يسعى يهود قوميون إلى إعادة بناء "الهيكل" بعد ألفي عام على تدميره، مدعين أنه كان في باحة المسجد الأقصى بمدينة القدس القديمة، لكن التطرق إلى هذا الموضوع يعد "لعباً بالنار" في موقع يقع في صلب التوترات الإسرائيلية- الفلسطينية.
وبالنسبة لهؤلاء اليهود القوميين، ترمز إعادة بناء الهيكل إلى "الخلاص"، فيما يعتبرون أن إعادة بنائه ستسرّع في مجيء المسيح، لكن بالنسبة لمنتقديهم، وكثير منهم من اليهود، يعد الموضوع حساساً نظراً للتوترات التي ستنتج عنه.
ووفقاً للرواية اليهودية، دمر الرومان الهيكل الثاني في العام 70 ميلادي، وحائط المبكى أو "البراق" هو أحد بقاياه، إذ كان ذاك الهيكل مبنياً في المكان الذي كان يتواجد فيه الهيكل الأول الذي دمّره البابليون في القرن السادس قبل الميلاد.
بحسب الرواية ذاتها، بُنيت على أنقاض الهيكل بعد قرون عدة الباحة التي توجد فيها اليوم قبة الصخرة والمسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بالنسبة للمسلمين.
ويعتبر جبل الهيكل، كما يسميه اليهود، أقدس الأماكن في اليهودية، ويقولون إنه يقع في قلب البلدة القديمة بالقدس الشرقية المحتلة من إسرائيل منذ العام 1967.
وحالياً، يأتي أعضاء "جوقة الهيكل" المبتدئون من جميع أنحاء البلاد إلى إحدى ضواحي تل أبيب ليغوصوا في مجموعات من الأغاني القديمة، ويتدربوا عليها.
وفي هذا الصدد، قال شموئيل كام (52 عاماً)، وهو عضو في الجوقة المكوّنة ممن يقولون إنهم أحفاد قبيلة اللاويين التي كانت تؤدي تاريخياً الترانيم والموسيقى في الموقع المقدّس، إن الشعب اليهودي "ينتظر إحياء هذا الهيكل منذ ألفي عام.. أعتقد أنني سأرى إعادة بناء الهيكل في حياتي.. هذا أمر لا مفرّ منه".
وقال مناحيم روزنطال، مدير الجوقة التي أسسها "معهد الهيكل" قبل بضعة أشهر: "عندما يتمّ بناء الهيكل، سنطلب من اللاويين أن يأتوا ليغنّوا ولن يعرفوا، عليهم أن يتعلّموا".
بدوره، يتّهم مسؤول التواصل في "معهد الهيكل" إسحق رويفين الفلسطينيين بـ"تأجيج الخلاف حول جبل الهيكل والمسؤولية عن العنف المتكرّر مع القوات الإسرائيلية"، لكنه لا يحدّد ما سيكون مصير الأماكن الإسلامية المقدّسة، حال بُني الهيكل الثالث.
"مسألة وقت"
ويرى حاييم بيركوفيتس (50 عاماً)، وهو فرنسي إسرائيلي عضو في منظمة "بونيه يسرائيل" (بناء إسرائيل)، أنه "يمكن للجميع أن يقولوا ما يريدون، لكن هنا كان مكان لليهود"، معتبراً أن إعادة إعمار الهيكل "مسألة وقت فقط".
وتسعى منظمة "بونيه يسرائيل" إلى "تسريع الخلاص"، إذ أحضرت المنظمة العام الماضي، 5 عجول حمراء من تكساس إلى إسرائيل للتضحية بها.
ووفقاً للتعاليم التلمودية، على اليهود تطهير أنفسهم عن طريق دهن أجسادهم بمزيج من الماء والرماد من هذه العجول النادرة، قبل الدخول الى موقع الهيكل المقدّس.
إلى أن يتحقّق هذا الشرط، تمنع الحاخامية الإسرائيلية زيارة اليهود إلى الحرم القدسي، لذلك فإن طقوس العجل الأحمر أمر بالغ الأهمية، ولو أن يهوداً يقومون بزيارات الى باحة الأقصى يقولون إنهم يعرفون مكان موقع بقايا الهيكل، وإن أقدامهم لا تطأه وبذلك لا يدنسونه.
وفي مزرعة شمال إسرائيل، يفحص بيطريون وحاخامات بعناية شعر هذه العجول بانتظام للتأكد من أن جلدها يبقى أحمر بالكامل أثناء نموها.
ومنذ تولّي واحدة من أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو، السلطة في ديسمبر الماضي، زار وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن جفير باحة الأقصى مرتين للتأكيد على السيادة الإسرائيلية عليها.
وقال خلال زيارته في 22 مايو الماضي: "نحن أصحاب القدس وكلّ إسرائيل". وفي تحدٍ لحظر الحاخامية، زار حوالى 50 ألف يهودي جبل الهيكل في العام 2022، وفقاً للمنظمة القومية الإسرائيلية "هار هابيت".
دعوات أممية
وكرّرت الأمم المتحدة دعواتها في الأشهر الأخيرة إلى "احترام الوضع القائم" في الحرم الذي تحرس مداخله الشرطة الإسرائيلية، وتديره دائرة الأوقاف الإسلاميّة التابعة للأردن.
وتؤكد دائرة الأوقاف باستمرار أن المسجد بساحاته موقع مسلم فقط، وتندّد بالمحاولات الإسرائيلية "لتهويده"، كذلك، يعتبره الفلسطينيون "مهدّداً".
ولا يظهر أي أثر لهذه الأماكن على خرائط المنظمات الناشطة لإعادة بناء الهيكل، وتؤكد كلها أنه لا يمكن بناؤه إلا في الباحة.
ويعمل "معهد الهيكل" منذ عام 1987 على إعادة بناء الهيكل من خلال تدريب مصلّين ورجال دين وصنع أشياء تُستخدم في العبادة، مثل ملابس الكهنة وقوالب الخبز والمباخر والآلات الموسيقية وكل ما هو ضروري للطقوس اليهودية.