في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار القمح على الصعيد العالمي بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، يشتكي مزارعون عراقيون من أنهم "يدفعون ثمن" قرار الحكومة بخفض الري في المناطق الزراعية بنسبة 50%، بحسب ما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس".
وأشارت الوكالة الأميركية في تقرير، الأحد، إلى أن الحكومة اتخذت هذه الخطوة في مواجهة نقص شديد في المياه ناجم عن ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، الذي يُعتقد أنه يُعزى إلى تغير المناخ، وسحب المياه المستمر من قبل بلدان مجاورة من نهري دجلة والفرات. كل هذه العوامل أثرت بشدة في إنتاج القمح.
وفي مواجهة نقص المياه، لم تتمكن الحكومة العراقية من معالجة مشكلات أخرى مُهملة منذ فترة طويلة.
تشمل هذه المشكلات التصحر الذي اُعتبر عاملاً وراء موجة عواصف رملية قاسية هذا العام، حيث ضربت 10 عواصف على الأقل البلاد خلال الأشهر القليلة الماضية، وغطت المدن بستار كثيف من الغبار البرتقالي، وأوقفت الرحلات الجوية، ودفعت الآلاف للذهاب إلى المستشفيات.
ونقلت الوكالة عن عيسى فياض، وهو مسؤول كبير في وزارة البيئة قوله: "نحتاج إلى المياه لحل مشكلة التصحر، لكننا نحتاج أيضاً إلى المياه لتأمين إمداداتنا الغذائية. ليس لدينا ما يكفي لكليهما".
ويعتمد العراق على نهري دجلة والفرات في تلبية جميع احتياجاته المائية تقريباً. وكلاهما يتدفق إلى العراق من تركيا وإيران، اللتين شيّدتا سدوداً أدت إما إلى حجب أو تحويل المياه، ما تسبب في نقص كبير في العراق.
من جانبه، قال وزير الموارد المائية مهدي رشيد لوكالة "أسوشيتد برس"، إن منسوب الأنهار انخفض بنسبة 60% مقارنة بالعام الماضي.
وبالنسبة للمزارعين العراقيين، فإن قلة المياه تعني حبوباً أصغر حجماً، ومحاصيل أقل. إذ قال أحد المزارعين الذين تحدثوا للوكالة إنه في عام 2021 أنتج 30 ألف طن من القمح، وفي العام السابق 32 ألف طن، ولكنه لا يتوقع هذا العام، أكثر من 10 آلاف طن.
مع ذلك، يعتقد مسؤولون حكوميون أن التغيير ضروري، لأن نظام الري الحالي كان يتسم بعدم الكفاءة وعدم القابلية للاستمرار منذ عقود. كما أن ندرة المياه لا تترك لهم أي خيار سوى الضغط لتحديث تقنيات الزراعة القديمة والمُهدرة للمياه.
خطة لمواجهة الجفاف
ونقلت الوكالة عن المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف، قوله: "لدينا خطة استراتيجية لمواجهة الجفاف مع الأخذ في الاعتبار شح الأمطار والاحتباس الحراري وقلة الري من الدول المجاورة حيث لم نحصل على نصيبنا من استحقاقات المياه".
وأشار إلى أن الوزارة اتخذت تدابير لابتكار أنواع جديدة من القمح المقاوم للجفاف، وإدخال طرق لزيادة غلة المحاصيل.
وأضاف: "ما زلنا نتعامل مع أنظمة ري تعود إلى الخمسينيات. وهذا لا علاقة له بالمزارعين. "يجب على الدولة أن تجعلها (أنظمة الري) أكثر كفاءة، يجب أن نجبر المزارع على قبولها".
وأشارت الوكالة إلى أن المزارعين العراقيين كانوا يعتمدون على مر السنين إلى حد كبير على الدولة في إنتاج الغذاء، وهو اعتماد قال صناع القرار والخبراء إنه "يستنزف الأموال الحكومية".
وتدعم وزارة الزراعة المزارعين من خلال توفير كل شيء بداية من أدوات الحصاد، والبذور، والأسمدة، والمبيدات بسعر مدعوم أو مجاناً، كما يحصلون على المياه من الأنهار للري دون أي تكلفة. وبعد ذلك تقوم وزارة التجارة بتخزين أو شراء المنتجات من المزارعين وتوزيعها على الأسواق.
ويشكل القمح محصولاً استراتيجياً رئيسياً في العراق، حيث يمثل 70% من إجمالي إنتاج الحبوب في البلاد.
وتبدأ الزراعة في أكتوبر ويبدأ الحصاد عادة في أبريل، ويمتد حتى يونيو في بعض المناطق. وفي العام الماضي، خفضت وزارة الزراعة دعمها للأسمدة والبذور والمبيدات، وهي خطوة أثارت غضب المزارعين.
ويُشكل الطلب المحلي على المواد الغذائية الأساسية ما بين 5-6 ملايين طن سنوياً. لكن الإنتاج المحلي يتقلص كل عام يمر. ففي عام 2021، أنتج العراق 4.2 مليون طن من القمح، وفي عام 2020، كان الإنتاج 6.2 مليون طن، بحسب وزارة الزراعة.
في السياق، قال النايف: "الوقت الراهن ربما نحصل على 2.5 مليون طن في أحسن الأحوال. وسيتطلب ذلك من العراق زيادة الواردات".
وأشار إلى أنه عادة ما يباع الجزء الأكبر من محصول القمح إلى وزارة التجارة. وفي مؤشر على قلة المحصول، لا يتوفر حتى الآن سوى 373 ألف طن من القمح في مستودعات وزارة التجارة.
ولتلبية المطالب وسط الأزمة العالمية الأخيرة في سوق الحبوب، غيرت الحكومة مؤخراً سياستها للسماح لجميع المزارعين العراقيين ببيع منتجاتهم إلى صوامع وزارة التجارة. وفي السابق، كان هذا يقتصر على المزارعين الذين يعملون ضمن برنامج الحكومة.
اقرأ أيضاً: