الأزمة الاقتصادية الخانقة تدفع لبنانيين إلى بيع سياراتهم

time reading iconدقائق القراءة - 5
سيارات تتجول حول دوار في طرابلس، لبنان. 20 أبريل 2022 - REUTERS
سيارات تتجول حول دوار في طرابلس، لبنان. 20 أبريل 2022 - REUTERS
بيروت-الشرق

تسلط أوراق بيضاء ملصقة على زجاج السيارات ومكتوب عليها "للبيع"، الضوء على آثار الأزمة المالية في لبنان على المواطنين الذين لا يستطيعون دفع الأقساط الشهرية للبنوك التي اقترضوا منها ثمن سياراتهم، أو حتى عدم قدرتهم على مواجهة ارتفاع أسعار الوقود.

ويعاني لبنان واحدة من أسوأ الأزمات المالية في العالم، فضلاً عن فراغ رئاسي، بعد أن فشل البرلمان في انتخاب رئيس للمرة الـ12 منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في أكتوبر الماضي.

وانهار النظام المالي اللبناني في 2019. ولا يستطيع المودعون الوصول إلى أموالهم في البنوك، بينما فقدت العملة المحلية ما يقرب من 98 بالمئة من قيمتها أمام الدولار، وتراجع الناتج الإجمالي المحلي بنحو 40 بالمئة، وارتفع التضخم إلى مستويات قياسية، مما أدى إلى استنزاف ثلثي احتياطيات النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان المركزي.

تراجع مستويات المعيشة

ورائد راجي صاحب سيارة بيضاء فارهة يعود تاريخ صنعها للعام 2018، يطلب بيعها بحوالي ستة آلاف دولار، رغم أنه اشتراها بقرض مصرفي بأكثر من 13 آلف دولار.

وقال راجي لـ"وكالة أنباء العالم العربي"، إنه عندما اشترى السيارة كان موظفاً في شركة خاصة، ويتقاضى راتبه بالدولار، لكنه لم يضع في حسبانه تدهور الأوضاع في لبنان إلى ما هي عليه اليوم.

وأضاف: "فقدت قيمة راتبي خلال السنوات الثلاث الماضية، في 2019 كان مدخولي الشهري 1500 دولار، أما الآن وصل إلى 500 دولار، ربما أكون أفضل من غيري، لكني لم أعد استطع الحفاظ على نفس المستوى المعيشي، وخاصة مصاريف السيارة التي زادت كلفة إصلاحها".

واتبع جهاد نعمة، البالغ من العمر 35 عاماً، الطريقة نفسها في عرض سيارته للبيع، إضافة لمواقع التواصل الاجتماعي، لأنه في انتظار استكمال إجراءات الهجرة. 

وأبلغ نعمة "وكالة أنباء العالم العربي" أنه يجد "صعوبة في بيع السيارة على الرغم من أنني طلبت مبلغاً ليس ضخماً بالنسبة لطراز السيارة، لكن الأزمة تبعد العائلات عن المغامرة بالشراء، خوفاً على مدخراتها".

وأشار طوني عريجي، الذي يملك معرضاً لبيع السيارات في بيروت، إلى تراجع البيع لأسباب تتعلق بالقدرة الشرائية والرسوم الجمركية.

وقال عريجي: "رفعت الحكومة اللبنانية الدولار الجمركي على السلع المستوردة من 15 ألف ليرة للدولار إلى 86 ألف ليرة، أي أن السيارة التي كانت رسومها توازي 4700 دولار تجاوزت الآن 35 ألف دولار".

كلفة إصلاح السيارات

واعتاد زياد الجبر (55 عاماً)، الذي يملك ورشة لإصلاح السيارات، أن يكون فصل الصيف موسماً مزدحماً بسبب المسافات الطويلة التي يقطعها اللبنانيون بسياراتهم في العطلات الأسبوعية، لكن الأحوال تغيرت منذ سنوات مع ارتفاع تكلفة قطع الغيار.

ويقول الجبر للوكالة إن "الأزمة منعت الناس من الاهتمام بالسيارات لوجود أولويات أخرى، وهذا انعكس على رغبة أصحاب السيارات في العناية بها، حتى وصلنا إلى أن بعضهم فضل ركن السيارة وعدم استعمالها لعدم قدرته على الدفع".

ويشير إلى خطورة استمرار ارتفاع أسعار قطع الغيار وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين على جودة السيارات الموجودة على الطرقات، وبالتالي الخوف من تدهور السلامة المرورية.

وتابع أن "ابتعاد الناس عن تحريك سياراتهم يعني توجههم إلى استخدام سيارات الأجرة والحافلات، والتي في الأصل كانت مزدحمة قبل الأزمة، فكيف ستكون حالتها مع ارتفاع الطلب عليها؟".

ارتفاع "صاروخي" للوقود

ويرى عريجي أنه بعد تراجع قيمة الرواتب، أصبح شراء السيارة بمثابة "حلم" بالنسبة لغالبية اللبنانيين. ويقول إن راغبي الشراء لا يسألون فقط عن سعر السيارة، بل أيضاً عن تكلفة قطع الغيار والإصلاح والوقود.

وتابع: "كان من المتعارف عليه في لبنان أن الكثير من العائلات تتجه لشراء أكثر من سيارة، وكان عدد السيارات في الأسرة الواحدة المؤلفة من خمسة أفراد يصل إلى ثلاث سيارات، بسبب المغريات التي تقدمها البنوك للحصول على قروض، وعدم توفر شبكة نقل عام مناسبة".

وتبلغ تكلفة النقل للفرد في بيروت في حافلة صغيرة 50 ألف ليرة، مقابل ألف ليرة فقط في 2019. وتبلغ تعرفة الراكب في سيارات الأجرة داخل بيروت 150 ألف ليرة، مقابل ألفي ليرة قبل الأزمة المالية. 

وقفز سعر صفيحة البنزين (20 لتراً) من 22700 ليرة في فبراير 2019 إلى 1.62 مليون ليرة للبنزين 95 أوكتان في الأسبوع الحالي.

وكان الحد الأدنى للأجور في 2019 في لبنان يبلغ 675 ألف ليرة، وهو ما يكفي لشراء 30 صفيحة بنزين، بينما في 2023 بلغ الحد الأدنى للرواتب 4.5 مليون ليرة، وهو ما يكفي لشراء ثلاث صفائح بنزين فقط.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات