مصر.. تحركات رسمية ومجتمعية لمحاصرة ختان الإناث

time reading iconدقائق القراءة - 9
القاهرة-إسلام أبو المجد

في 6 فبراير من كل عام، يجدد العالم رفضه لتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، أو ما يُعرف بظاهرة "ختان الإناث"، في يوم توعوي ترعاه منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، لتنبيه العالم كافة، وخاصة الدول التي لا تزال تتبع هذه العادة، بخطورة هذا التقليد العنيف وأضراره الجسدية والنفسية على الفتيات.  

مصر تحتل مرتبة مرتفعة في إجراء الختان للفتيات، فبحسب تقرير صادر عن "يونيسف" في 2018، احتلت مصر المرتبة الرابعة عالمياً والثالثة عربياً بنسبة 91%، وهو ما دعا الحكومة إلى إجراء تعديلات قانونية على بعض أحكام قانون العقوبات، لتغليظ عقوبة الختان لتصل إلى السجن المشدد لمدة 20 عاماً، بعد أن تزايدت الظاهرة في مصر وأودت بحياة بعض الفتيات.

هواجس الختان 

على الرغم من مرور عدة سنوات على تعرض أمنية إبراهيم لعملية ختان وصفتها بالقاسية، وهي في الحادية عشرة من عمرها، إلا أن هذا اليوم لا يمكن أن يُمحى من ذاكرتها، لما حمله من آلام جسدية ونفسية تركت آثارها جلية حتى هذه اللحظة، وهو ما دفعها إلى الحديث لـ"الشرق" بكل حرية ودون إخفاء وجهها كما تتخوف بعض الفتيات، فالأمر بالنسبة لأمنية رسالة لابد وأن تصل إلى الجميع لوقف تلك العادة السيئة.  

 تقول "أمنية"، إنها تعرضت إلى أكبر عملية خداع في حياتها، أفقدتها الثقة في أقرب الأقربين" والدتها"، وذلك بعد أقنعتها ومعها أختها الأصغر منها، للذهاب إلى أحد المستشفيات للاطمئنان على جهازها الهضمي، إلا أنها فوجئت بعد دخولها ما يُعرف بالمستوصف وهو مستشفى صغير كان ملحقاً بأحد المساجد في منطقة شبرا الخيمة في محافظة القليوبية (شمالي القاهرة)، بوجود عدد آخر من الفتيات، أحضرهن أولياء أمورهن كي يدخلن بشكل جماعي من أجل ختانهن كتقليد مصري لحماية الفتاة وتطهيرها كما يُعتقد.  

بمزيد من الأسى والحزن وعلامات التوتر ، بدأت "أمنية" في وصف ما جرى معها، قائلةً: تم اقيادي بشكل عنيف من قبل بعض الممرضات أو العاملات في المستوصف، ومعي ما يقرب من سبع فتيات أخريات لا أعلم عنهم شيئاً، ودخلنا جميعاً في غرفة بها عدد من الأسرة المجهزة، وفي الجهة المقابلة تقف الأمهات انتظاراً لما سوف يجري لبناتهن".

تفاصيل مؤلمة

وتابعت الشابة المصرية "تم وضعي على أحد الأسرة بعنف وضربي، بعد أن استنكرت طريقة التعامل، لتبدأ إحدى الممرضات في الضغط على وجهي وتثبيته، ثم فتح رجلي بعد ربطها جيداً وسط صراخ هيستيري لا يمكن أن تمحوه الذاكرة، لتقوم ممرضة أخرى برفع قطعة من المعدن قد تكون مشرطاً باتجاهي بشكل موجع، أفقدني القدرة على التركيز والسمع أو إدراك ما يجري لفترة من الوقت بسبب شدة الألم، وبعد أن رأيت مزيداً من الدماء حولي، في مشهد يمكن وصفه بـ(المذبحة) تعرضت لها فتيات كثيرات لا حول لهم ولا قوة، وسط صمت تام من أمهاتهن.  

لم يتوقف المشهد وفقاً لأمنية عند هذا الحد، فبعد أن تم تختنيها أو تطهيرها بحسب تعبير والدتها، استقلت معها تاكسي وكانت أختها التي تعرضت لنفس المأساة برفقتهما، ليتم استقبالهما "أمنية وشقيقتها" بالفرح من قبل بعض الجيران" الأمهات"، فقد تمت المهمة بنجاح وتم تطهيرهن وحمايتهن من أي انحراف قبل زواجهن، وفقاً لمعتقدات والدتها وآراء بعض جيرانها. 

خلقت الواقعة المؤلمة حاجزاً نفسياً كبيراً بين "أمنية" وعائلتها، فقد أدت الواقعة وفقاً لحديثها إلى فقدان الثقة في كل من حولها، بل امتد الحاجز ليشكل حائط صد أمام فكرة الزواج من الأساس تخبرنا الفتاة، مؤكدة أن من تعرضن لتلك الجريمة لا يمكن بأي حال ان لا يتذكرن الواقعة المؤلمة بمختلف تفاصيلها من حين لآخر.  

إصرار مقابل

في المقابل لا ترى أم حنان وهي سيدة أربعينية بمنطقة أوسيم (منطقة ريفية) في محافظة الجيرة، أي مشكلة في إجراء تلك العملية لابنتها التي ستبلغ سن تسع سنوات بعد نحو ثلاثة أشهر، مشيرة إلى أن العملية مهمة للحفاظ على ابنتها بعد أن تصل إلى سن معين وخاصة في مرحلة المراهقة، فقد سبق وتم إجراء العملية لشقيقتها وأخريات من العائلة. 

لم تُخفي السيدة الريفية في حديثها لـ"الشرق،" قلقها على ابنتها من تلك الممارسة، لكنها في الوقت ذاته تؤكد أن هناك وسائل حديثة مثل الجراحة باستخدام الليزر ستقلل من تخوفها، مشيرة إلى أن تلك العادة أقدمت عليها عشرات بل مئات الآلاف من السيدات، دون أن يقع بهن أي ضرر، بل تزوجن بعد ذلك ومارسن حياة طبيعية، على حد قولها.

عقوبات رادعة 

وجاءت محافظات الصعيد وقرى الريف في مقدمة المحافظات التي تنتشر بها الظاهرة، رغم الحملات الإعلامية التي توجه إلى تلك الفئات لتحذرهم من خطورة هذه الممارسة، ما دفع الحكومة إلى إجراء تعديلات قانونية لتغليظ العقوبات بهدف ردع مرتكبي تلك الجريمة.

مشروع القانون الذي وافق عليه مجلس الوزراء بشكل نهائي، وتلقى موقع "الشرق" نسخة منه، قضى بأن يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات كل من أجرى ختاناً لأنثى بإزالة جزء من أعضائها التناسلية أو سوّى أو عدّل أو شوّه أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء، وفي حالة نشأ عن الفعل عاهة مستديمة، تصل العقوبة إلى السجن 7 سنوات، فيما لا تقل عن 10 سنوات لو أفضى الفعل إلى موت الفتاة.  

مشروع القانون أيضاً وضع عقوبات تصل إلى السجن المؤبد لمدة 20 عاماً لمن أجرى تلك العمليات من الطواقم الطبية، في حال أفضى الفعل إلى موت، بينما يعاقب المزاولون لمهنة الطب بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات لو نتج عن الفعل "عاهة مستديمة".

التعديلات القانونية التي تنتظر موافقة مجلس النواب تسمح أيضاً للمحكمة المختصة بأن تصدر حكماً بعزل الجاني من وظيفته الحكومية مدة لا تقل عن 5 سنوات وحرمانه من ممارسة المهنة مدة مماثلة، فضلاً عن إغلاق المنشأة التي شهدت إجراء هذا النوع من العمليات لمدة تصل إلى 5 سنوات أيضاً، فضلاً عن إلزامها بنشر الحكم في صحيفتين واسعتي الانتشار على نفقتها.  

القانون لا يكفي  

لكن التعديلات وإن صححت مساراً قانونياً لمجابهة الظاهرة أو الجريمة كما يسميها المدافعون عن حقوق المرأة في مصر، بيد أنها ليست كافية من وجهة نظر عضو اللجنة الوطنية لمكافحة ختان الإناث في مصر، رندا فخر الدين التي ترى أن "الجريمة موجودة في مصر منذ سنوات طويلة، وأصبحت ثقافة متأصلة في المجتمع، يستلزم القضاء عليها بذل مزيد من الجهد".

واعتبرت فخر الدين، في تصريحات لـ"الشرق"، أن القانون وحده لا يكفي، بل هناك حاجة إلى تغيير ثقافة المجتمع السائدة في بعض الأماكن، من أن هذا الإجراء يسهم في الحفاظ على شرف البنت، إلى اعتباره جريمة في حق البنت سواء من الناحية الجسدية أو الأخلاقية أو حتى النفسية، معتبرة أن "قطع جزء من جسد الفتاة لن يمنعها أو يحميها من الانحراف". 

وأشارت عضو لجنة مكافحة الختان إلى أن اللجنة الوطنية لمكافحة ختان الإناث في مصر، والتي تشكلت في مايو 2019 وتضم علماء دين وأطباء، إلى جانب المجلس القومي للمرأة، والمجلس القومي للأمومة والطفولة، ومسؤولين حكوميين، وجمعيات مدنية، تسعى للقضاء على الظاهرة من خلال إطلاق حملات مختلفة للتوعية من خطر الختان، بين الأسر والعائلات خاصة في الأماكن التي تشهد نتشاراً للظاهرة، وتنبيه الأطباء لرفض إجراء عملية الختان باعتبارها جريمة، فضلاً عن حملات إعلامية مستمرة للتأكيد على عدم وجود نص ديني في الشرائع السماوية يجيز هذا الفعل أو يأمر بختان الإناث.

سد الثغرات 

من جانبها، قالت انتصار السعيد، وهي محامية ورئيس مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، إن التعديلات الجديدة على قانون العقوبات ستُمكن من ملاحقة ومقاضاة كل من يمارسون تلك العادة، سواء الأهل أو الطواقم الطبية.

وأضافت في تصريحات لـ"الشرق" أن "التعديلات القانونية ساهمت في سد الثغرات التي كان يلجأ إليها مرتكبو هذه الجريمة، إذ وضع القانون مواد واضحة تتعلق بمعاقبة كل من أزال جزءاً من الأعضاء التناسلية أو عدّل أو سوّى أو شوّه، وهذا يعني أنه لم يعد أمام من كانوا يتحايلون على القانون في السابق مفر من العقاب".