خبراء أمميون: التغيّر المناخي سيدمّر حتماً الحياة على الأرض خلال 30 عاماً

time reading iconدقائق القراءة - 8
مشهد للصفائح الجليدية في غرينلاند المهددة بالذوبان إثر ظاهرة الاحتباس الحراري -16 يونيو 2018. - REUTERS
مشهد للصفائح الجليدية في غرينلاند المهددة بالذوبان إثر ظاهرة الاحتباس الحراري -16 يونيو 2018. - REUTERS
دبي-أ ف ب

حذّر مشروع تقرير أعده خبراء المناخ في الأمم المتحدة من أن التغيّر المناخي سيدمّر حتماً الحياة كما نعرفها حالياً على كوكب الأرض، في غضون 30 عاماً أو أقل، بما يشمل شحّ المياه والنزوح وسوء التغذية، وانقراض أنواع من الحيوانات والنباتات.

ومهما كانت وتيرة تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة، فإن التأثيرات المدمّرة للاحتباس الحراري على الطبيعة والبشرية ستتسارع، بحسب ما تؤكد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، متأرجحة بين نبرة تشاؤمية جداً وأخرى تحمل أملاً للناس بإمكان تغيير مصيرهم عبر تطبيق إجراءات فورية وجذرية.

تنبيه للسياسات

الملخص الفني الواقع في 137 صفحة، والذي نشرت وكالة "فرانس برس" أبرز ما تضمن، أفاد بأن "الحياة على الأرض يمكن أن تتعافى من تغيّر مناخي كبير، عبر الانتقال إلى أنواع جديدة وإقامة أنظمة بيئية جديدة، أما البشرية فغير قادرة على ذلك".

وخُصّص تقرير التقييم الكامل الواقع في 4 آلاف صفحة، وهو أكثر تشاؤماً من تقرير سابق صدر في عام 2014، لتوفير معلومات تؤخذ على ضوئها القرارات السياسية.ولن يُنشر قبل فبراير 2022، بعد موافقة الدول الـ195الأعضاء في الأمم المتحدة بالإجماع عليه.

ويعتبر بعض العلماء أن هذا الموعد متأخر جداً بالنسبة إلى الاجتماعات الدولية الحاسمة حول المناخ والتنوع الحيوي التي ستُعقد أواخر عام 2021.

درجة الخطر 

تعهّد العالم، عبر توقيع اتفاق باريس للمناخ في عام 2015، حصر الاحتباس الحراري بأقل من درجتين مئويتين أو 1.5 درجة، مقارنة بحقبة ما قبل الثورة الصناعية.

ومنذ عشر سنوات، كانت عتبة الدرجتين تُعد مقبولة، مع هامش أمان ضئيل كذلك؛ أما حالياً، فتعتبر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن تجاوز 1.5 درجة مئوية قد يتسبب "تدريجياً بعواقب وخيمة، على مدى قرون، لا يمكن الرجوع عنها أحياناً".

من جهتها، أشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية قبل فترة قصيرة إلى وجود احتمال بنسبة 40 % أن يتم تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية على أساس سنوي بحلول عام 2025.

"الأسوأ آتٍ"

الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، أوضحت أن "الأسوأ آتٍ، وسيؤثر في حياة أبنائنا وأحفادنا أكثر مما فعل في حياتنا"، في حين أن الوعي بالأزمة المناخية بات أكثر من أي وقت مضى.

ومع ارتفاع حرارة الأرض 1.1 درجة مئوية منذ منتصف القرن التاسع عشر، باتت التداعيات خطرة من الآن، وستزداد حدة حتى لو لُجمت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وسيكون الأطراف الذين يتحملون أقل قدر من المسؤولية عن هذه الانبعاثات أكثر من يعانون.

ويرجح أن يكون الأوان قد فات بالنسبة لبعض الحيوانات والنباتات. ويقول التقرير إنه "حتى مع 1.5 درجة مئوية، ستتغير ظروف الحياة بما يتجاوز قدرة بعض الكائنات على التكيف"، مشيراً إلى الشعاب المرجانية التي يعتمد عليها نصف مليار شخص (تعمل على حماية المجتمعات الساحلية من موجات العواصف، وتوفر الرمال للشواطئ، وتحتوي على عدد ضخم من الكائنات الحية التي تنضوي على جزيئات، كما تمتاز بآثار قوية مضادة للالتهابات والفيروسات والأورام والبكتيريا).

ومن بين الأصناف المهددة أيضاً حيوانات القطب الشمالي، الذي ترتفع حرارته 3 مرات أسرع من المعدل الوسطي، ما قد يتسبب بالقضاء على نمط حياة الكائنات التي تعيش في ارتباط وثيق بالجليد.

غير مستعدّين 

التقرير يلفت إلى أنه "في كل أنظمة الإنتاج الغذائي"، من الزراعة وتربية الحيوانات إلى الصيد وتربية الأحياء المائية، "الخسائر المباغتة تتزايد"، مشيراً إلى أن التقلبات المناخية هي "المحرك الرئيسي" لها.

وفي مواجهة هذا التفاقم المؤكد للوضع، لا يزال البشر "غير مستعدّين". وتحذر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ من أن "المستويات الحالية من التكيف ستكون غير كافية للاستجابة للمخاطر المناخية المستقبلية".

وحتى مع حصر الاحتباس الحراري بأقل من درجتين مئويتين، سيواجه ما يصل إلى 80 مليون شخص إضافي الجوع بحلول عام 2025، فيما قد يغرق 130 مليون شخص إضافي في الفقر المدقع في غضون 10 سنوات.

وفي عام 2050، سيكون مئات الملايين من سكان المدن الساحلية معرضين للخطر بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر، ما سيؤدي أيضاً إلى موجات نزوح كبيرة.

ومع حصر الاحتباس الحراري بـ1.5 درجة مئوية، سيواجه 350 مليون شخص إضافي من سكان المدن شحّاً في المياه، ليرتفع العدد إلى 400 مليون شخص في ظل درجتين مئويتين. ومع نصف الدرجة الإضافية هذه، سيكون 420 مليون شخص إضافي مهددين بموجات حر شديد.

ويتوقع التقرير أن تزيد "نفقات التكيف بالنسبة إلى إفريقيا بعشرات مليارات الدولارات في العام، مع تجاوز الدرجتين المئويتين". وينبغي تأمين هذه الأموال.

من جهة أخرى، يلفت التقرير إلى خطر الآثار المتتالية، فقد يتعرض بعض المناطق (شرق البرازيل وجنوب شرقي آسيا ووسط الصين) وكل المناطق الساحلية لثلاث أو أربع كوارث مناخية متزامنة أو أكثر، مثل موجات الحرّ والجفاف والأعاصير والحرائق والفيضانات والأمراض التي يحملها البعوض.

وبحسب التقرير، يجب الأخذ بالاعتبار أيضاً الآثار المفاقمة لأنشطة أخرى مضرة للكوكب يقوم بها الإنسان مثل تدمير المواطن الطبيعية، واستغلال الموارد البيئية، والتلوّث، وتفشي الأمراض.

ويقول الخبير في اقتصاد المناخ، غير المشارك في إعداد هذا التقرير، نيكولاس شتيرن، إن "العالم يواجه تحديات متداخلة معقدة. وإن لم نواجهها بالتزامن، فلن نتمكن من رفع أي منها".

خيارات جذرية 

ثمة أيضاً عناصر أساسية قد يؤدي تغييرها جوهرياً إلى تبدل جذري لا رجعة عنه في النظام البيئي، وتعدّ "نقاطاً حاسمة".

وفي حال تخطى الاحتباس الحراري الدرجتين المئويتين، قد يتجاوز على سبيل المثال ذوبان الصفائح الجليدية في غرينلاند وغرب القطب الجنوبي اللذين يحتويان على كمية كافية من المياه لرفع مستوى مياه البحر 13 متراً، نقطة تحوّل لا يمكن الرجوع عنها، بحسب أبحاث أُجريت في الفترة الأخيرة.

وأكد التقرير أنه لهذا السبب "كل جزء من درجة مئوية مهم"، في وقت قد تشهد منطقة الأمازون - إحدى رئات كوكب الأرض إلى جانب المحيطات - نقطة تحوّل أخرى بعدما تضاءل عدد الأشجار فيها كثيراً.

أمل

وأمام هذه المشاكل في النُظم، لا يتوفر حل سحري واحد، لكن قد يكون لخطوة واحدة تأثيرات إيجابية متتالية. فعلى سبيل المثال، يزيد حفظ وتجديد غابات المنغروف وأعشاب البحر المصنفة بآبار "الكربون الأزرق"، من تخزين الكربون، فيحميان أيضاً من الفيضانات ويمنحان مواطن طبيعية لعدد كبير من الحيوانات والطعام لسكان المناطق الساحلية.

ورغم تقييمه الذي يحمل على القلق، يعطي التقرير بعض الأمل، إذ لا يزال بإمكان البشرية أن توجّه مصيرها نحو مستقبل أفضل، عبر اتخاذ تدابير حازمة فورية للحدّ من تسارع وتيرة التغيّر المناخي في النصف الثاني من القرن.

ويؤكد التقرير أننا "بحاجة إلى تحوّل جذري للآليات والسلوكيات على المستويات كلها: الأفراد والجماعات والشركات والهيئات والحكومات. ينبغي لنا إعادة تحديد نمط حياتنا واستهلاكنا".