
أطلق البنك الدولي قبل أيام تحذيراً من ما وصفه بـ"أزمة وجودية" يواجهها الأردن، وسط نمو سكاني متزايد، وقاعدة موارد طبيعية محدودة، وفي منطقة تعاني شحاً في المياه، أو تترقب شحاً وشيكاً.
وبحسب وزارة المياه والري الأردنية والمؤشر العالمي للمياه، فإن الأردن يعدّ ثاني أفقر دولة في العالم بالمياه، إذ يشير موقع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" إلى أن موارد المياه المتجددة في الأردن أقل من 100 متر مكعب للفرد، وهي كمية "أقل بكثير من حصة الفرد عالمياً، والتي تبلغ 500 متر مكعب، وتدل على نقص شديد في المياه".
وقال الناطق الإعلامي باسم وزارة المياه الأردنية عمر سلامة، إن الوضع في الأردن يعد بمثابة "أزمة مزمنة"، مشيراً إلى أن التغير المناخي وتراجع الهطول المطري يؤثران، عاماً بعد عام، على المياه الجوفية، موضحاً أن 11 حوضاً مائياً من أصل 12، مهددة بالاستنزاف.
وأرجع سلامة تدهور الوضع المائي في الأردن لعدة أسباب، منها ازدياد أعداد السكان وموجات اللجوء المتتالية ومنها لجوء عدد كبير من السوريين، ما ضاعف عدد السكان بشكل مفاجىء وسريع من خمسة ملايين نسمة إلى أكثر من 11 مليوناً في أقل من عقدين، الأمر الذي فاقم الوضع المائي الحرج بالفعل.
وأضاف أن المواطن "يحصل على احتياجاته المائية أسبوعياً ولمرة واحدة فقط، فيما تحصل بعض المناطق على احتياجاتها مرة كل أسبوعين"، مؤكداً أن حصة الفرد تراجعت إلى مستويات قياسية بلغت "أقل من 80 متراً مكعباً سنوياً لكافة الاستخدامات".
ويشكو الأردن من عدم عدالة توزيع المياه مع دول الجوار، إذ قال سلامة أن الأردن "لا يحصل على حقوقه المائية من دول الجوار بعدالة"، مضيفاً أن هناك "تراجعاً كبيراً في مصادر المياه مثل نهري اليرموك والأردن، ما أثر على كميات المياه فيها".
مصادر محدودة
وتتركز مصادر المياه الأردنية المحدودة في المشاركة مع سوريا في نهر "اليرموك"، ومع كل من لبنان وفلسطين وسوريا وإسرائيل في نهر الأردن.
خبير المياه دريد محاسنة، قال إن المياه المتوفرة في الأردن تكفي مليوني شخص فقط في الوقت الحاضر، وأن مصادر المياه المشتركة مع دول الجوار تنظمها اتفاقيات "لا تلتزم" بها تلك الدول، وأن حصة الأردن من المياه لا تصله.
وأضاف أن حصة الأردن من مياه نهر اليرموك بناء على اتفاق العام 1987، تزيد على 400 مليون متر مكعب سنوياً، لا يحصل منها سوى على أقل من 30 مليون متر مكعب.
ويعكف الأردن على تنفيذ عدة مشاريع لسد العجز المائي وزيادة حصة الفرد، ومن أبرزها مشروع "الديسي"، الذي تبلغ كلفته مليار دولار، ومشروع تحلية ونقل مياه البحر الأحمر المتوقف حالياً بسبب كلفته العالية، في ظل دين عام تجاوز 47 مليار دولار.
ولدى الأردن خطط قائمة منذ عقود لسد العجز في المياه، إذ وسعت وزارة المياه خطط جمع مياه الأمطار من خلال بناء سدود جديدة، ورفعها إلى 285 مليون متر مكعب، وإيجاد مصادر إضافية ورفع كفاءة الاستخدام خاصة في قطاع الزراعة.
خيار استراتيجي
ويرى خبراء مختصون في مجال المياه أن مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر، يعد "الخيار المائي الاستراتيجي للأردن"، رغم كلفته المالية والتقنية العالية.
ويقع حوض الديسي على بعد 320 كيلومتراً جنوبي العاصمة عمّان، ويزود حالياً عمّان والعقبة في الجنوب بمئة مليون متر مكعب من المياه التي يتم نقلها عبر ناقل وطني لعمّان وباقي المحافظات، في عملية نقل مكلفة للغاية.
وحض المحلل السياسي عريب الرينتاوي، الأطراف العربية والدولية على "تمويل مشاريع تحلية مياه البحر الأحمر، لأنها تضمن على المستوى البعيد اعتماد الأردن على نفسه في قطاع استراتيجي كالمياه".
فيما دعا محاسنة إلى "فتح باب الاستثمار الخاص في مشاريع المياه، والبحث عن مصادر جديدة، وإقامة مشاريع تحلية بدعم دولي بدلاً من اللجوء إلى شراء المياه من دول أخرى".
ونقلت وزارة المياه الأردنية عن تقرير نشرته مدونة "نيو سكيوريتي بيت"، التي ينشرها "مركز ويلسون سنتر" الأميركي بعنوان "تجنب الأزمات في مستقبل المياه بالأردن"، أن الأردن يواجه بحلول عام 2100 انخفاضاً في مستويات المياه الجوفية بنحو 60% في المحافظات الشمالية المكتظة بالسكان، بينما ينخفض متوسط تدفق المياه السطحية بنسبة 25% بحلول نهاية القرن.
ووقّع الأردن قبل أسابيع اتفاق الماء مقابل الكهرباء مع إسرائيل، بحيث يعمل على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لمصلحة إسرائيل، وتقيم هي في المقابل محطات تحلية لمياه البحر المتوسط لصالح الأردن، الذي سيحصل على 200 مليون متر مكعب من المياه المحلّاة، بينما ستحصل إسرائيل على 1.2 جيجاوات من الكهرباء النظيفة.
لكن خبراء حذروا من احتمالية عدم التزام إسرائيل بمثل هذه الاتفاقيات، فضلاً عن تعميق اعتمادية الأردن على إسرائيل في واحد من القطاعات الاستراتيجية.