واشنطن تراهن على "سلسلة توريد محلية" لكسر هيمنة الصين على المعادن النادرة

time reading iconدقائق القراءة - 7
منجم المعادن الأرضية النادرة التابع لشركة MP Materials في ماونتن باس بكاليفورنيا. 30 يناير 2020 - Reuters
منجم المعادن الأرضية النادرة التابع لشركة MP Materials في ماونتن باس بكاليفورنيا. 30 يناير 2020 - Reuters
دبي -الشرق

تسعى الولايات المتحدة لتأسيس سلسلة توريد محلية للمغناطيسيات عالية الأداء المستخدمة في منتجات التكنولوجيا الفائقة، في محاولة لكسر هيمنة الصين الخانقة على سوق المعادن الأرضية النادرة.

وتقول صحيفة "واشنطن بوست" إن شركة USA Rare Earth تعد جزءاً من هذه المحاولة، إذ تسارع الشركة إلى إنشاء خط إنتاج وتوظيف عشرات المتخصصين المهرة وصقل تركيباتها العلمية استعداداً لإنتاج ملايين مغناطيسات النيوديميوم القوية، أو ما يعرف بـ"نيو" في أوائل عام 2026.

وتعد المغناطيسات عالية الأداء والمعادن الأرضية النادرة، مكوناً رئيسياً يدخل في صناعة منتجات حيوية مثل الطائرات المسيرة والسيارات الكهربائية والهواتف الذكية والأجهزة الطبية والأسلحة العسكرية.

وتثير المخاطر الجيوسياسية قلق واشنطن، إذ تهيمن بكين على سوق المعادن الأرضية النادرة، وقد أظهرت الصين هذه الهيمنة في الأسابيع الأخيرة عندما حرمت شركات صناعة السيارات الأميركية من الوصول إلى الإمدادات اللازمة، في محاولة للضغط على الرئيس الأميركي دونالد ترمب في المفاوضات التجارية بين الجانبين.

عقبات وتحديات

وتقول الصحيفة، إنه بعد سنوات من الاعتماد بشكل كلي على الصين، تحاول الشركات الأميركية استعادة مكانتها، لكن العقبات التي تعترض شركة USA Rare Earth تعكس حقيقة مقلقة، إذ ستحتاج الولايات المتحدة لسنوات قبل أن تتمكن من التخلص من اعتمادها الكلي على خصمها الاستراتيجي، وستحتاج الحكومة الفيدرالية للتدخل بقوة لدعم هذه الجهود.

وفي حديث مع "واشنطن بوست"، قال الرئيس التنفيذي للشركة، جوشوا بالارد: "لدينا مصادر مستقبلية. لكن العالم في وضع صعب خلال السنوات القليلة المقبلة. للأسف، نعتمد نوعاً ما على الصين. هكذا تركنا أنفسنا على مدى العقود القليلة الماضية، وسيستغرق الأمر بعض الوقت للخروج من هذا الوضع".

داخل منشأة الشركة، التي تبلغ مساحتها 310 ألف قدم مربع، في أوكلاهوما، تتبلور ملامح عملية التصنيع. يحيط الفنيون بقطع ضخمة من المعدات، تم الحصول عليها من مصنع "هيتاشي" الذي أوقف تشغيل الأجهزة قبل عقد من الزمن بعد 18 شهراً فقط من الاستخدام.

تتبع شركة USARE، نهجاً حذراً ومتدرجاً للنمو. إذ تعتزم البدء في إنتاج المغناطيس بمعدل سنوي قدره 600 طن متري مطلع العام المقبل، قبل مضاعفة هذه الكمية بنهاية العام. ومن المتوقع أن يُنتج هذا المصنع بعد بضع سنوات 5000 طن متري من المغناطيس، وأن يحقق إيرادات سنوية تبلغ 800 مليون دولار، وفقاً لما صرح به بالارد للمستثمرين الشهر الماضي.

عملية دقيقة

ووقعت USARE مذكرات تفاهم مع العديد من الشركات في قطاعي الطيران وصناعة الأدوات، والتي ترغب في معرفة ما إذا كان بإمكانها إنتاج مغناطيسات تلبي متطلباتها الخاصة. وجاء آخر اتفاق الأسبوع الماضي، عندما طلبت شركة Moog Electric Motion Solutions من الشركة تطوير نماذج أولية لمغناطيسات لاستخدامها في مضخات تبريد مراكز البيانات التابعة لشركة Moog.

بمجرد تشغيل المصنع، سيستقبل براميل مليئة بالمعادن الأرضية النادرة بوزن نصف طن من كوريا الجنوبية. وستستخدم آلات "هيتاشي" القديمة غاز الهيدروجين لإضعاف رقائق المعدن، قبل طحنها إلى مسحوق خشن، ثم سحقها بنفثات عالية الضغط من النيتروجين لإنتاج بودرة أكثر نعومة.

وسيُضغط هذا الخليط الدقيق على شكل كتل مضغوطة، ويُسخن في فرن عالي الحرارة، ويُقطع إلى أشكال دقيقة باستخدام أسلاك مطلية بالماس.

هذه العملية ليست جديدة، ولكنها تتطلب جهداً كبيراً. فإذا كانت حبيبات المسحوق كبيرة أو صغيرة أكثر من اللازم، أو إذا تعرضت المادة للأكسجين ولو لفترة وجيزة، فقد تتلف الدفعة تماماً.

ويقول مدير المصنع، أليكس جيتش: "هي عملية بسيطة ومعقدة في آن واحد. لدينا الكثير من قطع الليغو التي يجب تجميعها، ويجب أن تكون متناسقة بشكل صحيح".

صناعة جديدة

انضم جيتش، البالغ من العمر 40 عاماً، وهو مهندس ميكانيكي ذو خبرة في تصنيع البلاستيك والورق بكميات كبيرة، إلى الشركة في يناير الماضي. يعيش جيتش في منزل متنقل بينما يحاول بيع منزل عائلته في جوبلين بولاية ميزوري.

عندما تواصل معه مسؤول في شركة توظيف بشأن هذه الوظيفة، رفض العرض، قائلاً إن إنتاج المغناطيس في أوكلاهوما "يبدو ضرباً من الجنون". لكن زوجته أقنعته بالتفكير في الأمر، وهو سعيد بذلك.

وخلال حديثه لصحيفة "واشنطن بوست" قال: "بالنسبة لصناعتي الورق والبلاستيك، فهما صناعتان راسختان، مستقرتان، عظيمتان، لكنهما غير مثيرتين للاهتمام. هذه فرصة حقيقية لتقديم شيء فريد من نوعه لبلدنا".

وكان روبرت فريديت، مدير عمليات المغناطيس، على وشك التقاعد عندما تواصلت معه الشركة. في عمر 62 عاماً، أمضى فريديت في هذه الصناعة فترة طويلة كافية ليتذكر عندما اخترع عالمان ياباني وأميركيان، كلٌّ على حدة، أول مغناطيس نيو في أوائل الثمانينيات.

في ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة رائدة في إنتاج المغناطيس عالمياً. ولكن مع بروز الصين كمنتج منخفض التكلفة بدعم حكومي كبير، تحولت هذه الصناعة، على غرار صناعات أخرى إلى دول أخرى، وهو اتجاه يصر ترمب على عكسه.

قال فريديت، المعروف في المصنع باسم "بوب المغناطيس": "غادر جميع الأشخاص الجيدين الذين كنت أعرفهم، وذهب بعضهم إلى الصين لإدارة مصانع المغناطيس".

تسعى الولايات المتحدة منذ عدة سنوات لتشجيع تطوير بدائل للمصادر الصينية للمعادن الأرضية النادرة. وتحتوي هذه المواد الطبيعية على واحد من 17 عنصراً أرضياً نادراً، مثل النيوديميوم.

سلسلة توريد مستقلة

ومن بين الشركات الأميركية، تُعدّ شركة MP Materials الأكثر تقدماً، حيث تُشغّل منجم المعادن الأرضية النادرة الوحيد العامل في الولايات المتحدة، وتُصنّف نفسها "البطل الوطني" لآمال بناء سلسلة توريد محلية متكاملة.

وحصل منجم MP Materials في ماونتن باس بكاليفورنيا، على 45 مليون دولار من إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في عام 2022. وتتوقع الشركة أن تبدأ إنتاج المغناطيس في وقت لاحق من العام الجاري لصالح شركة "جنرال موتورز" في منشأة بمدينة فورت وورث.

ومن المتوقع أن تستحوذ MP Materials على الجزء الأكبر من طلب المغناطيس من شركات تصنيع كبرى مثل "جنرال موتورز"، وفقاً لريان كاستيو، المؤسس والمدير الإداري لشركة Adamas Intelligence في تورنتو. ولكن هناك حاجة إلى USARE وشركات أصغر أخرى لتلبية الطلب على المغناطيسات المتخصصة إذا كانت الولايات المتحدة ترغب حقاً في إنشاء سلسلة توريد مستقلة.

ويحتاج المصنعون في القطاعين المدني والدفاعي على حد سواء، لمغناطيسات بأشكال وأحجام متنوعة، ولهم متطلبات مختلفة.

وقال كاستيو: "ليس من الواقعي أن يتمكن أي منتج أو منتجان من تغطية هذا النطاق الكامل من الطلب على المدى القريب. وهنا تكمن أهمية منظومة الموردين هذه".

تصنيفات

قصص قد تهمك