
حذّرت وكالة "بلومبرغ" الأميركية، من التأثير السلبي للطقس القاسي على المحاصيل الزراعية في جميع أنحاء العالم، مشيرة إلى خطر زيادة معدلات تضخم أسعار الغذاء، في وقت تقترب فيه الأسعار من أعلى مستوياتها خلال عقد، مع ارتفاع معدل انتشار الجوع.
وأضافت الوكالة في تقرير نُشر السبت أن "موجة الصقيع التي شهدتها البرازيل مؤخراً والتي تعد الأسوأ خلال عقدين، وجّهت ضربة قاتلة لأشجار البن الصغيرة في أكبر المزارع في العالم، كما غمرت الفيضانات مزارع الخنازير في الصين، ما زاد من خطر إصابة الحيوانات بالأمراض".
ولفتت إلى أن "الحرارة الشديدة، والجفاف الذي تزامن معها، دمّرا المحاصيل على جانبي الحدود بين الولايات المتحدة وكندا، أما في أوروبا فقد تسببت الأمطار الغزيرة في زيادة خطر إصابة الحبوب بأمراض فطرية، كما تعطلت الجرارات بسبب غمر الحقول بالمياه".
وأشارت الوكالة إلى أن القهوة تعد المنتج الغذائي الأكثر تأثراً في الفترة الأخيرة، إذ ارتفعت أسعارها بنسبة 17% هذا الأسبوع، وتجاوز ارتفاع سعرها الدولارين للرطل الواحد للمرة الأولى منذ عام 2014، موضحة أن موجة الصقيع الأخيرة في البرازيل "أحدث مثال على المشكلات التي عصفت بالمزارعين هذا العام".
وقالت إن البرازيل "تعاني من الجفاف الشديد الذي أدى إلى استنزاف الخزانات اللازمة للري"، لافتة إلى أنها أكبر ناقل للسكر وعصير البرتقال في العالم، ومُنتج رئيسي للذرة وفول الصويا، كما أنها تملك نحو 40% من محصول العالم من قهوة "أرابيكا".
ورأت الوكالة إن سلسلة الأزمات العالمية الأخيرة المتعلقة بالطقس، تؤكد ما كان العلماء يحذرون منه على مدى سنوات سابقة، وهو أن تغير المناخ وتقلبات الطقس المرتبطة به "ستجعل من الصعب للغاية إنتاج غذاء كافٍ للعالم، ما قد يؤدي في بعض الحالات إلى حدوث اضطرابات اجتماعية وسياسية".
ولفتت إلى ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) لمدة 12 شهراً متتالياً حتى مايو الماضي، قبل أن يتراجع في يونيو الماضي إلى 124.6 نقطة، قائلة إنه "رغم هذا التراجع، فإنه لا يزال مرتفعاً بنسبة 34% عن العام السابق".
ونقلت الوكالة عن مبعوثة الأمم المتحدة الخاصة لقمة أنظمة الغذاء لعام 2021 ووزيرة الزراعة السابقة في رواندا، أغنيس كاليباتا، قولها: "الأشياء التي تحدث في جزء من العالم تؤثر علينا جميعاً في نهاية المطاف، والحقيقة هي أن بعض المجتمعات تعيش بالفعل في كوابيس بسبب تغير المناخ".
ورصدت الوكالة أشكال الطقس القاسي في العالم، قائلة إن "ما يبدو غريباً الآن هو أن هذه العوامل باتت تضرب كل منطقة من مناطق العالم تقريباً".
حرائق كندا وأميركا
وفي كندا، تسببت الأجواء الجافة إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة في اندلاع المئات من حرائق الغابات، حيث امتدت شرقاً عبر خمس مقاطعات حتى أقصى الشمال تقريباً في المحيط المتجمد الشمالي في يوكون والأقاليم الشمالية الغربية.
كما كانت الحرائق شديدة الخطورة في أقصى غرب مقاطعة كولومبيا البريطانية، لدرجة أن الآلاف من عربات السكك الحديدية التي تحمل الحبوب للتصدير باتت متوقفة عن العمل منذ أسابيع، في حين أدى الجفاف أيضاً إلى ذبول المحاصيل في مقاطعات برايري.
أما في شمال الولايات المتحدة، فقد أُجبر المزارعون على اتخاذ خطوة نادرة الحدوث تتمثل في تجميع سيقان القمح والشعير منخفضة الغلة لبيعها كعلف للماشية، وفقاً للوكالة.
صقيع البرازيل وفيضانات الصين
وأشارت الوكالة إلى أن موجة الصقيع الشديدة التي شهدتها البرازيل مؤخراً، دمّرت مزارع رئيسية لبن "أرابيكا" في البلاد، وقتلت الأشجار الصغيرة، الأمر الذي قالت إنه قد يتسبب في خسائر أكبر للمزارعين، ويضر بالإنتاج لسنوات مقبلة.
وفي الصين، رغم سيطرة السلطات على الفيضانات في مقاطعة خنان وسط البلاد، وهي مركز للإنتاج الزراعي والغذائي، يتم مراقبتها عن كثب بحثاً عن أي علامة على حدوث اضطراب جديد أكثر خطورة، وذلك بعد تضرر بعض مزارع الخنازير ومحاصيل الذرة بسبب الأمطار الغزيرة.
ورأت "بلومبرغ" أن القلق الأكبر في الصين الآن هو الانتشار المحتمل لإصابة الحيوانات ببعض الأمراض، بما في ذلك حمى الخنازير الإفريقية، التي تعافت بكين منها بعد تفشٍّ مدمر في عام 2018 قضى على ما يقرب من نصف الخنازير لديها.
والجمعة، حذرت وزارة الزراعة الصينية من المخاطر المتزايدة لانتشار الأوبئة الحيوانية بعد كارثة خنان، قائلة إن "الأمراض يمكن أن تنتشر من الحيوانات النافقة، وكذلك عبر التربة والمياه الملوثة".
أوروبا.. تضرر محاصيل القمح
وتكشف الصور الكارثية للبلدات التي غمرتها المياه في ألمانيا وبلجيكا هذا الشهر، معاناة معظم دول أوروبا من صيف استثنائي شهدت فيه أعلى معدل هطول أمطار، ما أثر على الحبوب، وتأخير الحصاد، كما أن ذلك يأتي بعد موجة من الصقيع الذي أضر بمحاصيل عدة، بدءاً من بنجر السكر (الشمندر السكري) إلى أشجار الفاكهة، كما دمّر بعض الكروم في فرنسا وأماكن أخرى.
وقالت الوكالة في نهاية تقريرها إنه في حين يتوقع أن يزداد إنتاج القمح الأوروبي هذا العام، فإن الأمر قد ينتهي بحصة من المحصول بالتحول من منتج لصناعة الخبز إلى علف لإطعام الحيوانات، ما يهدد الشحنات الذاهبة إلى دول شمال إفريقيا التي تعتمد على واردات الحبوب عالية الجودة.