أسست مجموعة من خريجي معاهد الهندسة في تونس شركة ناشئة، تقدم حلولاً لتفادي نفوق النحل وانهيار خلياتها فجأة، وقد أثبتت هذه التكنولوجيا فاعلية في تونس وفي دول أخرى.
ويعتمد التصوّر العام للمشروع على جهاز يُوظف أساساً الذكاء الاصطناعي، يوضع في خلية الملقحات ويجمع عن طريق مستشعرات معلومات عن درجة الحرارة والرطوبة والوزن وكثافة الملقحات، ويرسل إثر ذلك هذه الإحداثيات لاسلكياً إلى لوحة تحكم في جهاز كمبيوتر مركزي، يحلّل بدوره المعلومات.
وفي حال تحديد خلل ما، يُرسل الجهاز تنبيها في شكل رسالة قصيرة يلفت الانتباه إلى ضرورة التدخل لحماية النحل.
تنبيهات الكترونية
يتنقل إلياس الشابي لتفقد "خليات النحل الذكية" قرب قريته في شمال تونس بعد تلقيه إنذاراً على هاتفه الجوّال من تطبيق إلكتروني مطور بالكامل في تونس، يساعد على تفادي النفوق الزائد للنحل، وتحسين إنتاج العسل.
وعند هضبة في أرضه العائلية في منطقة تستور شمال غرب تونس العاصمة، يقول مربي النحل الشابي (39 عاماً) خلال فتحه منافذ الخلية وتثبيته جهازاً أبيض صغيراً مع مجسات ومستشعرات، إن هذه التقنية تمنحه "راحة البال وتبقيه على علم عن بعد بما يحصل" لحوالي 100 خلية نحل يملكها في المنطقة.
ويمسك إلياس ببعض ملكات النحل النافقة في كف يده بالقرب من خلية، ويستذكر كيف تكبد في عام 2013 "خسائر كبيرة مع فقدان 26 خلية بسبب الرطوبة والتغير المفاجئ لدرجات الحرارة".
ومنذ أن بدأ في مراقبة الخليات في عام 2017 بفضل التكنولوجيا الحديثة، باتت حالات النفوق تطال ما لا يزيد من 10% من النحل الموجود لديه.
ويبيّن المدير العام لشركة "بي كيبر تيك" خالد بوشوشة، أن الجهاز يعتمد على خوارزميات "لجمع المعلومات الصحيحة في الوقت المناسب لكي يتمكن المزارع من أخذ القرار الصائب ويتفادى تلف الخلية أو انهيارها".
ويوضح بوشوشة (34 عاماً) لوكالة "فرانس برس"، أن جهاز "سمارت بي" (النحلة الذكية) وسيلة لجمع "كمّ هائل من المعلومات حول مردود النحل والمخاطر التي تهدده".
زيادة الإنتاج
وتمكّن إلياس بفضل ذلك من زيادة الإنتاجية بواقع ما بين كيلوغرامين و3 كيلوغرامات من العسل لكل مملكة بفضل حسن استغلال المعلومات الآنية المتوفرة لديه.
وقد أصبحت دورة الحياة للنحل المسؤول عن تلقيح حوالي ربع ما يستهلكه الانسان من غذاء يومياً، مهددة بعوامل عدة، يتعلق بعضها بالاستعمال المفرط للمبيدات في الزراعات، فضلاً عن تقلبات درجات الحرارة، ما يسرّع في تلف الخلية قبل أن يُجمع محصول العسل.
وحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، 3 من كل 4 أنواع رئيسية من المحاصيل الغذائية في مختلف أنحاء العالم تعتمد على الملقحات، غير أن هذه الحشرات في تراجع من حيث عددها وتنوعها في مناطق عدة في العالم. ومعظم الدوافع الكامنة وراء ذلك من صنع الإنسان.
ويفصح إلياس المنشغل دوماً بالبحث عن مراع جديدة لنحله، إذ قال "كانت النحلة تضعف وتتآكل وتموت تدريجياً، من دون أن أتفطن إلى ذلك سريعاً".
ويضيف وهو يقرأ رسالة نصية على هاتفه الجوّال وصلته عبر جهاز المراقبة: "لم نعد نفهم الطقس، فاضطرابات المناخ متواترة. أصبح هناك مناخ جاف في غالب أجزاء السنة، وبذلك تقلصت مساحات المرعى والغذاء للنحل".
وباعت الشركة، وهي الوحيدة من نوعها في منطقة شمال إفريقيا، أكثر من ألف جهاز خصوصاً في تونس والبلدان المجاورة. كما يعمل المهندسون والتقنيون على تجهيز طلبات بـ1500 جهاز إضافي لمربين في دول مثل ليبيا، والجزائر، والسعودية، ونيوزيلندا.
وتنتج 250 ألف خلية لتربية النحل في تونس سنوياً نحو 2800 طن من العسل، حسب إحصاءات نقابة محلية، كما ينشط في هذا القطاع نحو 13 ألف مربي موزعين في كل محافظات البلاد.
ولا تقتصر المعلومات التي يجمعها الجهاز على تحديد المخاطر، بل تتيح أيضاً معرفة دقيقة ومفصلة بأداء كل معسكر وكل ملكة من حيث مقاومتها للمناخ، سواء الحار والجاف أو الشديد البرودة، وزيادة كميات العسل المنتجة وصلابة الخلية، وهذا ما يسمح بتحديد "الخلية - النموذج" والعمل على إكثارها، أو ما يعرف علميّا بتجويد السلالات وتنقيتها.