من هو سرحان سرحان المتهم باغتيال السيناتور كينيدي؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
سرحان سرحان مع محاميه راسل بارسونز، 20 يوليو 1968 - Getty Images
سرحان سرحان مع محاميه راسل بارسونز، 20 يوليو 1968 - Getty Images
دبي-الشرق

بعد قضائه أكثر من نصف قرن وراء القضبان، عاد الفلسطيني سرحان بشارة سرحان السبت ليتصدر عناوين الأخبار في الولايات المتحدة والعالم بأسره، على خلفية موافقة لجنة قضائية في ولاية كاليفورنيا على إطلاق سراحه.

سرحان سرحان، الذي يشتهر بكونه "أقدم سجين فلسطيني في العالم"، كان قد اعتُقل عام 1968 على خلفية اتهامه بقتل مرشح الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة السيناتور روبرت كينيدي في يوم 5 يونيو 1968.

الحادث هزّ الولايات المتحدة، ويقال إنه "غيّر مجرى التاريخ"، إذ كان روبرت كينيدي أبرز المرشحين للرئاسة، وشكلت وفاته خسارة للأصوات الداعمة للسياسات الليبرالية التقليدية، وجعلت الساحة تخلو أمام ناقدين لها مثل ريتشارد نيكسون ورونالد ريجان.

الاغتيال جاء بعد أشهر قليلة من مقتل مارتن لوثر كينج جونيور، بطل الدفاع عن حقوق الإنسان. كما أن ضحية الاغتيال روبيرت كينيدي هو شقيق الرئيس الأميركي السابق جون كينيدي الذي اغتيل هو الآخر عام 1963 عندما كان رئيساً للولايات المتحدة.

وعلى الرغم من الشكوك التي برزت خلال المحاكة بشأن مسؤولية سرحان عن مقتل روبرت كينيدي، فإن القضاء أدان سرحان بالإعدام عام 1969، وخفف الحكم إلى السجن المؤبد عام 1972، بعد إلغاء ولاية كاليفورنيا حكم الإعدام.

دوجلاس أصغر أبناء كينيدي كان ضمن المرحبين بقرار الإفراج عن سرحان، وأشار مراراً إلى احتمال تورط شخص آخر غير سرحان في قتل والده.

فما قصة أقدم سجين فلسطيني في العالم؟

من القدس إلى باسادينا

بحسب موسوعة "بريتانيكا"، فإن سرحان ولد في 19 مارس 1944 لعائلة عربية مسيحية في مدينة القدس، التي توحدت مع الأردن لاحقاً في عام 1948، وهو ما مكّن سرحان وأفراد أسرته من الحصول على الجنسية الأردنية.

في الخمسينيات من القرن الماضي ، هاجر سرحان وعائلته إلى الولايات المتحدة واستقروا في النهاية في مدينة باسادينا، بولاية كاليفورنيا. هناك التحق بكلية مدينة باسادينا وشغل فيما بعد وظائف بسيطة، كعامل في إسطبل للخيول وبعد ذلك في متجر للأطعمة.

في عام 1966، انضم سرحان إلى طائفة روحانية سرية ذات نزعة فلسفية هرمسية تدعى الصليب الزهري أو "روسيكروسيانيسم" نسبة لمؤسسها كريستيان روسينكريوز الذي توفي في 1484. وتدعو الطائفة إلى التآخي بين الناس، وترى أن الإنسان لديه طاقة أكبر ومن الممكن أن يستعملها ليصبح أفضل وأسعد، وفق موقع صحيفة The Atlanta Journal-Constitution.

خلال هذه الفترة، أصبح سرحان يجاهر بمعارضته لإسرائيل، خصوصاً بعد حرب الأيام الستة في يونيو 1967، حين سيطرت إسرائيل على مناطق مختلفة من الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك قطاع غزة والضفة الغربية ومدينة القدس القديمة.

بدأ سرحان في توجيه غضبه إلى السيناتور روبرت كينيدي، الذي أعرب عن دعمه لإسرائيل أثناء حملته الانتخابية لترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة عام 1968، بحسب "بريتانيكا".

وفي 4 يونيو من العام ذاته، فاز كينيدي في الانتخابات التمهيدية في كاليفورنيا، وبعد منتصف الليل بفترة وجيزة، ألقى خطاباً في فندق السفير (الإمباسدور أوتيل) بلوس أنجلوس. هناك، كان سرحان ينتظر كينيدي قرب مصعد أمام مطبخ الفندق.

بعد نهاية الخطاب، توجه كينيدي نحو المطبخ من أجل مصافحة العاملين، فتعرض لإطلاق النار وسقط على الأرض وهو ينزف، فيما أصيب 5 آخرون في الحادث.

لائحة أدلة

اعتُقل سرحان في مكان الحادث، بحسب تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف بي آي) عن الحادث. وجاء في التقرير أن سرحان قال بعد إطلاق النار للموجودين في المطبخ: "يمكنني أن أشرح ما حدث. لقد فعلت هذا من أجل بلدي".

يشير تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي في (الصفحة 4) إلى أن سرحان اشترى في الثالث من يونيو 1968، أي قبيل يومين من الحادث، مسدساً من أحد متاجر السلاح.

وأضاف التقرير أن سرحان سجل في الرابع من يونيو في نادي "سان جابراييل فالي" للرماية، وتدرب في اليوم ذاته على استخدام السلاح بشكل مكثف.

وفي مساء الرابع من يونيو توجه سرحان إلى فندق السفير، حيث يلقي روبرت كينيدي خطابه، ووقف أمام مصعد مقابل لباب المطبخ. وأكد أحد العمال في المطبخ أمام المحكمة، أن سرحان سأله إن كان يعلم ما إذا كان كينيدي سيعود إلى المطبخ، فأجابه بأنه لا يدري، بحسب التقرير.

وأشار التقرير إلى أن سرحان قال للشرطة عند اعتقاله إنه كان مخموراً وإنه لا يتذكر إطلاق النار، غير أن فحوصاً أجريت عليه في مركز الشرطة أثبتت أنه لم يكن تحت تأثير المخدرات أو الكحول، وفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي.

وأوضح التقرير أن الشرطة وجدت أن سرحان كان بحوزته مسدس من عيار (caliber 22)، بالإضافة إلى صفحة من عدد لجريدة "باسادينا إندبندنت ستار نيوز"  يعود تاريخه إلى 26 مايو 1968، تتضمن مقالاً يقول إن "السيناتور روبرت يؤيد دعم الولايات المتحدة لإسرائيل بالسلاح لو اقتضى الأمر".

كما عثر المحققون على مذكرة بخط يد سرحان في شقته، كشفت عن تصاعد غضبه ضد من وصفهم بالصهاينة، وورد اسم كينيدي بينهم، بل وحدد الخامس من يونيو يوماً لقتله بالتزامن مع الذكرى الأولى لحرب الأيام الستة.

مواقف سرحان من كينيدي

ونقلت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية عام 2008 عن أحد أقارب سرحان القول إن سرحان كان في الواقع معجباً كبيراً بروبرت كينيدي، ولكن بعد سماع تصريحاته على المذياع بشأن تأييد إرسال الولايات المتحدة 50 طائرة مقاتلة من طراز فانتوم لإسرائيل، "ركض سرحان من الغرفة ويداه على أذنيه، ويكاد يبكي".

وفي مقابلة له مع الصحافي البريطاني ديفيد فروست في سجن الولاية في سوليداد بكاليفورنيا عام 1989، قال سرحان: "بالنسبة لي كان كينيدي بطلي.. وقد كان بالفعل" .

وتابع سرحان: "كان كينيدي حامي المضطهدين والمحرومين، وشعرت بأنني واحد من هؤلاء. ولكن قوله إنه سيرسل 50 طائرة فانتوم إلى إسرائيل من أجل التسبب في الموت والدمار لأبناء بلدي، بدا كما لو كان خيانة، وكان من المحزن بالنسبة لي سماعه، ومن الصعب علي قبوله".

وأكد سرحان في مقابلة أخرى مسجلة مع مؤسسة لجنة العلاقات الأميركية العربية: "يجب أن تتذكر ملابسات تلك الليلة، 5 يونيو، عندما ذهبت في البداية لمشاهدة عرض لاحتفال اليهود بالانتصار على العرب في 1967، وهذا ما دفعني لقتل كينيدي. كنت مخموراً، وأريد أن يفهم الجمهور ذلك".

وأوضح سرحان في أحد استجواباته أن تاريخ اغتياله لكينيدي لم يكن عرضياً، وأنه اختاره لأنه كان الذكرى الأولى لبدء حرب الأيام الستة، بحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.

حقيقة مفقودة

برزت شكوك إزاء ضلوع سرحان في اغتيال روبرت كينيدي خلال محاكمته، عندما عرض المدعون تقريراً لنتائج التشريح أظهر أن كينيدي أصيب بطلقات من مسافة قريبة من الخلف.

وقال شهود عيان إن سرحان كان يقف أمامه، وهو ما عزز فرضية وجود مسلح ثانٍ في الفندق.

مع مرور السنوات والعديد من جلسات الاستئناف برزت أدلة على إطلاق ما يصل إلى 13 رصاصة تلك الليلة، بينما يتسع السلاح الذي عثر عليه بحوزة سرحان لـ8 رصاصات فقط.

وقال نجل كينيدي لصحيفة "واشنطن بوست" في 2018، إنه زار سرحان في سجنه في صحراء كاليفورنيا حيث يمضي عقوبته، وبات مقتنعاً بأن "هناك ظلماً تم ارتكابه". وقال للصحيفة: "ذهبت إلى هناك لشعوري بالفضول والانزعاج لما شاهدته في الأدلة".

وأضاف: "شعرت بالانزعاج لاحتمال أن يكون شخص آخر قد أدين بقتل والدي"، مشيراً إلى أن "والدي كان كبير مسؤولي تطبيق القانون في هذا البلد. وأعتقد أن سجن شخص لجريمة لم يرتكبها كان سيزعجه".