إسرائيل، مما أجبر العديد من شركات الطيران على التخلي عن المسار المعتاد من أوروبا إلى آسيا عبر المجال الجوي الإيراني.
تُظهر بيانات FlightRadar24، التي حللتها صحيفة The Independent، متوسط 147 رحلة جوية يومياً عبر المجال الجوي الأفغاني بين 19 و30 سبتمبر، باستثناء الرحلات التي تبدأ أو تنتهي في أفغانستان نفسها.
وارتفع الرقم بنسبة 20% إلى 171، الثلاثاء الماضي، عندما نفذت إيران هجومها، الذي بدأ في الصباح الباكر، وقفز مرة أخرى إلى 191، الخميس، وهو أكبر عدد من الرحلات الجوية التي تمر عبر أفغانستان في يوم واحد منذ استيلاء طالبان على السلطة.
ومن بين شركات الطيران التي عادت رحلاتها إلى الأجواء الأفغانية الخطوط الجوية السويسرية، و"فين إير"، والخطوط الجوية السنغافورية، والخطوط الجوية البريطانية، ولوفتهانزا".
وقال المتحدث باسم FlightRadar24 إيان بيتشينك لصحيفة The Independent: "نرى الطائرات التي تمر عادة عبر إيران تستخدم المجال الجوي الأفغاني الآن. ومع بدء رؤية المزيد والمزيد من القيود على المجال الجوي (في الشرق الأوسط)، فإن شركات الطيران تتخذ قراراً محسوباً بشأن المخاطر - هل هذه طريقة آمنة للعمل؟ وهل هي أكثر أماناً من البديل الذي لا يزال يسمح لنا بتشغيل هذه الرحلات؟".
وتم تداول مقطع فيديو على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي تم التقاطه من داخل طائرة ركاب فوق الشرق الأوسط، بينما أطلقت إيران صواريخها الباليستية على إسرائيل، حيث تظهر كرات نارية عملاقة مرئية من نافذة الطائرة.
وأفادت تقارير بأن أبراج مراقبة الحركة الجوية في جميع أنحاء المنطقة فوجئت أيضاً بهذا الهجوم، إذ تقاطرت عليها طلبات عاجلة لإعادة التوجيه من الطيارين.
وقال نانت ميشرا، المعلق الأفغاني والزميل الزائر في المركز الدولي للشرطة والأمن بجامعة جنوب ويلز: "لقد تلقت شركات الطيران، وخاصة الغربية، آلاف الطلبات من الطيارين لتجنب المجال الجوي في إيران وسوريا، مما أجبرهم على اختيار الممر الجوي الأفغاني، وهو أقل خطورة نسبيًا".
قرار بدوافع سياسية
ولم يكن قرار تجنب المجال الجوي الأفغاني بعد أغسطس 2021 نابعاً من مخاوف تتعلق بالسلامة فحسب، بل كان أيضاً قراراً سياسياً، ووسيلة للضغط على طالبان من خلال حرمانهم من مصدر للعملة الدولية.
والمبالغ التي تدفعها شركات الطيران ليست ضخمة، و تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن إجمالي دخل الحكومة الأفغانية الفعلية بين مارس وأغسطس من هذا العام بلغ حوالي 1.3 مليار دولار. وإذا استمرت الرحلات الجوية بمعدل يوم الخميس، فستكون قيمتها حوالي 50 مليون دولار سنوياً لطالبان.
ويقول كابير تانيجا من مؤسسة "أوبزرفر" للأبحاث في دلهي: "كانت فكرة عدم السماح باستخدام المجال الجوي الأفغاني تهدف في الأساس إلى الضغط على طالبان، من خلال عدم دفع رسوم التحليق، كوسيلة للإشارة إلى أنهم بحاجة حقاً إلى الوفاء بضمانات الأمن وعدد من الأشياء التي طلبها الغرب".
ويرى تانيجا أن هذه الاعتبارات ستظل دائماً أقل أهمية من السيناريو الكابوسي المتمثل في التهديد العسكري للطائرات الركاب. ويقول: "هناك دائماً خطر وشيك مع حركة المرور المدنية فوق مناطق الصراع، ودائماً ما تكون هناك علامة استفهام حول ذلك".
ويضيف: "سواء كان الأمر يتعلق بإسقاط طائرة MH17 فوق أوكرانيا أو إسقاط طائرة بوينج 737 فوق إيران، فهذا ليس جديداً، ويُظهر أن الأمور يمكن أن تسوء بشكل رهيب في ضباب الحرب عندما يتعلق الأمر بالطيران المدني.
وتابع: "نفترض أن المجال الجوي الأفغاني يُنظر إليه على أنه أكثر أماناً من المجال الجوي الإيراني الآن. لا نعرف إلى متى ستستمر هذه التغييرات".
مسارات أكثر أماناً
ويقول تانيجا، إن الرحلات الجوية التي تعبر المجال الجوي الأفغاني على ارتفاع 35 ألف قدم، أقل عرضة لأن تكون هدفاً للصواريخ أرض-جو، مضيفاً أن الجماعات الإرهابية في أفغانستان لا تمتلك مثل هذه القدرات.
ووفقاً لإدارة الطيران الفيدرالية، تظل الرحلات الجوية على ارتفاع 32 ألف قدم أو أكثر في أفغانستان بعيدة عن متناول مثل هذه الأسلحة، حتى لو تم إطلاقها من قمة جبل.
ويقول جرايم سميث، المحلل البارز في أفغانستان في مجموعة الأزمات الدولية، إن العودة إلى أجواء أفغانستان أمر منطقي للعديد من المسارات في جميع أنحاء المنطقة. ويوضح: "بالنسبة لشركات الطيران، فإنها تقلل من بصماتها الكربونية وتخفض التكاليف من خلال منحها طرقاً أكثر مباشرة".
ويرى كذلك أنه ليس بالأمر السلبي أيضاً، على اعتبار أن التمويل من هذه الرحلات يصل إلى الأفغان العاديين، الذين شهدوا انهيار اقتصاد بلادهم منذ استيلاء طالبان على السلطة.
ويقول في هذا الصدد إن "الاعتماد المتزايد على المجال الجوي الأفغاني، لن يرقى أبداً إلى مصدر كبير جداً للإيرادات للدولة التي تسيطر عليها طالبان، ولكن كل جزء يساعد في تمويل الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم".