عائلة سورية تحول أرضها الزراعية في جبلة إلى مقبرة لضحايا الزلزال

time reading iconدقائق القراءة - 6
قطعة أرض قرر ملاكها تخصيصها لدفن ضحايا الزلزال في جبلة بمحافظة اللاذقية. سوريا. 10 فبراير 2023 - "الشرق"
قطعة أرض قرر ملاكها تخصيصها لدفن ضحايا الزلزال في جبلة بمحافظة اللاذقية. سوريا. 10 فبراير 2023 - "الشرق"
جبلة-الشرق

في مدينة جبلة على الساحل السوري، امتلأت المقابر بعشرات الضحايا الذين لقوا حتفهم في الزلزال المدمر الذي ضرب المدينة، فيما لا تزال فرق الإنقاذ والسكان ينبشون في المنازل المنهارة أملاً في إيجاد ناجين، أو لاستخراج جثث الضحايا.

ومع امتلاء مقابر المنطقة بجثث الضحايا، تجمّع الإخوة أبناء الحاج أحمد الداية في جبلة بمحافظة اللاذقية، وقرّروا التبرّع بأرضهم الزراعية لتحويلها إلى مقبرة، واستقبال جثامين ضحايا الزلزال المدمّر.

ويقول الابن الأكبر في العائلة محمّد لـ"الشرق"، إن "كل سكان جبلة هم عائلتي، وكل من يموت فيها يعنيني، ولن أقبل أن يتم دفنهم في حفرة واحدة، سأخصص كامل الأرض هنا لاستقبال جثامين أبنائها".

ووافقت السلطات المعنية في المدينة على تحويل الأرض إلى مقبرة رغم أنها أرض زراعية، إذ أن  حجم الكارثة وكثرة الوفيات، دفعهم لقبول هذا الاستثناء.

ويُضيف أحمد: "حفرنا 4 حفر طولية كبيرة، وقسمناها بما يتناسب مع حجم القبور، ودفنّا خلال ساعتين فقط 12 شخصاً".

وتسارع جرافة صغيرة بحفر المزيد من القبور، في الوقت الذي يتوقع أن تتراجع الفرص في العثور على ناجين بعد 5 أيام على وقوع الكارثة.

ويقول رائد، وهو الأخ الأصغر في العائلة: "شعورنا بالعجز أمام المصيبة دفعنا للتحرك، ووجدنا أننا نملك هذه الأرض وواجبنا أن نقدمها للأهالي المفجوعين".

وساهم رائد في حفر القبور باستخدام أدوات حفر بسيطة، وكان يواسي بين الحين والآخر أهالي الأشخاص المتوفين والواقفين أمام قبور أبنائهم، خلال إلقاء نظرة الوداع.

ويتابع الشاب العشريني حديثه قائلاً: "لم أكن أتوقع يوماً أن أحفر قبراً في هذه الأرض، وكانت جل توقعاتي أن نستثمر فيها مستقبلاً، لكن المصيبة أكبر منا جميعاً، ولم يكن يتوقعها أحد".

مخاوف من انهيار المساكن الهشة

وأعلنت الحكومة السورية مدن حلب وإدلب وحماة واللاذقية مناطق منكوبة جراء الزلزال، ما يستدعي حاجتها للمساعدات الإنسانية العاجلة.

ولا تزال مئات المباني المصدّعة في اللاذقية وجبلة على الساحل السوري تحت خطر الانهيار جراء الهزات الارتدادية.

وعلى مدخل مدينة جبلة، تُسرع حواجز الجيش في عمليات التفتيش، وتفسح المجال لأي قافلة تحمل مساعدات قادمة للمنكوبين الذين تجمعوا أغلبهم في دور العبادة.

وتضع فرق الإغاثة علامات على الأبنية المهددة بالانهيار، كي لا يدخل إليها المدنيون.

ويقول حسام سكر، وهو متطوع في الهلال الأحمر السوري: "لا نستطيع أن نضمن عدم دخول الناس إلى هذه المباني، الناس تموتُ من البرد في العراء، وليس هناك مساكن كافية لهم جميعاً".

ويُضيف سكر: "معظم المساعدات توجهت نحو الشمال، ولم يصل إلى اللاذقية وجبلة إلا اليسير".

ورغم هول المصيبة، إلا أن مدينتا جبلة واللاذقية لا تزالان تعجّان بالحركة، وإن كان معظمها يتماشى مع الاستجابة الإغاثية.

وتحولت الملعب البلدي في المدينة إلى تجمع كبير لكل من بقي من دون مأوى، وتوجهت إليه معظم المساعدات التي أمنها المجتمع المحلي.

ويقول سكر: "نعتمدُ بشكل كامل على ما يقدمه الأهالي من تلقاء أنفسهم، ولا يزال هناك فوضى كبيرة في البيانات والاحتياجات، وهذا أمر طبيعي".

وفي حي الرمل الجنوبي، تدور عجلات الجرافات على مدار الساعة منذ خمسة أيام من دون أي لحظة توقف، وتكاتف أبناء الحي الفقير لتقديم كل الدعم لفرق الإغاثة التي تعمل من دون تعب.

وتمكن الدفاع المدني من إخراج 6 أشخاص على قيد الحياة في اليوم الأول، لكن الأمور باتت أكثر تعقيداً مع تقدم الوقت، وازداد الوضع سوءاً مع هطول كميات كبيرة من الأمطار.

برد قارس في سوريا

وصعّبت درجات الحرارة المنخفضة، التي تهاوت إلى ما دون الصفر في مناطق عدة في حلب وإدلب وحماة وباقي المناطق المنكوبة، من جهود الإغاثة.

وفي جبلة، أشعل متطوعون حطباً بجانب رجال الدفاع المدني الذين يصلون ليلهم بنهارهم بحثاً عن ناجين تحت الأنقاض، ويقدم آخرون مأكولات خفيفة ومشروبات ساخنة للمساعدة على مواصلة العمل الشاق.

ويقول حاتم شبيب من الدفاع المدني السوري: "لن نفقد الأمل في العثور على ناجين، وسنواصل البحث والنبش بأيدينا مهما كانت الصعاب".

ويُضيف، وقد غاصت قدماه في بركة من الوحل: "تتراجع الفرص، لكن سنبقى نحاول وعلى الأقل سوف نستخرج الجثامين من أجل عيون الأمهات المنتظرة هنا وهناك".

وجعلت مياه الأمطار عملية نقل التراب أصعب، وزادت من ثقل الطين فوق الأبنية المدمرة، ما أعاق عمل الفرق الإغاثية، إلا أن مجموعات دعم مدربة جاءت من لبنان وساهمت في تجاوز بعض العقبات ومواصلة عمليات البحث.

ويضيف شبيب: "لدينا خبرة كبيرة في التعامل مع الحرب ومخلفاتها والقذائف والصواريخ، لكن الزلزال أمر مختلف تماماً، ونبذل قصارى جهدنا بالتعاون مع الأشقاء المتطوعين من لبنان".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات