"الزراعة الدائمة" في تونس.. سلاح المزارعين لمواجهة أزمة الجفاف

time reading iconدقائق القراءة - 8
المزارع التونسي صابر الزواني يغطي التربة بأوراق البصل لتقليل تبخر المياه من الأرض. 27 أبريل 2023 - AFP - AFP
المزارع التونسي صابر الزواني يغطي التربة بأوراق البصل لتقليل تبخر المياه من الأرض. 27 أبريل 2023 - AFP - AFP
تونس -أ ف ب

تزايد اهتمام المزارعين في تونس بتقنية "الزراعة الدائمة" لمواجهة تداعيات تغير المناخ، بعد تسجيل جفاف غير مسبوق في البلاد خلال الأشهر الأخيرة.

في منطقة كاب نيجرو على بعد حوالي 150 كيلومتراً على العاصمة تونس، يقف المزارع صابر الزواني في حقله ويشير إلى بعض الأعشاب، ثم يقول: "هذه ليست طفيلية"، بل هي جزء من تقنيات الزراعة الدائمة التي يعتمدها. وقد بدأت تنتشر في تونس حيث التحديات المناخية كبيرة.

عاد الزواني منذ سنتين لزراعة أرض العائلة الواقعة وسط غابة. ويتملك هذا المزارع، العاطل عن العمل سابقاً والبالغ 37 عاماً، هاجس المحافظة بشكل دائم على رطوبة التربة بالرغم من حرارة الطقس.

لكن، يبدو هذا الهدف بعيد المنال بالنظر خصوصاً إلى تداعيات التغير المناخي في البلاد التي ساهمت في تسجيل جفاف غير مسبوق خلال الربيع الماضي تحديداً.

وفي كل مرة يجمع الزواني محصول البصل أو الفجل يقطع عنه أوراقه وجذوره ويغطي بها التربة لكي يقلّل من تبخر المياه من الأرض ويخصبها في الآن نفسه.

ما هي الزراعة الدائمة؟

يقوم مفهوم الزراعة الدائمة أو المعمرة، الذي وضعه اثنان من علماء البيئة الأستراليين في السبعينيات، على أساس أن كلّ العناصر الطبيعية مترابطة وتكمل بعضها البعض.

زرع الزواني الخضراوات بالقرب من حوض صغير صنعه بمفرده لجمع مياه الأمطار، ويرعى بالقرب منه ماشيته من ماعز وأبقار وأغنام، حيث يستخدم روثها كسماد عضوي لتقوية محاصيله.

يوضح الزواني: "نحتاج إلى إنشاء تربة حيّة لجذب ديدان الأرض والفطريات وجميع العناصر الغذائية لنباتاتنا وأشجارنا".

ويحرص الرجل على ري خضراواته بالحد الأدنى من المياه ولا يستخدم إلا بذوراً من إنتاج محاصيله الخاصة وطاردات الحشرات الطبيعية.

وبفضل هذه التقنية المبتكرة، انخفض استهلاكه من المياه إلى النصف.

"العودة إلى الجذور"

يؤكد الزواني أن الزراعة الدائمة تشكل "العودة إلى جذورنا، إلى الأساليب التقليدية التي كان يستخدمها أجدادنا".

ويشير المزارع بيده إلى قطعة أرض غير محروثة تنتشر فيها أكوام من الشتول والسماد العضوي والتربة الخصبة وأوراق أشجار جافة جلبها من الغابة المجاورة.

يكسب هذا المزارع نحو 300 دينار (بالكاد 100 يورو) شهرياً، لكنه يحقق الاكتفاء الذاتي من الطعام له ولعائلته المكونة من والديه المتقاعدين وشقيقه.

ويعتزم الزواني في غضون عامين أو 3 أعوام تحصيل "دخل محترم" بفضل "خطة العمل" الخاصة به والتي ستحوّل أيضاً مزرعتهم البالغة مساحتها 3 هكتارات وأطلق عليها اسم "أم هنية"، إلى بيت ضيافة ومركز تدريب على الزراعة الدائمة.

تخرج الزواني في معهد التكنولوجيا الحيوية، وعلى غرار الكثير من الشباب التونسي، عجز عن إيجاد عمل في مجال اختصاصه فقرّر الخضوع لتدريب في مجال آخر بعدما فقد وظيفته كنادل بسبب تداعيات وباء كورونا.

ووجد ضالته في "الجمعية التونسية للزراعة المستدامة" التي دربته من دون مقابل وموّلته جزئياً ليتمكن من شراء المعدات الأساسية لمشروعه.

والزواني أحد المستفيدين من مشروع "ازرع أرضك" لإنشاء 50 مزرعة صغيرة في تونس في غضون 5 سنوات، منها 30 مزرعة دخلت مرحلة الإنتاج.

وتقول رئيسة الجمعية ريم المثلوثي إن الهدف من ذلك "الحصول على مئات الهكتارات، وأن نثبت للسلطات والمزارعين الآخرين أن الزراعة المستدامة نظام زراعي مربح وفعّال، ويعيد التنوع البيولوجي بدلاً من إنهاك الأرض بعمليات الحرث والمواد الكيميائية".

"تغيير النموذج التونسي"

تمول صناديق، سويسرية خصوصاً، البرنامج الذي يشمل جميع المناطق في تونس حتى ذات المناخ الصعب، بهدف دعم التنمية المحلية من خلال تشجيع عودة الشباب إلى استغلال الأراضي الزراعية التي هجرتها أسرهم.

كذلك، تأمل الجمعية المساهمة في "تغيير النموذج التونسي، حيث يخسر المزارع المال لأنه ينفق باستمرار فيما العائدات ضئيلة للغاية، من خلال شراء البذور والأسمدة والمبيدات"، بحسب المثلوثي.

ويركز نظام الزراعة في تونس على إنتاج القمح والشعير والمحاصيل الأخرى التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، في مقابل انخفاض نصيب الفرد من المياه في البلاد إلى أقل من "عتبة الشح المطلق" (500 متر مكعب) التي حددها البنك الدولي.

وتبين المثلوثي أن "الأزمات مثل الإجهاد المائي أو الحرب في أوكرانيا (التي تزيد من تكلفة الإنتاج) هي فرص لتعزيز الحلول مثل الزراعة الإيكولوجية والزراعة المستدامة".

ونظمت الجمعية أسواقاً "من المنتج إلى المستهلك" لتقريب المنتجين من المستهلكين عبر عرض منتجات بأسعار مناسبة.

ويتجول أولياء الأطفال وسط ساحة المدرسة الفرنسية في محافظة بنزرت (شمال) ويكتشفون بفضول مجموعة من منتجات العسل والأعشاب العطرية الجبلية والخضراوات.

يعدّ سالم (44 عاماً) الطعام مع أطفاله الثلاثة بما يشتريه كل أسبوع من هذه السوق، ويقول: "هذه منتجات صحية، من المهم أن تعرف ما تأكله. هنا يشرحون لي ما سأفعله وما يجب أن أضعه في الطبق لأتناوله".

وتؤكد المدرسة ميساء حداد (49 عاماً) أنها فخورة "بالمشاركة في تعليم الأطفال" الزراعة الدائمة حتى يدركوا أن "هذه الطريقة مفيدة لكوكبنا وأسلوب حياتنا".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات