بلغ عدد النازحين على مستوى العالم 71.1 مليون نازح، العام الماضي، بسبب الصراعات والتغيرات المناخية، في حين أوصى تقرير صادر عن البنك الدولي بضرورة استفادة الدول الغنية ومتوسطة الدخل من المهاجرين لضمان تحقيق نمو طويل الأجل.
وأرجع مركز رصد النزوح الداخلي، ومقره جنيف، "المستوى القياسي" في عدد النازحين إلى صراعات مثل الحرب في أوكرانيا وتبعات تغير المناخ مثل السيول والفيضانات التي شهدتها باكستان.
وقال المركز إن عدد النازحين البالغ 71.1 مليون نازح يشكل زيادة نسبتها 20% منذ عام 2021 في ظل محاولة عدد غير مسبوق من الناس الفرار بحثاً عن الأمان والمأوى.
وأضاف أن ما يقرب من ثلاثة أرباع النازحين في العالم يعيشون في 10 دول منها سوريا وأفغانستان والكونغو الديمقراطية وأوكرانيا والسودان بسبب الصراعات التي تسببت في عمليات نزوح كبرى في 2022.
ووفقاً للمركز، تسببت الحرب في أوكرانيا في نزوح ما يقرب من 17 مليوناً العام الماضي.
وذكر أن الصراعات والعنف "تسببت في نزوح 28.3 مليون حول العالم، وهو رقم أعلى بثلاثة أمثال عن المتوسط السنوي للعقد المنصرم". وأشار إلى أن "العدد الأكبر من النازحين بلغ 32.6 مليون جراء كوارث منها الفيضانات والجفاف والانهيارات الأرضية".
وقال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إيجلاند، الذي أسس المركز عام 1998، إن "الصراعات والكوارث تضافرت العام الماضي لمفاقمة أوجه الضعف وعدم المساواة القائمة بين الناس مما أطلق شرارة موجة نزوح على نطاق لم نشهده من قبل".
وأضاف: "كما تسببت الحرب في أوكرانيا بأزمة أمن غذائي عالمية أضرت بالنازحين بأسوأ درجة"، مشدداً على أن "هذه الظروف مجتمعة قوضت تقدماً كان قد تحقق على مدى سنوات لتقليل الجوع وسوء التغذية حول العالم".
منفعة متبادلة
وتأتي هذه التوصية متزامنة مع ما كشفه تقرير للبنك الدولي عن ارتفاع نسبة المسنين بين سكان مختلف بلدان العالم بوتيرة غير مسبوقة، مما يزيد من اعتماد العديد من البلدان على الهجرة حتى تتمكَّن من تحقيق نمو طويل الأجل.
وذكرت مطبوعة "التنمية في العالم 2023"، الصادرة عن مجموعة البنك الدولي، تحت عنوان "المهاجرون واللاجئون والمجتمعات"، أن هذا الاتجاه الديموجرافي "يمثل فرصة فريدة لتحسين دور الهجرة في خدمة الاقتصادات والناس".
وتتناقص أعداد السكان في البلدان الغنية وعدد متزايد من البلدان متوسطة الدخل، ما يرفع حدة التنافس العالمي على العمالة والمواهب، بحسب التقرير الذي توقع أيضاً "نمواً سكانياً سريعاً في معظم البلدان منخفضة الدخل بشكل يفرض عليها ضغوطاً لخلق مزيد من الوظائف للشباب".
وتعليقاً على ذلك، قال المدير المنتدب الأول بالبنك الدولي أكسيل فان تروتسنبرج: "الهجرة يمكن أن تصبح قوة دافعة لتحقيق الرخاء والتنمية. فإذا ما أُديرت بشكل سليم، فإنها تعود بالفائدة على الجميع في البلدان الأصلية وبلدان المقصد".
