
تشهد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، انقساماً بشأن فرض عقوبات على شركة "كاسبرسكي لاب" الروسية العملاق للأمن السيبراني، التي يحذر مسؤولون أميركيون من أن الكرملين يمكن أن يستخدمها كأداة مراقبة ضد عملائها.
وضغط مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، على وزارة الخزانة الأميركية لإعداد العقوبات، في إطار حملة غربية واسعة لمعاقبة روسيا بعد غزوها لأوكرانيا، كما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال".
وفيما يُعدّ مسؤولو الوزارة حزمة العقوبات، أثار خبراء في العقوبات بالوزارة مخاوف بشأن حجم هذه الخطوة ونطاقها، علماً أن مئات الملايين من العملاء في كل أنحاء العالم يستخدمون برمجيات الشركة، ممّا يصعّب تنفيذ العقوبات.
إضافة إلى ذلك، يخشى مسؤولون في الولايات المتحدة وأوروبا من أن تؤدي معاقبة "كاسبرسكي لاب"، إلى مفاقمة احتمال شنّ موسكو هجوماً إلكترونياً على الغرب، وربما الاستفادة من الشركة.
ولم يتضح هل ستُفرض العقوبات، ونقلت الصحيفة عن مسؤول إن الفكرة طويت الآن. واعتبرت أن هذا الجدل يعكس كيف تدرس أجهزة في إدارة بايدن، خيارات لتشديد تداعيات العقوبات على الاقتصاد الروسي.
ونفت "كاسبرسكي لاب" مرات اتهامات بالعمل مع روسيا، أو أيّ حكومة أخرى، لتسهيل تجسّس إلكتروني أو أي نشاط إلكتروني مؤذ آخر. وأعربت الشركة الأربعاء، عن أملها بمناقشة مخاوف الإدارة الأميركية بشأن منتجاتها وخدماتها، معتبرة أن أيّ تدابير مقترحة ستشكّل "استجابة للمناخ الجيوسياسي، بدلاً من تقييم شامل لسلامة منتجات كاسبرسكي وخدماتها".
"مزاعم بلا أساس"
وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن عقوبات مشابهة تحظّر أو تجمّد أصول شركات أو أفراد مستهدفين، وتمنع الأميركيين من التعامل مع تلك الشركات أو الأشخاص. وحذر مسؤولون استخباراتيون غربيون غالباً من إمكان استخدام برمجيات "كاسبرسكي" خفية، للتجسّس على المستخدمين بناءً على طلب من الكرملين، كما أن الولايات المتحدة وحلفاءها يرتابون من علاقات الشركة بروسيا.
في عام 2017، أمر الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، بإزالة برمجيات الشركة من كل الشبكات الفيدرالية في الولايات المتحدة، سواء المدنية أو العسكرية. وبعد مصادقة الكونجرس، بات الحظر قانوناً. لكن الشركة اعتبرت الأربعاء أن قرار 2017 كان غير دستوري و"يستند إلى مزاعم بلا أساس ومن دون أيّ دليل علني على ارتكاب الشركة لخطأ".
في العام ذاته، ذكرت "وول ستريت جورنال" أن قراصنة يعملون لحساب الحكومة الروسية سرقوا تفاصيل حول برامج أجهزة الاستخبارات الإلكترونية الأميركية، بعدما حذف متعاقد مع وكالة الأمن القومي المواد السرية، ووضعها على كمبيوتره في المنزل. ويُرجّح اختراق كمبيوتر المقاول، من خلال استخدامه برنامج "كاسبرسكي" لمكافحة الفيروسات.
الشركة الروسية التي لم يكن واضحاً مدى علمها بالقرصنة، أعلنت أنها "لم تُزوّد بأيّ معلومات أو أدلة تثبت هذا الحادث المزعوم، ونتيجة لذلك، يجب أن نفترض أن هذا هو مثال آخر على اتهام كاذب".
"كاسبرسكي" على اللائحة السوداء
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، حذرت ألمانيا من أن الحكومة الروسية قد تستفيد من برنامج "كاسبرسكي" لمكافحة الفيروسات كأداة للهجمات الإلكترونية في أوروبا. لكن "كاسبرسكي" أكدت أنها شركة خاصة "وليست لديها أيّ علاقات مع روسيا أو أي حكومة أخرى".
وفي 25 مارس 2022، أضافت "لجنة الاتصالات الفيدرالية" الأميركية الشركة إلى قائمة لشركات مصنّعة لمعدات اتصالات سلكية ولاسلكية ومقدّمي خدمات، تعتبرهم خطراً على الأمن القومي. هذه الخطوة جعلت "كاسبرسكي" أول شركة روسية تُدرج في القائمة، التي كانت تقتصر على شركات صينية.
وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن يوجين كاسبرسكي، وهو عالم كمبيوتر ورائد أعمال تلقّى تدريباً في مدرسة فنية رعتها أجهزة الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي)، وشركته التي تحمل الاسم ذاته، كانا طيلة عقود لاعبين أساسيين في قطاع الأمن السيبراني. وعُرف يوجين كاسبرسكي باستضافته أحياناً مؤتمرات فخمة عن الأمن السيبراني، وسعيه الجدي للتوسّع في السوق الأميركية. وحاولت "كاسبرسكي لاب" لبعض الوقت، من خلال شركة تابعة لها في واشنطن، إلى العمل مع الحكومة الفيدرالية وشبكتها الواسعة من مقاولي الدفاع والاستخبارات.
ويعتبر مسؤولون أن فرض عقوبات على يوجين كاسبرسكي شخصياً قد يشكّل إجراءً أقلّ عدوانية من ملاحقة الشركة، نظراً إلى حجمها.
عقوبات على شركات روسية؟
منذ حذفها من شبكات الحكومة الفيدرالية الأميركية، أبلغت الشركة عن انخفاض في عائداتها بأميركا الشمالية، رغم ارتفاعها في العالم، جزئياً نتيجة المبيعات في أجزاء من أوروبا والشرق الأوسط.
يعتبر باحثون غربيون في الأمن السيبراني أن "كاسبرسكي لاب" هي مساهم مهم في الجهود العالمية، لفهم القراصنة الإلكترونيين وتحديدهم وكبحهم. وأقرّ مسؤولون أميركيون سراً بأن العلاقات المزعومة بين الشركة والدولة الروسية، ستكون مشابهة لكيفية تعاون الشركات السيبرانية التي تتخذ الولايات المتحدة مقراً، مع أجهزة الاستخبارات الأميركية.
كذلك تُعتبر iGrids هدفاً محتملاً للعقوبات، علماً أنها تصنع برمجيات لأنظمة التحكّم الآلي لشبكة الكهرباء في روسيا. ولدى iGrids اتفاقات شراكة مع شركات كثيرة للتكنولوجيا والدفاع الإلكتروني، بما في ذلك "كاسبرسكي لاب".
وقال مسؤولون أميركيون إن إدارة بايدن تستعد لفرض عقوبات تستهدف شركات روسية تعتبر أنها تؤمّن سلعاً وخدمات لجيش روسيا واستخباراتها، بما في ذلك مكوّنات ذات استخدام مزدوج، مدني وعسكري.
اقرأ أيضاً: