اتخذت المحكمة العليا بالولايات المتحدة، الجمعة، خطوة جذرية وأبطلت حكماً تاريخياً صدر في عام 1973، اعترف بحق المرأة الدستوري في الإجهاض وقننه على مستوى البلاد، بما شكل نصراً للجمهوريين والمحافظين الذين يريدون الحد من الأمر أو حظره كلياً.
وفي حكم صدر بتأييد 6 مقابل رفض 3 أعضاء، أيدت المحكمة بأغلبيتها المحافظة قانوناً صدر في ولاية مسيسيبي ودعمه الجمهوريون، وتم بموجبه حظر الإجهاض بعد 15 أسبوعاً من الحمل.
وقالت المحكمة العليا الأميركية إن "الدستور لا يمنح الحق في الإجهاض، لكن يُنقض (رو ضد واد) وتعاد سلطة تنظيم الإجهاض إلى الناس وممثليهم المنتخبين".
وفي خطوة استباقية، أقرت 13 ولاية قوانين تحظر عمليات الإجهاض، من شأنها أن تدخل حيّز التنفيذ بشكل شبه تلقائي مع قرار المحكمة الحكم العليا التي شهدت تظاهرات مناهضة للقرار.
وفور صدور القرار أعلنت لجنة الشؤون القضائية بمجلس الشيوخ الأميركي عقد جلسات استماع بشأن حق الإجهاض خلال يوليو المقبل.
قرار خطير جداً
رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي قالت في خطاب عقب القرار، إن المحكمة العليا "الراديكالية" تسلب الأميركيين حقوقهم وتخاطر بأمنهم وصحتهم متعهدة بأن يواصل الكونجرس العمل على "التغلب على هذا التشدد وحماية الأميركيين".
واعتبرت بيلوسي التي استهلت خطابها بـ"لا داعي أن أقول صباح الخير لأن لا سبب للخير اليوم"، فالمحكمة اتخذت قراراً "خطيراً للغاية".
وأضافت أن "المحكمة العليا التي يسيطر عليها الجمهوريون حققت هدفها المظلم والمتشدد في نزع حق المرأة في أن تتخذ قراراتها حيال صحتها وسلامتها".
وأوضحت أنه بسبب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (الذي عين 3 أعضاء محافظين بالمحكمة العليا)، وزعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، فإن الأميركيات اليوم لديهن حقوق أقل من أمهاتهن.
واعتبرت أن "الراديكاليين الجمهوريين يواصلون حملتهم لتجريم الحريات الصحية".
وحذرت من أن الجمهوريين في الكونجرس يخططون لمنع الإجهاض على مستوى الولايات المتحدة بالكامل، مشددة على أنه "لا يمكن أن يسمح لهم بالحصول على الأغلبية في الكونجرس".
وقالت إن المحكمة العليا ألغت حقاً دستورياً في سابقة هي الأولى من نوعها. وأن كل هذه الأمور "ستكون على ورقة الاقتراع في الانتخابات المقبلة".
أوباما يعلق
وقال الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، الجمعة، إن قرار المحكمة العليا بإلغاء حكم "رد ضد وايد" الذي كرَّس الإجهاض كحق دستوري للمرأة في أميركا، لا يلغي سابقة قانونية عمرها 50 عاماً بالولايات المتحدة فقط، ولكنه يخضع واحداً من أكثر القرارات شخصية التي يمكن لفرد أن يتخذها لـ"أهواء السياسيين والأيديولوجيين الذين يهاجمون الحريات الأساسية لملايين الأميركيين".
وكان أوباما يشير هنا إلى أن إلغاء "رو ضد وايد" يعني أن القرار في تقييد أو منح حق الإجهاض، سيتم تحديده على مستوى الولايات وليس المستوى الفيدرالي.