ونبه التقرير إلى أنه "في العقود القادمة، ستنخفض نسبة البالغين في سن العمل انخفاضاً حاداً في عديد من البلدان"، واستشهد بإسبانيا التي يُتوقَّع أن ينكمش عدد سكانها البالغ 47 مليون نسمة بأكثر من الثلث بحلول عام 2100، مع زيادة نسبة من هم فوق سن 65 عاماً من 20% إلى 39% من السكان.
ولفت التقرير إلى أن بلداناً مثل المكسيك وتايلندا وتونس وتركيا قد تحتاج قريباً إلى استقدام المزيد من العمال الأجانب نظراً لتوقف النمو السكاني بها.
معاناة المهاجرين
وذكر التقرير أن الأسباب الدافعة للهجرة تشهد تغيراً يجعل عمليات الانتقال عبر الحدود أكثر تنوعاً وتعقيداً، مشيراً إلى أن "بلدان المقصد والبلدان الأصلية تغطي حالياً جميع مستويات الدخل"، وأوضح أن "بلداناً عديدة مثل المكسيك ونيجيريا والمملكة المتحدة تُعد مُرسِلة ومتلقية للمهاجرين في الوقت نفسه".
وبيّن التقرير أن عدد اللاجئين تضاعف 3 مرات تقريباً خلال العقد الماضي، منبهاً أن تغيُّر المناخ يهدد بإذكاء ارتفاع معدلات الهجرة، وأشار إلى أن "نحو 40% من سكان العالم، أي 3.5 مليارات نسمة، يعيشون في أماكن معرَّضة بشدة للتأثيرات المناخية".
وأكد تقرير البنك الدولي أن "النُهج الحالية لم تؤد إلى تعظيم المكاسب الإنمائية المحتملة للهجرة فقط، بل إنها تتسبب أيضاً في معاناة كبيرة لمن يهاجرون بسبب البؤس والعوز"، موضحاً أن "نحو 2.5% من سكان العالم، أي 184 مليون نسمة من بينهم 37 مليون لاجئ، يعيشون خارج البلدان التي يحملون جنسيتها، فيما تعيش النسبة الأكبر، وهي 43%، في البلدان النامية".
استراتيجيات جديدة
وركز التقرير على "الحاجة الملحة إلى تحسين إدارة عمليات الهجرة"، ولفت إلى ضرورة استهداف واضعي السياسات تدعيم التوافق بين مهارات المهاجرين والاحتياجات المطلوبة في بلدان المقصد، مع حمايتهم و"تقليل الحاجة إلى الانتقال بسبب البؤس والعوز".
من جانبه، قال رئيس الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي والنائب الأول للرئيس لشؤون اقتصاديات التنمية إندرميت جيل إن البلدان الأصلية يجب أن تجعل هجرة العمالة جزءاً صريحاً من إستراتيجيتها.
وأوضح أن الاستراتيجية يجب أن تشمل "تقليل تكاليف التحويلات، وتسهيل نقل المعارف من مجتمع الشتات، وبناء المهارات المطلوبة بشدة عالمياً لكي يتمكَّن المواطنون من الحصول على وظائف أفضل حال هجرتهم، وتخفيف الآثار السلبية الناتجة عن (هجرة العقول)، وحماية المواطنين في أثناء وجودهم بالخارج، ودعمهم عند عودتهم".
في الوقت نفسه، طالب جيل بلدان المقصد بتشجيع الهجرة عندما تكون المهارات التي يجلبها المهاجرون معهم "مطلوبةً بشدة"، وتسهيل احتواءهم ومعالجة الآثار الاجتماعية التي تثير مخاوف مواطنيها، ولفت إلى ضرورة السماح للاجئين بالانتقال والحصول على الوظائف والخدمات الوطنية حيثما كانت متاحة.
وخلص تقرير البنك الدولي إلى أنه "يلزم بذل جهود متعددة الأطراف لتقاسم تكاليف استضافة اللاجئين ولمعالجة قضية الهجرة بسبب البؤس والعوز"، مشدداً على ضرورة "الاستماع إلى الأصوات التي لا تحظى بالتمثيل الكافي في النقاشات بشأن الهجرة".
اقرأ أيضاً: