تقرير: بكين تسعى للسيطرة على تكنولوجيا المستقبل بـ"معايير الصين 2035"

time reading iconدقائق القراءة - 10
عرض روبوت تجاري خلال "المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي" في شنغهاي - 29 أغسطس 2019 - Bloomberg
عرض روبوت تجاري خلال "المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي" في شنغهاي - 29 أغسطس 2019 - Bloomberg
دبي - الشرق

تحت عنوان "من المصابيح إلى الجيل الخامس، الصين تحارب الغرب من أجل التحكم في معايير التكنولوجيا الحيوية"، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، كيف تثير الصين استياء دول غربية، من خلال سعيها إلى أخذ زمام المبادرة، واستخدام تمويل حكومي، ونفوذ سياسي، لمحاولة تحديد المعايير لكل أنواع التكنولوجيات المتطورة، ويشمل ذلك الاتصالات السلكية واللاسلكية، ونقل الكهرباء والذكاء الاصطناعي.

وأشارت إلى أن المعايير الصناعية، التي أنشأتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على مدى عقود، تشكّل قوالب غير مرئية من قواعد تدعم السوق العالمية، من المصابيح الكهربائية إلى الأرائك، والنوافذ وأجهزة الواي فاي، والتي تتوافق كلها مع معايير وقياسات نظام عالمي، تم إنشاؤها لضمان الجودة والتشغيل السلس.

ورغم أن ذلك قد يبدو عادياً، فإن هذا التوحيد ضروري للتجارة الدولية، في كيفية ضمان إمكان استخدام البراغي، ومقابس "يو إس بي"، وحاويات الشحن، بالتبادل في كل أنحاء العالم. وتعكس المعايير إجماع لجان دولية، لطالما سيطر عليها خبراء فنيون غربيون.

ووَرَدَ في تقرير سنوي، نُشر في ديسمبر الماضي، وأعدّته "لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأميركية – الصينية" في الكونغرس: "إن هيمنة المعايير الفنية التي تقوم عليها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومجالات ناشئة أخرى، هي جزء لا يتجزأ من طموحات بكين".

التفوق وجني أرباح

جهود الصين في هذا الصدد مدفوعة برغبتها في التفوّق على الغرب، وجني أرباح، إذ إن المعايير القائمة على التكنولوجيات الحائزة على براءة اختراع، تلزم المستخدمين دفع رسوم ترخيص، كما تفعل مثلاً شركتا "نوكيا" و"كوالكوم"، اللتان تكسبان مليارات الدولارات سنوياً من براءات الاختراع التي تدعم أنظمة الهواتف الخليوية التي تصنعها شركات منافسة. وتفضّل الصين كسب هذا النوع من المال، من خلال تصميم معايير لتتناسب مع التكنولوجيات التي تطوّرها شركاتها، وفق "وول ستريت جورنال".

وتكتسب المعايير أهمية ملحّة مع وضع قواعد لجيل جديد من التكنولوجيات التي تعتمد على شبكات الجيل الخامس من الإنترنت، بما في ذلك السيارات ذاتية القيادة، والمدن الذكية وإنترنت الأشياء، وهذا تقدّم سيربط العالمَين الرقمي والمادي بشكل يُعتبر سابقة.

وأفاد تقرير لجنة الكونغرس بأن المجالات الجديدة تشمل التعرّف على الوجه، لتأمين الخصوصية والسلامة العامة، وعواقبها على الأمن القومي أكبر ممّا كانت عليه في الماضي.

"معايير الصين 2035"

وأشار وزير التجارة الياباني السابق أكيرا أماري، الذي يرأس مجموعة للحزب الحاكم في بلاده، تهتم بجعل المجتمع أكثر رقمية، إلى أن الصين تروّج لمعايير من شأنها تعزيز الصادرات للشركات المرتبطة بها، وكذلك دعم جهاز أمن الدولة. وأضاف: "إذا أُعدّت المنتجات الصينية لجمع بيانات، فعلى المرء افتراض أن كل ذلك سيصبح بحوزة الحكومة الصينية".

في المقابل، يعتبر مسؤولون صينيون أن بلادهم تتعلّم المناورة، في نظام أنشأه الغرب ويهيمن عليه منذ فترة طويلة، مشددين على أنها تحتلّ موقعها الصحيح في مجتمع الأعمال العالمي، باعتبارها واحدة من أضخم الاقتصادات في العالم وأسرعها نمواً.

وتعتزم بكين أن تكشف قريباً عن "معايير الصين 2035"، وهو مخطط طموح للقيادة في هذا القطاع. وقال داي هونغ، وهو عضو في لجنة إدارة التوحيد القياسي الوطنية في الصين، لدى كشف المشروع في عام 2018: "لا تزال المعايير التقنية العالمية في طور التكوين. ويمنح ذلك الصناعة والمعايير الصينية فرصة لتجاوز العالم".

حضور صيني في منظمات المعايير

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن باحثين ومتخصصين في المعايير، يتابعون التطوّر الصناعي الصيني، قولهم إن بكين ركّزت في السنوات الأخيرة على مواءمة البحوث والمعايير في التكنولوجيات الجديدة مع مصلحتها القومية، أكثر ممّا فعل الغرب.

ويقود مسؤولون صينيون ما لا يقلّ عن 4 منظمات معنية بالمعايير العالمية، بما في ذلك "الاتحاد الدولي للاتصالات"، وهيئة تابعة للأمم المتحدة تدير اتصال الهاتف والإنترنت، و"اللجنة الكهروتقنية الدولية"، وهي مجموعة صناعية تدير التكنولوجيات الكهربائية والإلكترونية. وبين عامَي 2015 و2017، ترأس مسؤول صيني "منظمة المعايير الدولية"، وهي مجموعة تُعرف باسم ISO وتبيع معاييرها لكل شيء، من الأحذية وأنظمة الإدارة إلى الزيوت الأساسية.

ويتزامن بروز الصين في مجال التوحيد القياسي، مع جمود لدى الدول الغربية. وفي "منظمة المعايير الدولية" والمجموعات المشابهة، يشغل مندوبون صينيون نحو ضعف مناصب الأمانة العامة، مقارنة بالعقد الماضي. وتتيح هذه المناصب تأثيراً في الاقتراحات والمناقشات والأولويات، علماً بأن المناصب التي يشغلها الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة، تبقى ثابتة نسبياً.

وقال مفوّض السوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي تييري بريتون، في يونيو الماضي، إن منافسي أوروبا "نشطون جداً في تطوير المعايير الدولية في الأسواق الرئيسة، لحماية ميزتهم التنافسية وتعزيزها". ونبّه إلى أن الفشل في الاستجابة لهذا الأمر يمسّ "تنافسيتنا الاقتصادية وقيادتنا التكنولوجية".

الغرب والقواعد الصينية

ودفعت ألمانيا والاقتصادات المتقدّمة الأخرى، الصين إلى تبنّي معايير عالمية، في تسعينات القرن العشرين. وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن لدى المسؤولين التنفيذيين والساسة الصينيين الآن قولاً مأثوراً، مفاده: شركات الدرجة الثالثة تصنع منتجات. شركات الدرجة الثانية تصنع التكنولوجيا. شركات الدرجة الأولى تضع المعايير.

وتفيد وثائق رسمية بأن بكين والحكومات الإقليمية تقدّم رواتب سنوية تبلغ مليون يوان (نحو 155 ألف دولار)، للشركات الرائدة في تطوير المعايير الدولية، في ISO والهيئات الأخرى.

في المقابل، تقلّص التمويل الغربي لتطوير المعايير، والذي قد يستغرق سنوات من البحث والمفاوضات المكلفة. وقال كريستوف فينترهالتر، الرئيس التنفيذي لـ"المعهد الألماني للتوحيد القياسي": "يجب ألا نُفاجأ إذا انتهى بنا المطاف باللعب وفقاً للقواعد الصينية"، إن لم تحدث تغييرات.

كسر تقاليد

وتجسّدت طموحات الصين، في اجتماع دولي عقده في نيفادا عام 2016، "مشروع شراكة الجيل الثالث"، وهي منظمة عالمية تضع معايير شبكة الجيل الخامس للإنترنت. وطالبت شركة "هواوي" خلال الاجتماع، باعتماد معيارها المفضّل لتصحيح الأخطاء في عمليات نقل البيانات في تلك الشبكة، علماً بأن اقتراحاً منافساً لشركة "كوالكوم" كان حظي بدعم واسع.

وأثناء ذاك الاجتماع تخلّت "هواوي" عن تقليد التوافق، وامتدت المناقشات المتوترة حول القرار النهائي إلى ما بعد منتصف الليل، قبل أن ينتهى المأزق بحلّ وسط يُعتبر سابقة، إذ اعتُمد المعياران.

وبعد سنة، قدّمت "هواوي" مرشحاً لقيادة إحدى مجموعات العمل الأكثر أهمية في المنظمة، متحدية مرشح "كوالكوم".

هواجس من اقتراح صيني

وفي أبريل الماضي، فيما كان العالم يواجه فيروس كورونا المستجد للمرة الأولى، قدّم المندوبون الصينيون في "منظمة المعايير الدولية" في جنيف خططاً لمدينة ذات تقنية عالية، قادرة على العمل أثناء جائحة. وتتعلّق الخطط بمعايير جمع البيانات البلدية، مثل التدفق المروري والطوارئ الصحية.

وتساءل مندوبون: هل تعكس الاقتراحات ميل الحكومة الصينية إلى جمع البيانات، فيما وصف أكيرا أماري الأمر آنذاك بأنه "فخ". واعتبر أن الموافقة عليه تعني أن الصين "تحدد المعيار، وتصدّر الأنظمة، ثم تستثمر البيانات منها وتجمعها في بكين".

لكن وان بيو، أبرز العلماء في مؤسسة الأبحاث الصينية Smart City Joint Labs، ومعدّ الاقتراح، رفض زعم أماري، قائلاً إن قوانين حماية البيانات الوطنية قادرة على منع جمع المعلومات الشخصية.

اقرأ أيضاً: