كيف يؤثر ارتفاع نصف درجة على كوكب الأرض؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
رجل يسكب الماء على وجهه ليبرّده من الطقس الحار في مقدونيا الشمالية - 3 أغسطس 2021 - REUTERS
رجل يسكب الماء على وجهه ليبرّده من الطقس الحار في مقدونيا الشمالية - 3 أغسطس 2021 - REUTERS
جلاسجو/دبي - رويترز

توالت كلمات قادة العالم في قمة المناخ التي تنظمها الأمم المتحدة في جلاسكو، وظلوا يؤكدون واحداً تلو الآخر ضرورة اقتصار الزيادة في درجة حرارة الأرض على 1.5 درجة مئوية. 

وتُلزم اتفاقية باريس 2015 الدول بالعمل على بقاء متوسط الزيادة في درجة حرارة الكوكب دون درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، واستهداف قصر الزيادة على 1.5 درجة مئوية. 

وقال العلماء إن تجاوز مستوى 1.5 درجة يمثل مجازفة بإطلاق تداعيات أشد قسوة في التغير المناخي على البشر والحياة البرية والنظم البيئية. 

وتستلزم الحيلولة دون ذلك، تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى النصف تقريباً بحلول عام 2030، عن مستواها في 2010، وخفضها إلى الصافي الصفري بحلول 2050، وهي مهمة طموحة يتناقش العلماء وأرباب قطاع التمويل والمفاوضون والناشطون في قمة المناخ "كوب 26"، في كيفية تحقيقها وتمويلها. لكن ما الفرق بين 1.5 درجة ودرجتين؟ 

أين نحن الآن؟

ارتفعت بالفعل درجة حرارة كوكب الأرض قرابة 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية. وزادت الحرارة في كل عقد من العقود الأربعة الأخيرة عما كانت عليه في أي عقد منذ عام 1850.

وقالت دانييلا جاكوب، خبيرة المناخ في مركز المناخ بألمانيا: "لم نشهد مثل هذا الارتفاع في الحرارة العالمية خلال بضعة عقود. ونصف درجة تعني ظواهر طقس أشد تطرفاً بكثير ويمكن أن تكون أكثر تكراراً وأشد حدةً وأطول أمداً". 

وفي العام الحالي أغرقت الأمطار الغزيرة الصين وغرب أوروبا وتسببت في مصرع المئات. وسقط مئات آخرون ضحايا عندما وصلت درجات الحرارة في منطقة شمال غربي المحيط الهادئ إلى مستويات قياسية. 

وشهدت جرينلاند ذوبان كتل جليدية هائلة، وأحدثت حرائق الغابات خسائر كبيرة في منطقة البحر المتوسط وفي سيبيريا، وأصاب جفاف لم يسبق له مثيل مناطق في البرازيل. 

وقالت ريتشل وارن، عالمة المناخ في جامعة "إيست أنجليا" البريطانية، إن "التغير المناخي يؤثر بالفعل على كل المناطق المأهولة في مختلف أنحاء الكرة الأرضية". 

حرارة وأمطار وجفاف

من شأن ارتفاع الفارق إلى 1.5 درجة مئوية أن يؤدي إلى تفاقم هذه التداعيات. 

وقالت سونيا سينيفيراتني، خبيرة المناخ في جامعة "إي.تي.إتش" في زوريخ بسويسرا، إن "مقابل كل زيادة في درجة الحرارة تزداد ضخامة التغيرات في الظواهر المتطرفة". وأضافت أن موجات الحر على سبيل المثال ستتكرر بوتيرة أسرع وستكون أشد حدة. 

وتقول هيئة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ إن موجة الحر الشديد المتطرفة التي كانت تحدث مرة كل عقد في مناخ لا تأثير فيه للعنصر البشري، ستتكرر 4.1 مرة كل عقد عند بلوغ الزيادة في درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية، و5.6 مرة إذا بلغت الزيادة درجتين مئويتين. 

وإذا حدث وقفزت الزيادة إلى 4 درجات مئوية، فستتكرر هذه الموجة 9.4 مرة خلال العقد الواحد. 

كذلك، فإن ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي يمكن أن يؤدي إلى زيادة الرطوبة في الجو، ما يفضي إلى المزيد من الأمطار شديدة الغزارة ويزيد مخاطر حدوث الفيضانات والسيول. كما أنه يزيد مخاطر تبخر المياه، ما يؤدي إلى مزيد من موجات الجفاف المتطرفة.

جليد وبحار وشعاب مرجانية

يعدّ الفارق بين 1.5 درجة ودرجتين مئويتين في غاية الأهمية للمحيطات والمناطق الجليدية. 

وقال مايكل مان، عالم المناخ بجامعة ولاية بنسلفانيا الأميركية: "عند 1.5 درجة، الفرصة كبيرة في أن نتمكن من الحيلولة دون انهيار الغطاء الجليدي في جرينلاند وغرب القارة القطبية الجنوبية". 

وسيسهم ذلك في الحد من ارتفاع منسوب البحار ليقتصر على بضع أقدام بنهاية القرن الحالي، رغم أن ذلك يمثل تغيراً كبيراً سيؤدي إلى تآكل مناطق ساحلية وإغراق بعض الدول الصغيرة القائمة على جزر ومدن ساحلية. 

لكن مان قال إن تجاوز درجتين مئويتين سيؤدي إلى انهيار الغطاء الجليدي وارتفاع منسوب البحار بما يصل إلى 10 أمتار، رغم أن الوتيرة التي قد يحدث بها ذلك غير مؤكدة. 

كذلك، فإن زيادة الحرارة 1.5 درجة مئوية من شأنه أن يدمر ما لا يقل عن 70% من الشعاب المرجانية، لكنّ زيادةً بواقع درجتين ستؤدي إلى فقدان أكثر من 99% منها. ومن شأن ذلك أن يقضي على بيئات نمو الأسماك والمجتمعات البشرية التي تعتمد على الشعاب في الحصول على غذائها وأرزاقها. 

الغذاء والغابات والأمراض

سيكون لارتفاع الحرارة درجتين مقارنة مع 1.5 درجة مئوية تداعيات أكبر على إنتاج الغذاء. 

وقال سايمون لويس، عالم المناخ بجامعة لندن: "إذا حدث فقدان للمحاصيل في بعض المناطق التي تعد سلال الغذاء للعالم في وقت واحد، فسوف تشهدون زيادات متطرفة في أسعار الغذاء ومجاعة في قطاعات واسعة من العالم". 

كما أن ارتفاع درجة حرارة العالم قد يؤدي إلى انتشار البعوض الذي ينقل أمراضاً مثل الملاريا وحمى الضنك في مناطق أوسع. 

غير أن زيادة الحرارة درجتين مئويتين سيؤدي إلى فقدان نسبة أكبر من الحشرات والحيوانات لمعظم مواطنها الطبيعية بالمقارنة مع زيادة بواقع 1.5 درجة فقط. ومن شأنه أيضاً أن يؤدي إلى زيادة مخاطر حرائق الغابات بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر للحياة البرية. 

نقطة التحول

مع ارتفاع درجة حرارة العالم، تتزايد مخاطر الوصول إلى "نقطة التحول" التي تتجاوز عندها نظم الأرض عتبة تنطلق فيها تداعيات متعاقبة أو لا رجوع عنها. أما توقيت الوصول إلى هذه النقاط على وجه التحديد فغير مؤكد. 

ومن الممكن أن تؤدي موجات الجفاف وقلة الأمطار واستمرار تدمير غابات الأمازون من خلال التصحر، على سبيل المثال، إلى انهيار نظام الغابات المطيرة وإطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بدلاً من امتصاصه وتخزينه؛ أو أن يتسبب ارتفاع درجة حرارة الجليد في الدائرة القطبية الشمالية إلى تحلل الكتلة الحيوية المتجمدة منذ عصور بعيدة، وإطلاق كمية هائلة من الانبعاثات الكربونية. 

وقال لويس: "لهذا السبب من الخطر الشديد الاستمرار في إطلاق انبعاثات من أنواع الوقود الأحفوري لأننا نزيد بذلك احتمال أن نصل إلى إحدى نقاط التحول هذه". 

أكثر من درجتين

حتى الآن من شأن التعهدات المناخية التي قدمتها الدول، من واقع سجل التعهدات بالأمم المتحدة، أن تدفع العالم إلى زيادة قدرها 2.7 درجة مئوية. 

وقالت وكالة الطاقة الدولية، الخميس، إن الوعود الجديدة التي أعلنت في قمة "كوب 26" قد تقصر الزيادة، إذا نُفذت، على ما دون 1.8 درجة مئوية، رغم أن بعض الخبراء شككوا في صحة هذه الحسابات. ويظل الغموض يكتنف ما إذا كانت هذه الوعود ستتحول إلى أفعال على أرض الواقع. 

وقال علماء إن ارتفاع درجة حرارة الكوكب بمقدار 2.7 درجة مئوية سيؤدي إلى حرّ لا يطاق في بعض أوقات العام في مختلف أنحاء المناطق المدارية وشبه المدارية.

وقالوا إن التنوع الحيوي سيتعرض لاستنزاف هائل، وسيتراجع الأمن الغذائي، وستفوق ظواهر الطقس المتطرفة إمكانات معظم البنى التحتية اللازمة لاستيعابها في المناطق الحضرية. 

وقال مان: "إذا استطعنا إبقاء الزيادة في درجة الحرارة دون 3 درجات مئوية، فسنبقى على الأرجح في حدود قدرات التكيف التي نتمتع بها كحضارة، لكننا سنشهد عند 2.7 درجة مئوية مشاقَّ ضخمة".