"صناعة الحرائق".. المافيا الإيطالية تستغل تغير المناخ لتوسيع نفوذها

time reading iconدقائق القراءة - 7
طائرة "كنادير" تطلق مواد إطفاء الحرائق على منطقة مشتعلة في مدينة تراباني بصقلية جنوبي إيطاليا. 27 أغسطس 2023 - Reuters
طائرة "كنادير" تطلق مواد إطفاء الحرائق على منطقة مشتعلة في مدينة تراباني بصقلية جنوبي إيطاليا. 27 أغسطس 2023 - Reuters
دبي -الشرق

يشهد جنوب إيطاليا سنوياً الآلاف من حرائق الغابات، تغذيها الظروف المناخية القاسية مثل درجات الحرارة المرتفعة ورياح "السيروكو" الجافة القادمة من الصحراء الكبرى. ومع تزايد تأثير أزمة تغير المناخ في تأجيج هذه الحرائق، تشير تقارير حديثة إلى دور محتمل لعصابات المافيا في إشعال بعضها. 

وفي حين أن الرياح الحارة والجافة تهيئ الأرض للحرائق الشديدة في إيطاليا، فإن ثمة دور للبشر في إشعالها. ويقول مسؤولون إن أكثر من نصف هذه الحرائق يتم إشعالها عمداً لأسباب تتراوح بين إزالة الأشجار لاستغلال الأراضي لتحقيق مكاسب مالية، وأسباب انتقامية، بحسب شبكة CNN الأميركية. 

وبما أن الحرائق تتركز في المناطق التي تسيطر عليها المافيا بقوة، فهناك تدقيق متزايد على هذه الجماعات الإجرامية. 

وصرحت الباحثة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، لورين بيرسون للشبكة، بأن المافيا "تستخدم الحرائق كسلاح" في المنطقة لتعزيز نفوذها وتحقيق مكاسب مالية.

وأمضت بيرسون عدة أشهر في التحدث مع ممثلي الادعاء والشرطة والمنظمات البيئية وسكان محليين في صقلية، حيث تنشط جماعات المافيا الإيطالية. 

وأوضحت بيرسون، في حديثها لـ CNN، أن طبيعة عمل المافيا، بما تتسم به من السرية والسيطرة الكبيرة على المجتمعات، تجعل الحصول على بيانات دقيقة تربطها بالحرائق أمراً بالغ الصعوبة. ومع ذلك، تشير الأدلة من دراستها الأخيرة إلى وجود صلة واضحة بين الجريمة المنظمة وحرائق الغابات. 

العامل البشري

ورغم أن حرائق الغابات ليست جديدة على جنوب إيطاليا، إلا أن صيف السنوات الأخيرة كان مدمراً. ففي عام 2021، شهدت صقلية أكثر من 8 آلاف حريق، تزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة إلى 49 درجة مئوية. 

وكانت الحرائق شديدة للغاية لدرجة أن اللجنة الإقليمية لمكافحة المافيا أجرت تحقيقاً في الأسباب الجنائية المحتملة وراءها. وأظهر تقرير اللجنة أن الظروف الجوية المثالية ووعورة تضاريس الغابات ساهمت في انتشار الحرائق السريع وغير القابل للسيطرة، لكن الأنشطة الإجرامية "تُعد العامل الأخطر"، بحسب التقرير. 

وقالت لورا بيفي، التي تعمل مع منظمة "ليجامبيينتي" البيئية غير الربحية، والتي تقوم بتوثيق جرائم المافيا البيئية منذ عقود، إن هذه الأنشطة الإجرامية ليست مجرد أعمال تخص المافيا. وأضافت في تصريح لشبكة CNN أن هناك ما يُسمى بـ "صناعة الحرائق" في جنوب إيطاليا، بسبب عدد الأشخاص المتورطين في هذه الأنشطة. 

وذكرت لـ CNN أن الحرائق تُشعل أيضاً من قبل عمال موسميين يسعون لتمديد عقودهم في مكافحة الحرائق، ومزارعين يريدون إخلاء الغابات للرعي، ومتظاهرين أو أشخاص لهم دوافع انتقامية. 

لكن حتى عندما لا تكون المافيا مسؤولة بشكل مباشر، قالت بيفي إنه من غير المعقول أن يشعل أي شخص حريقاً في مناطق تسيطر عليها المافيا دون الحصول على إذن منها. 

مؤسسة إجرامية شاملة

وفي عام 2023، حدث أكثر من نصف حرائق إيطاليا البالغ عددها نحو 3700 حريق في صقلية وبوليا وكالابريا وكامبانيا، وهي المناطق التي تعد موطناً لعصابات المافيات الأربع الكبرى في جنوب إيطاليا، وفقاً لفينتشنزو ليناريللو، مؤسس شبكة GOEL التي تضم مزارعين يناضلون ضد تأثيرات المافيا. 

وأوضح سيرجيو ناتسارو، الصحافي والمتحدث السابق باسم رئيس لجنة مكافحة المافيا البرلمانية، أن الحرائق المتكررة في تلك المناطق "إما تكون هجوماً على المافيا أو هي من تنفيذها. إنها مسألة منطق بسيط". 

وتستخدم المافيا الحرائق لتحقيق هدفين رئيسيين هما النفوذ والربح. 

وقال ناتسارو لشبكة CNN: "الحرائق هي المال. إنها تخلق حالة طوارئ يجب حلها، وتحقق أرباحاً للشركات التي تتدخل في عمليات الإطفاء". وأوضح أن هناك عقوداً للإطفاء وعمليات التطهير وإعادة البناء.

وأضاف أن المافيا هي مؤسسة إجرامية متعددة الطبقات، تمتد "من قوة العمل التي تشعل الحرائق إلى منح التراخيص للبناء على الأراضي المحترقة". 

وأشارت بيرسون إلى أن هناك أيضاً أدلة على أن منظمات المافيا قد تستخدم الحرائق للحصول على أراضٍ لعقد صفقات لإنشاء بنية تحتية للطاقة الشمسية والرياح، على أمل الاستفادة من أموال الانتقال إلى الطاقة النظيفة. 

وذكر أحد المزارعين، الذي وردت شهادته في تقرير لجنة مكافحة المافيا، أنه تم التواصل معه من قبل شركات ألواح شمسية بعد أن تم إحراق أرضه. 

وقالت بيرسون إن هناك مفارقة قاسية في هذا السياق، مشيرة إلى أن المافيا تبدو وكأنها تستخدم تغير المناخ كأداة، حيث أنها تساهم في إشعال حرائق مدمرة، بينما تحاول استغلال الأموال المخصصة لمكافحة هذه الظاهرة. 

وأضافت أن عصابات المافيا الإيطالية "خبيرة في إيجاد طرق غير قانونية للحصول على أموال جديدة". 

سلاح تغير المناخ

وقال خبراء إن استخدام المافيا للحرائق، لا يقتصر على تحقيق المكاسب المالية، بل يتماشى أيضاً مع ثقافة العنف التي تتسم بها هذه الجماعات. وأوضحت بيرسون أن الحرائق هي "سلاح للترهيب والإرهاب"، وطريقة للإعلان عن أن الأرض لا تزال تحت سيطرتهم. 

وأضاف ناتسارو، أنه من الصعب مكافحة إشعال الحرائق المتعمد. وقال إن إثبات أن الحريق قد أُشعل عن عمد أمر سهل ودوافعه غالباً ما تكون واضحة ضمناً، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في تحديد الجناة وخاصة المسؤولين الرئيسيين عن الفعل. 

وقال أندريا زوبي، النائب المساعد في مكتب الادعاء في باليرمو بصقلية، إنه لا يوجد حالياً "دليل ملموس" على تورط المافيا في الحرائق، رغم وجود أدلة على أن حرائق الغابات غالباً ما تؤدي إلى المضاربة على الأراضي. 

ولدى إيطاليا عدد من القوانين التي تهدف إلى تثبيط إشعال الحرائق عن طريق حظر الرعي أو التنمية لعدة سنوات بعد احتراق الأرض، ولكن من الصعب تطبيق هذه القوانين، وفقاً لبيرسون، لأنها تتطلب الكثير من المتابعة والمراقبة. 

وقال بييترو تشيولا، ممثل الصندوق العالمي للطبيعة في إيطاليا لصقلية، إن المشكلة الكبرى في بعض مناطق إيطاليا هي غياب استراتيجية لمكافحة الحرائق، حيث تُنفق الموارد على إطفاء الحرائق ولكن لا يتم العمل على إيجاد طرق لمنعها وإعادة تشجير الأراضي. وأضاف أن هذا من المرجح أن يسهل للمافيا "التسلل والقيام بأنشطتها". 

وأشارت بيرسون، إلى أنه مع ارتفاع درجات حرارة الكوكب، قد تجد المافيا أنه من الأسهل استخدام الحرائق لتحقيق أهدافها، قائلة: "هناك عملية تحويل لتغير المناخ إلى سلاح". 

تصنيفات

قصص قد تهمك