توقعت الأمم المتحدة أن تصبح الهند أكثر بلد في العالم كثافة سكانية خلال العام الجاري، غير أن الخبراء الديمغرافيين غير متيقنين متى تتخطى الهند فعلياً الصين كأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، ولكنهم يتوقعون أن يحدث هذا "قريباً، إن لم يكن قد حدث بالفعل".
وظلت الصين أكثر دولة اكتظاظاً بالسكان منذ عام 1950 على الأقل، حين بدأت الأمم المتحدة في جمع البيانات الديمغرافية العالمية.
وأكدت أحدث بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان لعام 2022 أن الصين (1.4 مليار نسمة) والهند (1.4 مليار نسمة) تبقيان أكثر دولتين اكتظاظاً في العالم من حيث السكان وتمثل كلتاهما نسبة حوالي 18% من سكان العالم.
غير أن الأمم المتحدة توقعت أن تتجاوز الهند الصين لتصبح أكبر بلدان العالم سكاناً مع حلول عام 2023، إذ توقعت أن ينخفض عدد سكان الصين بنسبة 2.7% (أي 48 مليوناً) بين عامي 2019 و2050.
وفي ظل غياب أرقام أو إحصاءات رسمية، قالت وكالة "أسوشيتد برس" إن الحسابات التي أجراها خبراء الأمم المتحدة تشير إلى أن الهند سوف تتخطى الصين من حيث عدد السكان في منتصف أبريل الجاري. لكن علماء الديموغرافيا يحذرون من أن هذه الأرقام غير يقينية ويمكن مراجعتها.
ونقلت عن باتريك جيرلاند، رئيس قسم التقديرات والتوقعات السكانية في الأمم المتحدة في نيويورك: "إنه تقدير تقريبي ، هو أفضل تخمين".
كيف تحسب الأمم المتحدة السكان؟
وبحسب الوكالة، فإن الديموغرافيون في قسم السكان بالأمم المتحدة يبنون تقديراتهم على مجموعة متنوعة من مصادر البيانات للحصول على ما يعتقدون أنه أحدث الأرقام الديموغرافية. وقالت سارة هيرتوج، مسؤولة شؤون السكان بالأمم المتحدة في نيويورك، إن آخر تحديث للبيانات المستخدمة في هذه الحسابات لكل من الهند والصين كان في يوليو 2022.
واستخدم علماء الديموغرافيا بعد ذلك تقنية إحصائية لاستنتاج متى يتجاوز عدد سكان الهند عدد سكان الصين، وفقًا لستيوارت جيتيل باستن، الأستاذ في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا في أبو ظبي.
قال جيتيل باستن: "الحقيقة، بالطبع، هي أن هذه التقديرات ليست سوى تقديرات (..) لكنها على الأقل تستند إلى منهجية متينة ومتسقة نسبياً."
ويشار إلى أن تقديرات خبراء الأمم المتحدة تختلف عن تقديرات أخرى نشرتها (the World Population Review) أو (WPR)، وهي منظمة مستقلة تركّز على التعداد والتركيبة السكانية.
ورجحت المنظمة أن الهند تجاوزت فعلياً الصين من حيث عدد السكان في يناير 2023، إذ أظهرت حساباتها أن عدد سكان الهند أصبح يزيد بحوالي 5 ملايين نسمة على عدد سكان الصين البالغ 1.412 مليار نسمة.
ونشرت المنظمة المستقلة تقييمها عقب إعلان الصين مطلع يناير 2023 عن أول تراجع لعدد السكان منذ ستينيات القرن الماضي.
لماذا تتفوق الهند على الصين؟
تعاني الصين، من شيخوخة سكانية مع انخفاض حاد في المواليد الجدد. واستمر التدهور الديمغرافي في السنوات الأخيرة بالرغم من أن الحكومة أنهت عام 2016 "سياسة الطفل الواحد" التي فرضتها في الثمانينات بسبب مخاوف من زيادة سكانية هائلة، وبدأت عام 2021 السماح للأزواج بإنجاب ثلاثة أطفال.
في المقابل، فإن فئة الشباب تغلب على سكان الهند، فيما يرتفع فيها معدل الخصوبة وتشهد انخفاضاً في وفيات الرضع خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
ونقلت "أسوشيتد برس" عن دودلي بوستون جونيور، وهو أستاذ علم الاجتماع الفخري في جامعة تكساس إيه آند إم، قوله إن الهند لديها أكبر معدل في العالم من حيث عدد الأطفال الذين يولدون كل عام، في حين أن الصين يتجاوز فيها عدد الوفيات عدد المواليد الجدد سنوياً.
ونتج عن انخفاض أعداد المواليد وزيادة الوفيات تراجع عدد الصينيين الذين يعيشون في البر الرئيسي بنحو 850 ألف شخص في 2022 مقارنةً بـ2021، وفقاً لبيانات رسمية صدرت في يناير 2023.
ما أهمية ذلك؟
التغير في ترتيب الدول الأكثر كثافة سكانية في العالم يكتسي أهمية أكبر من كونه مجرد لقب يمكن للهند أن تتفاخر به، إذ يرتقب أن تكون له تداعيات اجتماعية واقتصادية.
فهذا يعني أن الهند أصبحت تتوفر على قوة عاملة متنامية ونمواً ديموغرافياً يحفز النشاط الاقتصادي. أما التغير الديموغرافي في الصين فيعني تراجع عدد السكان القادرين على العمل، الذين يمكنهم توفير الدعم للفئة الكبيرة من السكان في سن الشيخوخة.
ونقلت الوكالة الأميركية عن توشيكو كانيدا، المدير الفني للبحوث الديموغرافية في مكتب المراجع السكانية في واشنطن، قوله إنه بمجرد وصول بلد ما إلى مستوى خصوبة منخفض، يكون من الصعب في كثير من الأحيان استعادة النمو السكاني، حتى مع التغييرات في سياسة الحكومة لتشجيع المزيد من الولادات.
وقال جيتيل باستن: "سيكون الأمر صعبًا بالنسبة للصين، لا سيما بالنظر إلى التنافس القائم بين البلدين في مجالات أخرى".
لكن ذلك لا يعني أن كل شيء يبدو على ما يرام بالنسبة إلى الهند، بحسب وكالة "بلومبرغ"، التي تشير إلى أن أعمار نصف سكانها تقل عن 30 عاماً، ويدخل نحو 12 مليون شخص سوق العمل كل عام بحثاً عن فرص عمل.
ويتمثل التحدي الذي يواجه الهند في الحفاظ على وتيرة التوسع هذه خلال العقود المقبلة، أو تجد نفسها في نهاية المطاف أمام معدلات بطالة مرتفعة.
كما أن عدد سكان الطبقة المتوسطة في الهند يتراجع مقارنةً بالصين، لكن العمالة الرخيصة نسبياً في البلاد تجعلها وجهة جذابة للشركات التي تتطلع إلى الابتعاد عن الصين.
في هذا الإطار، بدأت شركة "أبل" مثلاً في تجميع أحدث طرازات "أيفون" في الدولة الواقعة في جنوب آسيا، ما يعتبر فوزاً لحملة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي "صنع في الهند". في المقابل، خرجت شركات أخرى مثل "جنرال موتورز" وشركة "هارلي ديفيدسون" (Harley Davidson) من البلاد، ما أحبط جهود مودي الهادفة إلى تحسين مساهمة الصناعة في الاقتصاد لترتفع من 14% إلى 25%.
وتشهد المناطق الريفية في الهند ارتفاعاً كبيراً في عدد السكان، على عكس الصين. حتى في الوقت الذي يشهد فيه كل من البلدين هجرة العمال إلى المدن الكبرى بحثاً عن فرص أفضل، فإن غالبية سكان الهند سيبقون في المناطق النائية، فيما سيستقر الجزء الأكبر من سكان الصين في المناطق الحضرية بشكلٍ متزايد بحلول عام 2035، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية.
ما تأثر ذلك على الصين؟
إذا أدى تراجع عدد الأشخاص في سن العمل إلى انخفاض في عدد الأشخاص الذين يعملون بالفعل، فإنَّ ذلك قد يؤدي إلى زيادة تكلفة العمالة في الصين، مما يرفع أسعار السلع المصنّعة، بحسب "بلومبرغ".
ومع تراجع عدد الأشخاص الذين يُكوِّنون أسرة؛ يُرجَّح أن يوجه ذلك ضربة أيضاً إلى الطلب طويل الأجل على المنازل، مما سيؤثر على الطلب على سلع مثل خام الحديد. قد تواجه الحكومة أيضاً صعوبات في الدفع لنظام المعاشات الوطني الذي يعاني من قصور التمويل.
قد يؤثر كل ذلك سلباً على احتمالات النمو طويل الأجل للاقتصاد، إلا إذا أصبحت السياسات الحكومية التي تروِّج للإنجاب فعّالة. ربما يكون لذلك تداعيات خارج البلاد.
على سبيل المثال؛ قد يقلل عدد الأطفال الأقل من عدد الطلاب الصينيين الذين يسعون لإكمال تعليمهم في الولايات المتحدة وأستراليا وغيرهما من الأماكن.
وبشأن الحل الذي قد تلجأ له الحكومة في الصين، تشير "بلومبرغ" إلى أن تغيير سن التقاعد قد يحل بعض المشكلات. وعلى مدار أكثر من 4 عقود؛ أبقت الدولة على سن التقاعد عند 60 عاماً للرجال و55 للنساء العاملات، حتى مع ارتفاع متوسط الأعمار.
اقرأ أيضاً: