قبل أكثر من 170 عاماً، وتحديداً قبل الثورة الصناعية التي بدأت في عام 1850، كان اللون الأزرق يسيطر على مشهد كوكب الأرض إذا ما نظرنا إليه من الفضاء، لكن على مدى السنين، بدأ اللون الأحمر في السيطرة، إثر تضاعف غازات الاحتباس الحراري (الغازات الدفيئة)، بنسبة تقترب من 50%.
وتعتبر انبعاثات هذه الغازات، المتهم الرئيسي في تغير المناخ، وما يصاحبه من تهديدات للحياة على الأرض.
والغازات الدفيئة عبارة عن بخار الماء، وثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز، والغازات المفلورة (المعالجة بالفلور)، إلا أن أخطرها هو ثاني أكسيد الكربون، لأنه الأكثر انتشاراً بنسبة 81%، وفقاً لموقع "ساينس نيوز فور ستيودنتس".
وحذّر مشروع تقرير أعده خبراء المناخ في الأمم المتحدة في يونيو الماضي، من أن التغيّر المناخي سيدمّر حتماً الحياة كما نعرفها حالياً على كوكب الأرض، في غضون 30 عاماً أو أقل.
من أين يأتي الخطر؟
ترفع 36 مليار طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً، درجة حرارة الأرض بواقع 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية. وتتشكل 25% من الانبعاثات نتيجة إنتاج الطاقة، بينما تُمثل عوادم السيارات 15% منها، وتأتي النسبة الأكبر من قطاع البناء وتشغيل المباني بقرابة 40%.
ويستلزم ضمان عدم ارتفاع درجة حرارة الأرض عن 1.1 درجة مئوية، خفض انبعاثات الكربون من 36 ملياراً إلى 14 مليار طن متري، لكن طريق الوصول إلى هذا المعدل ليس أمراً هيناً.
اتفاقية المناخ
في عام 2015، تعهّد العالم عبر توقيع اتفاق باريس للمناخ، بحصر الاحتباس الحراري بأقل من درجتين مئويتين أو 1.5 درجة، مقارنة بحقبة ما قبل الثورة الصناعية.
ولكن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، حذرت قبل فترة قصيرة من وجود احتمال بنسبة 40%، أن يتم تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية على أساس سنوي بحلول عام 2025.
وفي مقابل الطريق الصعب لخفض الانبعاثات، يوجد سيناريو أسوأ، إذ إن استمرار مسار الانبعاثات الحالي، يرفع درجة حرارة الأرض بحلول عام 2050 لتصبح أعلى من مستويات ما قبل الثورة الصناعية بـ2.1 درجة مئوية، وأن تصل إلى 4.1 درجة مئوية نهاية القرن الحالي 2100.
تكلفة باهظة
إذا ما وصل الكوكب إلى 4.1 درجة مئوية، فسيكون البشر قد دفعوا تكلفة باهظة، تقدرها مجلة "ناتشر" العلمية، بثلاثة وثمانين مليون حالة وفاة في جميع أنحاء العالم.
ومهما كانت وتيرة خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، فإن التأثيرات المدمّرة للاحتباس الحراري ستتسارع، بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، التي ذكرت أن "الأسوأ آتٍ، وسيؤثر في حياة أبنائنا، وأحفادنا أكثر".
تقرير خبراء المناخ في الأمم المتحدة، الصادر في يونيو الماضي، قال إنه "حتى مع 1.5 درجة مئوية، ستتغير ظروف الحياة بما يتجاوز قدرة بعض الكائنات على التكيف"، مثل الشعاب المرجانية التي يعتمد عليها نصف مليار شخص، إذ إنها تعمل على حماية المجتمعات الساحلية من العواصف، وتوفر الرمال للشواطئ، كما تمتاز بآثار قوية مضادة للالتهابات والفيروسات والأورام والبكتيريا.
وذكر تقرير لوكالة "فرنس برس"، أنه "حتى مع حصر الاحتباس الحراري بأقل من درجتين مئويتين، سيواجه ما يصل إلى 80 مليون شخص إضافي الجوع بحلول عام 2025، فيما قد يغرق 130 مليون شخص إضافي في الفقر المدقع في غضون 10 سنوات".
وفي عام 2050، سيكون مئات الملايين من سكان المدن الساحلية معرضين للخطر، بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر، ما سيؤدي أيضاً إلى موجات نزوح كبير.
غير مستعدّين
وفي مواجهة هذا التفاقم المؤكد للوضع، لا يزال البشر "غير مستعدّين"، إذ تحذر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ من أن "المستويات الحالية من التكيف ستكون غير كافية للاستجابة للمخاطر المناخية المستقبلية".
ويتوقع التقرير أن تزيد "نفقات التكيف بالنسبة إلى إفريقيا بعشرات مليارات الدولارات في العام، مع تجاوز الدرجتين المئويتين"، وينبغي تأمين هذه الأموال.
من جهة أخرى، يلفت التقرير إلى خطر الآثار المتتالية، فقد يتعرض بعض المناطق (شرق البرازيل وجنوب شرقي آسيا ووسط الصين)، وكل المناطق الساحلية لثلاث أو أربع كوارث مناخية متزامنة أو أكثر، مثل موجات الحرّ والجفاف والأعاصير والحرائق والفيضانات والأمراض التي يحملها البعوض.