
كشفت مجلة "نيوزويك" نقلاً عن مصادر عسكرية واستخباراتية أميركية، أن واشنطن تراقب "عن كثب" أي مؤشرات قد ترجح استعداد القوات المسلحة الروسية لأي نوع من الضربات النووية.
وأرجع مسؤول كبير في جهاز الاستخبارات العسكرية بالولايات المتحدة، الاهتمام الأميركي بهذه المؤشرات إلى "عدم إحراز روسيا تقدماً في الحرب على أوكرانيا"، معتبراً أن ذلك قد يدفعها إلى التصعيد على نحو أكبر.
وقال المسؤول الذي لم تكشف المجلة عن هويته، إن "اليأس هو المفتاح لفهم ما يحدث، الجميع يركز على ماريوبل، ولكن في أماكن أخرى من ساحة المعركة، لا تحرز روسيا أي تقدم".
وأضاف: "في الوقت نفسه، هناك تصعيد من جانبنا (حلف شمال الأطلسي)، سواء في الوحدة المتزايدة لأوروبا، بما في ذلك الدول الإسكندنافية، أو بالأسلحة التي تقدر قيمتها بالمليارات التي نقوم بإمداد (أوكرانيا) بها، بما في ذلك الأسلحة الهجومية لأول مرة".
وأعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع الماضي، إرسال أسلحة بقيمة 800 مليون دولار إلى أوكرانيا، بما في ذلك أسلحة مدفعية، وهي أول أسلحة يتم توريدها في تلك الحرب، بصورة مباشرة.
ومنذ أن هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بـ"عواقب لم يسبق أن واجهوها في تاريخهم" في حالة تدخلهم في الحرب، ركزت وكالات الاستخبارات على الترسانة النووية الروسية.
قلق أميركي
وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز، الخميس، إن الولايات المتحدة "قلقة للغاية" بشأن احتمال استخدام روسيا للأسلحة النووية في الحرب الأوكرانية.
وأضاف: "بالنظر إلى اليأس المحتمل من جانب بوتين والقيادة الروسية، والانتكاسات التي واجهوها عسكرياً، لا يمكن لأي منا أن يتعامل باستخفاف مع التهديد الذي يمثله اللجوء المحتمل إلى الأسلحة النووية التكتيكية أو الأسلحة النووية".
وكانت روسيا قد أشارت إلى أنه إذا انضمت السويد وفنلندا إلى "الناتو"، فسوف تنقل أسلحة نووية بالقرب من البلدين.
من ناحيته، قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف: "لا يمكن أن يكون هناك مزيد من الحديث عن أي وضع خال من الأسلحة النووية في منطقة البلطيق".
كما أشار المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إلى أن بوتين أمر الجيش بالفعل بتعزيز قواته في مواجهة أوروبا.
وأضاف بيسكوف: "إذا استمرت أوكرانيا في شن هجمات على المدن الروسية، فستضطر موسكو إلى إعلان الحرب"، ملمحاً إلى شيء أكبر من "العملية العسكرية الخاصة" التي أُعلنت في 24 فبراير الماضي.
لا خطوات مباشرة
ويقول مسؤولو استخبارات وعسكريون نقلت عنهم "نيوزويك"، إن روسيا لم تقم بأي خطوات نووية مباشرة حتى الآن، لكنهم أشاروا إلى أنهم يراقبون عن كثب الوحدات ذات الإمكانات النووية.
ويتضمن ذلك قاذفات "تي يو – 160 بلاك جاك" و "تي يو – 95 بير" التي تم استخدامها بالفعل لمهاجمة أهداف أوكرانية، وصواريخ "إسكندر – إم" الباليستية قصيرة المدى، والتي تم استخدامها على نطاق واسع.
ووفقاً لهانس كريستنسن، أحد الخبراء البارزين في العالم بشأن الترسانات النووية وعمليات النشر، تمتلك روسيا ما بين ألف وألفي رأس نووي غير استراتيجي، معظمها من الأسلحة المحمولة جواً وبحراً.
وقدر كريستنسن بأن هناك نحو 100 رأس نووي مخصص لوحدات الجيش، وعدد قليل للمدفعية القديمة ذات القدرة النووية مع تخصيص أغلب الرؤوس الباقية لألوية إسكندر (هناك 12 لواء، 3 منها منتشرة في بيلاروسيا).
وثائق الكرملين
وأشار كريستنسن، إلى أن التصريحات الروسية المتعلقة بالتصعيد واحتمالية استخدام أسلحة نووية تعكس عن كثب الصياغة الدقيقة الواردة في وثائق الكرملين الرسمية.
وأضاف أنه في 2 يونيو 2020، على سبيل المثال، وقع بوتين على "أسس سياسة الدولة للردع النووي في الاتحاد الروسي".
وجاء في السياسة: "يحتفظ الاتحاد الروسي بحقه في استخدام الأسلحة النووية رداً على استخدام الأسلحة النووية وأنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل ضده أو حلفائه، وفي حالة الاعتداء على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية التي تهدد وجود الدولة نفسها".
وفقاً لكريستنسن، "يمكن للعقوبات المعرقلة أن تدفع بوتين إلى استنتاج أن مستقبل روسيا يمكن أن يكون مُهدداً". وكان الرئيس الروسي وصف العقوبات بالفعل بأنها "أقرب إلى إعلان الحرب".
صواريخ اسكندر
وقال ضابط كبير في سلاح الجو الأميركي يعمل في مجال الأسلحة النووية لـ "نيوزويك"، إن السلاح الوحيد الذي يتعامل معه مجتمع الاستخبارات على محمل الجد كتهديد في حرب أوكرانيا هو صاروخ "اسكندر".
وأضاف المصدر الذي لم تكشف المجلة هويته، أن صواريخ كروز التي يتم إطلاقها على أوكرانيا معرضة للإسقاط، كما أن المدفعية قصيرة المدى للغاية وغير موثوقة. وتابع: "اسكندر وحده هو الذي أكد قدرته على الاختراق، وكان أداؤه جيداً بشكل مدهش".
وتم إدخال صاروخ اسكندر البالغ مداه 310 أميال (نحو 500 كم) إلى القوات البرية الروسية في أواخر عام 2010، حيث بدأ عملية استبدال صاروخ "Tochka-U" الأقدم والأقصر مدى.
وفي نوفمبر 2019، قال قائد القوات البرية العقيد أوليج ساليوكوف إن انتشار "اسكندر" قد اكتمل.
ويمكن لهذه الصواريخ حمل عدة أنواع من الرؤوس الحربية، ومنها رأس حربي تقليدي متفجر، ورأس حربي للذخائر العنقودية، وغيرها.
وتم تصميم الصاروخ للمناورة أثناء التحليق، وجهز بوسائل تساعده على إرباك الصواريخ أرض - جو والدفاعات ضد الصواريخ الباليستية.
وقال تيموثي رايت محلل أبحاث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن: "من المحتمل أن تكون تلك الصواريخ قادرة على استهداف وتدمير ما يتم إطلاقها عليه بدقة".
وتم استخدام صواريخ "اسكندر" على نطاق واسع في بداية حرب أوكرانيا، حيث أصابت المطارات ومراكز القيادة والمقار الأخرى. وبحلول نهاية أول 96 ساعة، تم إطلاق نحو 100 صاروخ، وفقاً لهيئة الأركان العامة الأوكرانية.
ولكن بعد 2 أبريل، توقفت عمليات إطلاق هذا النوع من الصواريخ تقريباً. واعتبر بعض المراقبين الأميركيين أن هذا يعني أن روسيا كانت تمنح قاذفات الصواريخ فترة راحة، وأن ألوية الصواريخ كانت تنسحب مع بقية القوات المتمركزة في بيلاروسيا.
ويشير آخرون إلى أن غياب العديد من عمليات الإطلاق لهذا الصاروخ منذ ذلك الحين يشير إلى حشدها المحتمل للتصعيد في المستقبل.
تأكيد روسي جديد
ومع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 27 فبراير الماضي، وضع "قوة الردع النووي" في حالة التأهب القصوى، والذي أثار قلقاً كبيراً حول العالم، ودفع بالقادة الروسي إلى التأكيد على مبدأ "التهديد الوجودي"، استبعد وزير الخارجية الروسي السابق أندريه كوزيريف، تفكير بوتين في استخدام الأسلحة النووية، إلا في "مواقف محددة للغاية" حال شعوره "بتهديد وجودي" لبلاده أو نظامه.
وقال كوزيريف في تصريحات لشبكة "فوكس نيوز" الأميركية، إنه "يمكن استخدامها (الأسلحة النووية)، لكن في مواقف محددة للغاية".
وأضاف: "إذا كانت روسيا أو إحدى تلك الدول تشعر حقاً بالتهديد في أعماقها وجودياً، يعني.. إذا جاءت قوات (حلف شمال الأطلسي) الناتو إلى موسكو، فمن المحتمل أن يلجأوا إلى الأسلحة النووية"، مشيراً إلى أن: "لا يوجد تهديد وجودي لروسيا في ظل الظروف الحالية".
وشدد كوزيريف، على أن "القادة العسكريين المسؤولين سيبذلون قصارى جهدهم، لتجنب مثل هذا السيناريو ومنع استخدام الأسلحة النووية ما لم يعتقدوا أن هناك تهديداً وجودياً لوطنهم الأم".
وعلى الرغم من أن بوتين تعامل في بعض الأحيان مع وجود الناتو باعتباره "تهديداً وجودياً" لروسيا، أصر كوزيريف على أنه طالما أن بوتين يستطيع الحفاظ على نظامه، فلن يفعل أي شيء يهدد موقعه في السلطة.
اقرأ أيضاً: