بعد 20 عاماً من وقوع هجمات 11 سبتمبر، لم تعد طائرات الركاب الكبيرة والمكدسة وحدها ما يثير قلق المسؤولين والخبراء، بل أيضاً التهديد الذي تفرضه الطائرات بدون طيار، وهي أنظمة جوية أصغر حجماً، ذاتية التشغيل، وقادرة على أن تقل حمولات قاتلة.
ويتزايد القلق أكثر نظراً إلى أن هذه الأنظمة، باتت متاحة بسهولة، ما يجعلها تصل إلى "الأيادي الخطأ"، أي الجماعات المسلحة أو التي تصنف "إرهابية"، بحسب تقرير لمجلة "نيوزويك" الأميركية.
تلك الطائرات بدون طيار، المعروفة أيضاً باسم المسيّرات، ليست سلاح دمار شامل "مستقبلي"، فهي متاحة اليوم؛ وباتت التكنولوجيا المطلوبة لتصميمها أقل سعراً وأكثر ذكاء وأسهل وصولاً.
ويصوّر مسؤول عسكري أميركي تحدث لـ"نيوزويك" شرط حجب هويته، سيناريو كارثياً محتملاً يتضمن هذه المسيّرات. ويقول: "ماذا عساك أن تفعل إذا كانت لديك طائرتان مسيّرتان صغيرتان مفخختان، وحلقت بهما فوق مدرج مكدس بالجماهير؟"، ويضيف: "هذا قد يسبب أضراراً بالغة.. نظراً إلى انتشار المسيّرات الصغيرة المحمولة، هناك مخاوف من أن يتسبب هذا النوع من الطائرات المتفجرة في وقوع خسائر بشرية جماعية".
عصر المسيّرات
وقالت "نيوزويك"، إن عصر الحرب التكتيكية بالطائرات المسيّرة بدأ بالفعل. فبعد فترة وجيزة من هجمات 11 سبتمبر، كانت الولايات المتحدة أول دولة في العالم تسلح نفسها بالطائرات بدون طيار، وبعدما زودتها بالصواريخ الدقيقة، صارت مكوناً أساسياً في "الحرب على الإرهاب".
وفي السنوات التي تلت ذلك، تطورت المسيّرات من تكنولوجيا عسكرية متطورة ومعقدة، إلى نشاط تجاري يمارَس في كافة أنحاء العالم، ويتم بيعه إلى العديد من الشركات في السوق المدنية.
ومع اتساع نطاق هذا الابتكار الذي بدا بريئاً، حدثت طفرة في استخدامه، وصفها المسؤول العسكري الأميركي بأنها "تهديد ناشئ" ظهر بالفعل في العديد من الأحداث المهمة.
أحد هذه الأحداث وقع نهاية الأسبوع الماضي، عندما استهدفت 3 مسيّرات محملة بمواد متفجرة، منزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في محاولة لاغتياله. ورغم نجاة الكاظمي، إلا أن الصور التي تم نشرها لمنزله كشفت عن القدرات التدميرية الهائلة لهذه الآلة.
ولم يكن الكاظمي أول زعيم في العالم يتم استهدافه بمسيّرات محمّلة بالقنابل. ففي أغسطس 2018، انفجرت طائرتان بدون طيار محملتان بمواد متفجرة خلال عرض عسكري في كاراكاس، في محاولة فاشلة للقضاء على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
وقبل هذه الأحداث، تمكنت جماعات مسلحة من استخدام هذه التكنولوجيا، ما منح الجهات غير الحكومية نوعاً من القوة الجوية البدائية والقاتلة في آن لمهاجمة الخصوم الذين يمتلكون معدات أكثر تطوراً. ففي العراق وسوريا، على سبيل المثال، تم استهداف القوات الأميركية من الجو من قبل كل من تنظيم "داعش" والمسلحين المدعومين من إيران، كما تواصل جماعة الحوثي في اليمن محاولات استهداف المملكة العربية السعودية بهذه المسيرات.
وقامت المسيّرات الأكثر تدميراً بأعمال عسكرية في ساحات المعارك في شكل ما يُعرف بـ"الذخائر المتسكعة"، أو الطائرات بدون طيار الانتحارية. ففي العام الماضي، أظهرت القوات الأذربيجانية تفوقاً على خصومها المدعومين من أرمينيا، خلال الحرب القصيرة على إقليم ناجورنو قره باغ، من خلال استخدام المسيّرات.
وقال المسؤول العسكري الأميركي، إن "هذه الطائرات صغيرة وغير مكلفة نسبياً، لكنها تعبر الحدود بين المسيّرات والصواريخ الموجهة".
لا "بصمة"
هذه النقطة عبّر عنها مسؤول أمني في إسرائيل، التي تنتج "الذخائر المتسكعة"، قائلاً لـ"نيوزويك" إن "هذه الأداة أصبحت الآن في المتناول. وهي مسيّرات صغيرة الحجم. ما عليك إلا أن تطلبها وسيصبح لديك صواريخ دقيقة موجهة".
وأشار المسؤول الإسرائيلي إلى أنه "رغم إمكاناتها التدميرية الحالية، إلا أن الذخائر التي يمكن إلحاقها بهذه الطائرات لا تزال في مهدها، وليست على نطاق يجعل أياً منها قادرة على استنساخ هجوم من شاكلة هجمات 11 سبتمبر"، لكن إمكاناتها تشهد بالفعل تطوراً سريعاً. وقال: "أصبحت القدرات الملاحية لهذه الطائرات أكثر دقة.. أعتقد أن ما سنشهده هو زيادة كمية المتفجرات".
وتمتلك الطائرات المسّيرة التجارية الأصغر حجماً ميزة فريدة أخرى على الطائرات التقليدية ومنصات الصواريخ، وهي أنها لا تحمل بصمة إطلاق، ما يجعل أمر كشفها أكثر صعوبة. كما يفاقم من تعقيد عملية اعتراضها بسبب استخدامها بأعداد كبيرة تعرف باسم "السرب".
"الأيادي الخطأ"
وتعدّ إسرائيل من أوائل الدول التي عملت على تطوير تكنولوجيا الطائرات المسيّرة، ولا تزال تواصل نشر منصات مختلفة لمهام سرية. لكن خصومها أظهروا أيضاً براعة مبكرة في تطوير مثل هذه التكنولوجيا، مثل "حزب الله" في لبنان، و"حماس" في فلسطين، وإيران.
وتفوقت الصين في تكنولوجيا الطائرات المسيّرة، كما طورت روسيا أنظمة متقدمة خاصة بها أيضاً.
وأشار المسؤول الأمني الإسرائيلي إلى توجه آخر قد يثبت أنه يمثل إشكالية متأزمة لأمن المنطقة وخارجها، وهو سعي تنظيم "داعش" إلى العودة مجدداً في أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة من البلد الذي دخلته في الأساس رداً على هجمات 11 سبتمبر.
وقال المسؤول الأمني الإسرائيلي: "نشهد صعوداً جديداً للإرهاب. وبعد أفغانستان، نرى صعوداً في ما قد يعود مجدداً بالأنشطة الإرهابية، وبشكل من أشكال المساندة الذي يجعل بعض التنظيمات الإرهابية تشعر بمزيد من القوة". وأضاف: "يمكن أن تكون هذه المسيّرات شيئاً قد نشهده بدرجة أكبر".
أحد الذين كتبوا وتحدثوا بإسهاب عن التأثير المحتمل لوقوع الطائرات بدون طيار في "الأيادي الخطأ" هو زاكاري كالينبورن، وهو باحث في مجال الأسلحة والتكنولوجيا غير التقليدية، وشغل منصب مستشار الأمن القومي للولايات المتحدة.
وقال كالينبورن لـ"نيوزويك" إن "هوية المهاجم تعني الكثير"، مضيفاً أن "المحدد الأهم للسيناريوهات الأسوأ هو قدرة الإرهابيين على الحصول على المواد الكيميائية أو البيولوجية أو الإشعاعية أو النووية، وهو ما كافحوا على مدى فترات طويلة من أجل تحقيقه".
وأشار إلى أن "الطائرات بدون طيار قادرة بلا شك على إلحاق خسائر كبيرة". وحذر من أن الأمر الأكثر فداحة هو أن "المهاجمين يمكن أن يضاعفوا الخسائر باستخدام أسلحة الدمار الشامل"، قائلاً إن "المسيّرات ستكون أنظمة نقل فعالة جداً للأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية".
وأعرب كالينبورن عن قلقه الشديد أيضاً "بشأن هجمات المسيّرات على الطائرات، لأن محركات وأجنحة الأخيرة ليست مصممة للنجاة من ضربات الأولى".
تقنيات مضادة
وأدى تفاقم تهديد الطائرات المسيّرة إلى ظهور صناعة جديدة مزدهرة، هي صناعة التقنيات المضادة للطائرات المسيّرة. وتأتي "DroneShield" ضمن الشركات الرائدة في هذا المجال، وهي شركة أسترالية متخصصة قدمت أدوات متطورة للتحالف العسكري التابع لحلف شمال الأطلسي "ناتو" والأمم المتحدة.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة أوليج فورنيك لـ"نيوزويك"، إنه "من دون التقنيات المضادة للطائرات المسيّرة، لن يكون هناك أي تحذير مسبق أو وقت للرد إلا بعد فوات الأوان وحدوث الضرر". وشدد على ضرورة أن تبدأ الحكومات ووكالات الأمن بـ"إنشاء أنظمة مضادة لهجمات الطيارات بدون طيار".
وقال: "إننا بحاجة لنكون أكثر استباقية في إنشاء أنظمة للكشف عن المسيّرات والتغلب عليها في كافة أنحاء المناطق التي تشهد تجمعات غفيرة، والأماكن المهمة، والمناطق الجاذبة للإرهاب".
وبالإضافة إلى التهديد الحركي الذي تفرضه المسيّرات، حذر فورنيك من "هجمات سيبرانية محتملة تستخدم أنظمة الطائرات بدون طيار".
وقال: "يمكنك أن تسميها مؤامرة، لكننا تلقينا تقارير تفيد بأن حادثة سفينة الحاويات إيفر جيفن"، التي أغلقت قناة السويس وأوقفت جزءاً مهماً من حركة المرور البحرية في العالم، وقعت نتيجة "قرصنة سيبرانية قامت بها إحدى المسيّرات بسبب رفض دفع فدية"، مشيراً إلى "إننا نسمع الآن عن هذا صراحة من عملاء السفن، خاصة في المناطق القريبة من الدول المارقة (الخارجة عن القانون) المعروفة".