اختتم مؤتمر الأمم المتحدة السادس عشر للتنوع البيولوجي السبت، في ظل الخلافات بين البلدان في المحادثات التي استغرقت وقتاً إضافياً بشأن إنشاء صندوق عالمي جديد للطبيعة، حسبما أوردت "بلومبرغ".
وبعد المفاوضات بكالي في كولومبيا، والتي امتدت طوال ليلة الجمعة وحتى صباح السبت، بدأ المندوبون في المغادرة والتوجه لبلداهم بعدما علقت سوزانا محمد، وزيرة البيئة في الدولة المضيفة ورئيسة مؤتمر الأطراف السادس عشر، القمة في النهاية بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني.
وكان التركيز الرئيسي لمؤتمر الأطراف السادس عشر، منصباً على إحراز تقدم في ميثاق التنوع البيولوجي التاريخي الذي تم تبنيه في مونتريال قبل عامين.
مشكلات التمويل
ومن خلال ما يسمى بإطار "كونمينج-مونتريال" العالمي للتنوع البيولوجي، وافقت ما يقرب من 200 دولة على عكس التراجع الحاد في الطبيعة بحلول نهاية العقد وجمع مئات المليارات من الدولارات لهذا الغرض.
وقالت جينيت هيملي، نائبة الرئيس الأولى للحياة البرية في صندوق الحياة البرية العالمي في الولايات المتحدة لـ"بلومبرغ" إن "نتيجة مؤتمر الأطراف السادس عشر تمثل مزيجاً مختلطاً".
وأضافت أنه كان هناك "تقدماً حقيقياً" في قضايا بما في ذلك تقاسم المنافع المتعلقة بالمعلومات الجينية والصحة والتنوع البيولوجي، "لكن الافتقار إلى التقدم في التمويل سيعيق الجهود الرامية إلى وقف وعكس فقدان الطبيعة بحلول عام 2030".
وعلى الرغم من الانتكاسات في اللحظات الأخيرة، حقق مؤتمر الأطراف السادس عشر بعض أهدافه. إذ ستمضي البلدان قدماً في إنشاء صندوق جديد لحماية الطبيعة، والذي سيتم تمويله من قبل الشركات التي تبيع منتجات، مثل الأدوية ومستحضرات التجميل، تم تصنيعها بناء على البيانات الجينية المحصل عليها من الطبيعة.
ولكن من جهة أخرى، فإن ما أطلق عليه في البداية "مؤتمر الأطراف للتنفيذ" لم يرقَ إلى مستوى الطموحات. ولم تتمكن أغلب الأطراف من تقديم خططها للوفاء باتفاقية 2022، وتعهدت الدول الغنية بتقديم قدر ضئيل من الأموال الجديدة.
وقال ديفيد أينسورث من اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي لـ"بلومبرغ"، إن المؤتمر لم ينته بعد. ولم يتحدد بعد متى وأين سيستأنف المؤتمر. وأضاف أن أي شيء تم اعتماده بالفعل في مؤتمر الأطراف السادس عشر، لا يزال قائماً.
"خطوة صغيرة إلى الأمام"
ويشمل ذلك الاتفاق الجديد بشأن تقاسم العائدات المالية المستمدة من الموارد الوراثية الرقمية.
ويهدف هذا الاتفاق إلى الاستفادة من جزء صغير من العائدات عندما تستخدم الشركات، على سبيل المثال، المعلومات الوراثية للنباتات لإنشاء عقاقير جديدة.
وبموجب شروطه، يتعين على الشركات التي يزيد حجمها عن حجم معين في قطاعات مثل الأدوية والتكنولوجيا الحيوية ومستحضرات التجميل أن تساهم بنسبة 1% من أرباحها أو 0.1% من العائدات لـ"صندوق كالي". وسيتم الإشراف على الصندوق من قبل 196 دولة وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي.
وسيتم تخصيص العائدات للدول من أجل حماية الطبيعة، مع تخصيص نصفها على الأقل "حيثما كان ذلك مناسباً" للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية.
وبالنسبة لبيير دو بليسيس، المفاوض السابق للمجموعة الإفريقية من البلدان التي تتفاوض ككتلة، فإن هذا يرقى إلى "خطوة صغيرة إلى الأمام". وقال إن هذا الاتفاق يضع الآلية في مسارها ويحدد عملية لتحسينها، ولكن "من غير المرجح أن يحشد التمويل بالحجم أو الوتيرة المطلوبة".
وقد دفعت التفاصيل الفنية المعقدة والاختلافات السياسية والضغوط من قبل جماعات المصالح، المفاوضات بشأن هذه القضية إلى حافة الهاوية، وفق "بلومبرغ".
وقال جوستافو باتشيتشو، المفاوض البرازيلي الرئيسي حول هذا الموضوع للوكالة: "هذه هي القضية الأكثر تعقيداً التي اضطررت إلى التفاوض عليها على الإطلاق".
خلافات مالية
ولكن المندوبين فشلوا في الاتفاق على استراتيجية لجمع وتوزيع المزيد من الأموال على البلدان لحماية الطبيعة. وهذا يثير الشكوك قبل قمة المناخ العالمية COP29، المقرر أن تبدأ في 11 نوفمبر في باكو، أذربيجان، حيث سيكون السؤال الرئيسي هو كيفية جمع الأموال لمساعدة الدول الأكثر فقراً على خفض الانبعاثات والتعامل مع تأثيرات تغير المناخ.
وقالت لينا باريرا، نائبة الرئيس الأولى للسياسة في Conservation International، "إن تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي أزمتان مرتبطتان".
وفي حين شهد مؤتمر COP16 بعض التقدم في الخطوات ذات المنفعة المتبادلة، قالت: "لقد افتقر إلى الطموح الكافي"، وأضافت: "لا يمكننا السماح لهذا بالانتقال من كالي إلى باكو".
وقالت كريستال ديفيس، المديرة العالمية للأغذية والأراضي والمياه في معهد الموارد العالمية: "نحث البلدان على تحقيق نتائج مالية قوية في اجتماعات مجموعة العشرين وCOP29 القادمة، حيث يجب أن تستمر في ربط الطبيعة والعمل المناخي للناس والكوكب على حد سواء".
وفي كالي، كان إنشاء صندوق طبيعي جديد مطلباً رئيسياً للدول النامية. إذ يرون أن الصندوق الحالي، صندوق الإطار العالمي للتنوع البيولوجي التابع لمرفق البيئة العالمية، تهيمن عليه البلدان الغنية التي تتحكم في الصندوق، حسب "بلومبرغ".
ويوم الجمعة، طرحت مسألة الصندوق على طاولة النقاش. ولكن عندما فتح النقاش السبت، قاومت الدول المتقدمة. ووصلت المفاوضات إلى طريق مسدود قبل أن تعلقها كولومبيا.
وقال أحد المفاوضين من الاتحاد الأوروبي لـ"بلومبرغ"، إن الكتلة لا تستطيع قبول صندوق مساعدات التنمية الرسمية الجديد "الذي يزيد من تفتيت مشهد تمويل التنوع البيولوجي. الصندوق الجديد لا يعني تمويلاً جديداً".
وقال باتشيكو: "رفضت الدول المتقدمة قرار تعبئة الموارد في كتلة واحدة، كصوت وحيد. عار عليهم".
تأخر في الوفاء بالالتزامات
وتجاوزت نحو 150 دولة الموعد النهائي لتقديم خططها لتحقيق أهداف ميثاق 2022. ولم يكن هناك سوى تقدم ضئيل فيما يتصل بالهدف المتمثل في إعادة توجيه 500 مليار دولار سنوياً إلى الأنشطة الصديقة للطبيعة، والتي تقدر الآن بأكثر من 2.6 تريليون دولار سنوياً.
وتعهدت الدول المتقدمة بتقديم 163 مليون دولار إضافية لصندوق التنوع البيولوجي العالمي، وهو مبلغ ضئيل للغاية، يضاف إلى 245 مليون دولار، لكنه لا يزال يشكل جزءاً ضئيلاً من فجوة التمويل التي تقدر بمليارات الدولارات والتي وافقت الدول الغنية على سدها بحلول العام المقبل.
وفي الساعات الأخيرة من المحادثات، قالت بيرناديت فيشلر هوبر، رئيسة الدعوة العالمية في الصندوق العالمي للطبيعة WWF International، إن اتفاقية 2022 تواجه "خطراً جسيماً" بسبب الخلافات المستمرة حول الأموال.
ومع ذلك، تم إحراز تقدم واضح بشأن بنود أخرى كانت على جدول الأعمال. من بينها خطة عمل عالمية بشأن التنوع البيولوجي والصحة؛ وقراراً بمساعدة الحكومات في اختيار أفضل مكان لنشر تدابير حماية البحار؛ وكرسي دائم للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية في اتفاقية التنوع البيولوجي.
ووصفت ليلى سالازار لوبيز، المديرة التنفيذية لمنظمة "أمازون ووتش" غير الربحية، إنشاء هيئة دائمة لإشراك الشعوب الأصلية في صنع القرار بأنه "انتصار تاريخي".
وشهد مؤتمر المناخ السادس عشر إقبالاً قياسياً، إذ سجل أكثر من 20 ألف مندوب لحضور القمة الرسمية في ما يسمى بالمنطقة الزرقاء ومضاعفة عدد الشركات والمؤسسات المالية التي شاركت في مؤتمر المناخ الخامس عشر.
وأرسلت البرازيل حوالي 270 مندوباً رسمياً، وأرسلت كولومبيا حوالي 460 مندوباً. وفي المنطقة الخضراء غير الرسمية، تقدر الحكومة أن أكثر من 800 ألف شخص شاركوا، وهي شهادة على سعي كولومبيا لجعل هذا الحدث "مؤتمر مناخ شعبي".