وذكر أوباما أن كون القرار كان متوقعاً لا يعني أنه أقل إحباطاً، مشيراً إلى أنه "عبر أرجاء البلد، هناك قوانين تقدم في كل الولايات لتقييد حق الإجهاض"، ودعا إلى المشاركة مع الناشطين في هذا المجال للتظاهر وحشد التأييد لأجل حق الإجهاض والتصويت في الانتخابات المقبلة.
"يعيد القرار للولايات"
من جانبه، قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إن قرار المحكمة العليا بإلغاء الحق الدستوري في الإجهاض "سيكون في مصلحة الجميع" إذ أنه "يعيد كل شيء إلى الولايات" حيث تنتمي".
وكان ترمب يشير هنا في تصريحات لشبكة "فوكس نيوز" الأميركية، إلى أن إلغاء المحكمة لقانون "رو ضد وايد" يعني إلغاء حق الإجهاض على المستوى الفيدرالي، وأن حق المرأة في الإجهاض سيعود إلى الولايات الأميركية لتقرر كل ولاية في قضية الإجهاض حسب قوانينها.
وقال ترمب إن هذا الحكم "يتبع ما يقوله الدستور، ويعيد حق القرار مجدداً للولايات، وهذا هو ما كان يجب أن يحدث".
ولدى سؤاله بشأن رسالته لأنصاره من مؤيدي الإجهاض، قال: "أعتقد في النهاية أن هذا الأمر سيعمل في مصلحة الجميع، هذا يعيد كل شيء مجدداً إلى الولايات حيث تنتمي".
وعما إذا كان يشعر بأنه لعب دوراً في نقض الحكم بعد تعيينه لـ3 من القضاة المحافظين في المحكمة الحالية قال "الله اتخذ القرار".
وزير العدل: "ضربة محبطة"
وزير العدل الأميركي ميريك جارلاند قال إنه يختلف بشدة مع قرار المحكمة الأميركية العليا بإلغاء الحق الدستوري في الإجهاض، واصفاً القرار بأنه "ضربة محبطة للحريات الإنجابية في الولايات المتحدة الأميركية"، متعهداً بحماية الحريات الإنجابية للأميركيين.
وأضاف جارلاند الذي رشحه الرئيس الأسبق باراك أوباما لمقعد بالمحكمة العليا في السنة الأخيرة من ولايته الثانية عام 2016 ورفض الجمهوريون عقد جلسات استماع له، إن قرار المحكمة سيكون له تأثير فوري وغير قابل للإصلاح على حياة الناس عبر أرجاء البلد.
وقال في بيان نقلته شبكة "NBC" الأميركية، إن القرار سيؤثر بشكل متفاوت على الأميركيين، مع وقوع الأثر الأكبر على عاتق الأميركيين من غير البيض، وهؤلاء الذين لديهم موارد مالية محدودة.
وتعهد جارلاند بأن تستعمل وزارة العدل الأميركية كل الأدوات المتاحة لها لحماية الحريات الإنجابية، وقال إن وزارته لن تتقاعس عن مسؤوليتها الأساسية في حماية الحريات المدنية لكل الأميركيين.
تاريخ القضية
وتُعد قضية "رو ضد ويد" التي جرى تحريكها عام 1969، قضية تاريخية أفضت بالنهاية إلى إقرار حق الإجهاض بالولايات المتحدة من قبل المحكمة العليا في 1973، بتصويت 7 أعضاء، ضد اثنين رافضين.
ويشير اسم "رو" إلى رو-جين، الاسم المستعار للمدعية نورما ماكورفي، وهي سيدة أميركية من تكساس، لجأت إلى محاميتين نسويتين لدعمها في الحصول على حق الإجهاض في حملها الثالث عام 1969، بحسب ما يسرد نعي نورما ماكورفي المنشور بصحيفة "ذا جارديان" عام 2017.
ورفعت المحاميتان دعوى قضائية نيابة عن ماكورفي بمحكمة اتحادية أميركية ضد محامي مقاطعة دالاس هنري وايد، وعلى الرغم من أنها أنجبت ولم تجهض، فإن قضيتها تسببت في تشريع الإجهاض بجميع أنحاء الولايات المتحدة.
ويحمي قانون "رو ضد وايد" حق الأميركيات في إجراء الإجهاض، حتى اللحظة التي يستطيع فيها الجنين التعايش خارج رحم الأم، قرب الأسبوع الـ24 من الحمل، فيما يترك لحكومات الولايات حرية تقييد الممارسة بعد ذلك.
من جانبه، كتب القاضي بالمحكمة العليا صموئيل أليتو والذي يمثل رأي الأغلبية الموافقة على قرار الإلغاء، الجمعة، "لقد كانت رو مخطئة بشكل صارخ منذ البداية، كما كان منطقها ضعيفاً"، لافتاً إلى أن للقرار "عواقب وخيمة".
وتظهر مسودة مشروع قانون سُرّبت في مايو الماضي، أن الإطار القانوني الذي تستند إليه الولايات قد يتغير بشكل كامل، ويشير إلى أن "الحكم في قضية "رو ضد وايد" كان قراراً خاطئاً منذ البداية"، وأنه "حان الوقت لاحترام الدستور وجعل موضوع الإجهاض شأناً نيابياً".
ويمثل القرار نجاحاً للحزب الجمهوري، إذ جذب دونالد ترمب خلال حملته الرئاسية سنة 2016، الناخبين المنتمين إلى اليمين المحافظ، بوعده لهم بتعيين قضاة بالمحكمة العليا يتمتعون بالقيم نفسها التي يؤمنون بها ومستعدون لإلغاء الحكم الصادر في قضية "رو ضد وايد".
وعيّن الرئيس الجمهوري خلال فترة رئاسته 3 قضاة من أصل 9 بالمحكمة العليا، ما دفع النواب الجمهوريين في الولايات إلى مضاعفة تمرير قوانين تتعلق بالإجهاض، متحدّين صراحة الإطار الذي وضعته المحكمة العليا، بهدف إعطائها فرصة للتراجع عن قرارها، ويبدو أن هذه الاستراتيجية آتت ثمارها.
إحصائيات 2020
وسُجلت أكثر من 930 ألف حالة إجهاض سنة 2020 بالولايات المتحدة، على ما تظهر أحدث إحصاءات صادرة عن معهد "جوتماكر" الذي لاحظ انتعاشاً في عدد عمليات الإجهاض خلال الآونة الأخيرة بعدما شهدت تراجعاً مستمراً طيلة السنوات الـ 30 الماضية.
ويشير الرقم الذي أفاد به المعهد إلى أن معدل الإجهاض هو 14.4 حالة لكل ألف امرأة في سن الإنجاب، وهو رقم مماثل لذلك الخاص بمختلف البلدان الغنية.
وتعيش نحو 50% من النساء اللواتي يلجأن إلى الإجهاض تحت خط الفقر، فيما تبرز النساء من أصول إفريقية والأخريات من أصول أميركية لاتينية بشكل كبير (29% و25% على التوالي).
وتشير مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها (CDC) إلى أن 92.2% من عمليات الإجهاض تحدث في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل.
ويرى أكثر من 60% من الأميركيين أن الإجهاض ينبغي أن يبقى مشرعاً في الحالات كلها تقريباً، وهي نسبة بقيت مستقرة نوعاً ما خلال السنوات الأخيرة، على ما يظهر استطلاع رأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث.
لكن الأرقام التي تستند إلى القناعات السياسية تتسم باختلاف كبير، إذ إن 80% من الديمقراطيين يؤيدون هذا الرأي، مقابل 35% من الجمهوريين، ما يظهر أن الفجوة بين النسبتين تتسع بعدما كانت 72% للديمقراطيين و39% للجمهوريين سنة 2016.
أما المعتقدات الدينية فتلعب دوراً مهماً كذلك، إذ يعتبر 77% من الإنجيليين البيض أن الإجهاض ينبغي أن يحظر في غالبية الحالات.