التعدين التقليدي في السودان.. أمراض ودمار من أجل الذهب

time reading iconدقائق القراءة - 6
 عامل ينتظر ذوبان الذهب في منجم ود بوشاره بالقرب من أبو دليلق في ولاية القضارف السودانية- 27 أبريل 2013 - REUTERS
عامل ينتظر ذوبان الذهب في منجم ود بوشاره بالقرب من أبو دليلق في ولاية القضارف السودانية- 27 أبريل 2013 - REUTERS
بانت (السودان)- أ ف ب

ينتشر قطاع التعدين الأهلي أو التقليدي للذهب في معظم أنحاء السودان، إذ يعمل فيه أكثر من مليوني شخص ينتجون نحو 80% من كمية الذهب الإجمالية المستخرجة في البلاد، لكن التلوث الكيميائي الناجم عن تلك العملية يسبب مشكلات صحية خطيرة على مجتمعات التعدين.

وفي بانت، القرية التي يبلغ عدد سكانها نحو 8 آلاف نسمة، لاحظ العديد من القرويين وبينهم عوضية أحمد، ظهور العديد من حالات التشوه لدى المواليد الجدد، فضلاً عن معاناة النساء من الإجهاض بعد انتشار نشاط التعدين.

وتشتبه عوضية أحمد بأن كومة من مخلفات التعدين قرب منزلها في قرية بانت النائية شمال السودان، كانت وراء ولادة أصغر أطفالها، مصاباً بالعمى والشلل.

وقالت أحمد: "أشقاء ابني طلب الأربعة ولدوا بصحة جيدة، لكن طلب الوحيد الذي ولد بعد انتشار تراب الكرتة (مخلفات تعدين الذهب)".

وفي منزل مجاور، قال عوض علي حاملاً ابنته البالغة 8 سنوات: "ولدت نفيسة (ابنته) طبيعية جداً ونمت بصورة عادية، لكن بعد بلوغها الثلاثة أعوام صارت لا تقوى على الحركة ولا الحديث".

من جانبه، قال الجعلي عبد العزيز وهو ناشط مجتمعي في قرية بانت: "منذ خمس سنوات ومع انتشار الكرتة، بدأت تظهر ولادات مشوهة وعمليات إجهاض"، مشيراً إلى ولادة 22 طفلاً مشوهاً.

نفايات سامة

وخلال السنوات الأخيرة، توافد عدد متزايد من عمال المناجم إلى قرية بانت في ولاية نهر النيل شمال الخرطوم، بحثاً عن الذهب، ما جعل القرية موقعاً يتخلّصون فيه من نفاياتهم المحملة بمواد كيميائية سامة مثل مادة الزئبق التي تستخدم في استخراج الذهب.

وساهم انفصال جنوب السودان الغني بالنفط عن السودان في انتشار التعدين التقليدي وازدهاره، خصوصاً في ظل معاناة السودانيين من الظروف الاقتصادية الصعبة وعقوبات دولية تحت حكم الرئيس عمر البشير الذي أطاحه الجيش في أبريل 2019، إثر احتجاجات شعبية حاشدة.

ويشكّل التلوث الكيميائي الناجم عن استخراج الذهب أخطاراً صحية على مجتمعات التعدين والمقيمين قرب الأماكن التي تنشط فيها أعمال التعدين، وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن التعرض للزئبق يشكّل خطراً على الأجهزة العصبية والهضمية والمناعة لدى الإنسان، وقد يكون قاتلاً.

إلا أن التعدين يعتبر مصدر ربح سريع ويجذب عدداً كبيراً من الأشخاص الذين يعانون ظروفاً معيشية صعبة في أحد أفقر بلدان العالم.

وأظهر تقرير صدر في يناير الماضي، عن مجموعة من الباحثين السودانيين، أن حوالى 450 ألف طن من مخلّفات تعدين الذهب المليئة بالزئبق تنتشر في المنطقة في ولاية نهر النيل، كما أظهرت عينات من الدم والبول ومياه الشرب والتربة في أرجاء عدة من الولاية، مستويات مرتفعة من آثار الزئبق.

وقال الباحث السوداني في مجال البيئة صالح علي، إن التخلص من هذه المخلفات يحتاج إلى "متخصّصين وتعامل محدد ويجب أن يتم ذلك بعيداً عن أماكن السكن ومصادر المياه".

وفي بانت، غالباً ما يُشاهد المعدنون اليائسون وهم يحاولون استخراج المعدن النفيس من أكوام الكرتة، آملين في تخفيف وطأة الضغوط الواقعة على عائلاتهم نتيجة الاضطرابين السياسي والاقتصادي في السودان.

"دمار للبيئة" 

في العام 2019، أصدرت حكومة السودان الانتقالية التي حلّت بموجب الانقلاب العسكري، قراراً يحظر استخدام الزئبق بعد احتجاجات ضد استخدامه في مناجم الذهب في منطقة كردفان، لكن القرار لم ينفّذ إلا بشكل محدود واستمر عمال المناجم في تنفيذ نشاطاتهم في مناطق معزولة بعيدة، وفقاً للأستاذ في جامعة النيلين السودانية صالح علي صالح.

ورفضت الشركة الحكومية التي تشرف على نشاطات التعدين في السودان التعليق. يشار إلى ان السودان يعد أحد أكبر منتجي الذهب في القارة الإفريقية، إذ بلغ إنتاجه 30.3 طناً في النصف الأول من العام 2021 وحده، بحسب الاحصاءات الرسمية.

وبلغت عائدات الذهب لخزينة حكومة السودان 720 مليون دولار خلال الربع الأول من العام 2022، وفق تقرير التجارة الخارجية الصادر عن بنك السودان المركزي.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات