بينما كانت بريطانيا تحيي الذكرى السادسة والعشرين لوفاة الأميرة ديانا، كان المصلون في مسجد ريجنز بارك وسط العاصمة لندن الجمعة، يشيعون جنازة الملياردير المصري محمد الفايد الذي قضى ابنه دودي (عماد الفايد) مع الأميرة في باريس في 31 أغسطس 1997، وأثار موته نقمة الفايد على الأسرة الملكية والسلطات البريطانية.
امتدت حياة الفايد الذي رحل الخميس، في المملكة المتحدة لعقود طويلة حفلت بكثير من الأحداث التي باتت جزءاً من تاريخ البلاد والرجل، إذ كان أول أجنبي من أصل عربي يشتري متاجر هارودز الشهيرة، ونادياً إنجليزياً لكرة القدم.
ولضخامة حضوره على الساحة الاقتصادية البريطانية سجل الفايد اسمه في قائمة صحيفة "صنداي تايمز" السنوية لأغنى الأفراد.
قضى الفايد نحو ثلثي حياته في المملكة المتحدة، وتوسعت أعماله فيها حتى بلغت ثروته نحو ملياري دولار، فاحتل المرتبة 12 بين الأثرياء العرب و1512 عالمياً وفق تصنيف مجلة "فوربس".
وأنفق الفايد كثيراً من الأموال للتعرف على الملكة الراحلة إليزابيث الثانية وعائلتها، وسعى طويلاً لنيل الجنسية البريطانية، ولكن لم تجر الرياح بما يشتهي.
قصة صعود الفايد
انتقل الفايد للعيش في المملكة المتحدة عام 1974، ولكن شغفه بالإقامة والعمل فيها بدأ قبل ذلك بعقد من الزمن. وفي بريطانيا أكمل الفايد طريقه الذي بدأه في عالم المال والأعمال منذ خمسينيات القرن الماضي في السعودية، وبعد 3 سنوات من وصوله إليها كان يملك فندق الريتز في باريس، ونادي فولهام لكرة القدم في العاصمة الإنجليزية لندن.
في عام 1986 استأجر الفايد لمدة خمسين عاماً، قصر دوق ودوقة وندسور البريطانيين في العاصمة الفرنسية باريس. وقام بترميمه وأقام فيه، ومن خلال القصر كثف الفايد سعيه للتواصل مع ملكة بريطانيا وعائلتها، خاصة وأنه امتلك قبلها بعام واحد فقط حصة الأغلبية في متاجر هارودز الشهيرة بلندن وأثار اهتمام الإعلام البريطاني.
وحققت أعمال الفايد في المملكة المتحدة عوائد مجزية، وقدمت منافع ووظائف للاقتصاد الإنجليزي، كما حققت رغبته بالتواصل مع الأسرة الملكية، وكان أول من التقاه بين أفرداها، أميرة ويلز الراحلة الأميرة ديانا، ثم امتدت معرفته بها إلى ابنه عماد الدين المعروف بـ"دودي"، فاستمرت لسنوات قليلة قبل أن يموتا معا في حادث سير.
دودي الفايد والأميرة ديانا
في عام 2022 عرضت شبكة "نتفليكس" الجزء الخامس من مسلسل "The Crown" الذي يحكي قصة الأسرة الملكية في بريطانيا. وماهي إلا أيام حتى عاد اسم الفايد لتصدر الصحف الإنجليزية للتعريف برجل توفي ابنه مع الأميرة ديانا في حادثة هزت المملكة المتحدة، ولا تزال حاضرة بقوة في الذاكرة الشعبية حتى اليوم.
شكلت وفاة "دودي" صدمة كبيرة لوالده الملياردير، فهو من فتح الباب للقاء ابنه مع أميرة ويلز، وهو من زرع فيه منذ الصغر حبه للبريطانيين ورغبته بالعيش مثلهم وعلى طريقتهم، وفق ما عرض المسلسل حول بدايات الفايد عندما كان شاباً يلتقط رزقه عبر أعمال يدوية شاقة على سواحل مدينة الإسكندرية شمال مصر.
يقول الممثل الفلسطيني سليم ضو الذي لعب دور الفايد في مسلسل "The Crown"، إن الملياردير "حزن كثيراً على وفاة ولده في باريس عام 1997، واستغرق سنوات حتى تعافى من حزنه وعاد إلى طبيعته". أما شغله الشاغل بعدها فكان البحث في حقيقة ما جرى في باريس، وهل كان الحادث مدبراً فعلاً للتخلص من أميرة ويلز.
كان موت الأميرة فاجعة بالنسبة للبريطانيين وحامت حول الحادثة الكثير من الشبهات، وقد اتهم الفايد "المؤسسة البريطانية" بتدبيرها للتخلص من ابنه وديانا سوياً. وعلى مدار أكثر من 10 سنوات، ظل الأب يلاحق "قتلة" ابنه، حتى قال القضاء كلمته النهائية في الأمر عام 2008، وتخلى الملياردير عن معاركه القانونية تماماً.
واستقبل الفايد حكم المحكمة بدموع ملأت عينيه، ولكن رئيس القضاة في تلك المحكمة اللورد سكوت، قال: "إنه لم يكن هناك دليل واحد يدعم ادعاء الفايد بأن الأمير فيليب زوج الراحلة إليزابيث الثانية ووالد زوج ديانا السابق الأمير تشارلز حينها، أصدر أوامر لأجهزة الأمن في بريطانيا لقتلها ومنعها من الزواج بمسلم والإنجاب منه".
ثروة محمد الفايد
رغم ثروته ومشاريعه في المملكة المتحدة، لم يوفق الفايد بالحصول على الجنسية البريطانية بحجة "الضبابية التي تلف مصادر أمواله"، وفق تصريحات السلطات المختصة. ولكن مصادر كثيرة تتحدث عن رحلة الملياردير انطلاقاً من مصر إلى السعودية ومنها إلى القارة العجوز، والعمل بين 3 دول أوروبية هي إيطاليا وفرنسا وبريطانيا.
بدأ الفايد جمع ثروته بعدما سافر إلى المملكة العربية السعودية، وتزوج سميرة خاشقجي، شقيقة رجل الأعمال المشهور عدنان خاشقجي، الذي وقف إلى جانب الشاب المصري الحالم، وساعده في الانضمام لمجال الاستيراد والتصدير. ثم جاءت الخطوة التالية التي تعتبر العلامة الفارقة في رحلة المليارير في عالم المال والأعمال والشهرة.
لم تدم علاقة الفايد بزوجته وأخيها طويلاً، ولكن من خلالهما عمل في تجارة الشحن، ثم تعرف على سلطان بروناي في عام 1966، وأقنعه بالاستثمار في المملكة المتحدة. وصل الفايد إلى لندن مطلع السبعينيات وبعد خمس سنوات انضم الى مجلس إدارة شركة "لونرهو"، ثم تركها بعد تسعة أشهر فقط إثر خلافات داخلية، وفق مصادر مختلفة.
في العشرية الثانية من الألفية الجديدة باع الفايد متاجر هارودز لـ"جهاز قطر للاستثمار" بمبلغ 2.4 مليار دولار، ثم نادي فولهام للملياردير شاهد خان بـ 300 مليون دولار. وفي مقابل الأرباح التي حققها الفايد في لندن، تبرع بملايين الجنيهات الإسترلينية للجمعيات الخيرية، كما مول فيلم "عربات النار" (Chariots of Fire) الذي شارك نجله دودي في إنتاجه قبل وفاته.
وفاة محمد الفايد
توفي محمد الفايد عن عمر يناهز 94 عاماً، ونعاه صهره رجل الأعمال أشرف حيدر عبر صفحته على فيسبوك.
وأمضى المليارير آخر أيامه في سويسرا، ولكن روحه بقيت معلقة في لندن التي أراد أن يحنط فيها، ويزرع جسده فوق متاجر هارودز، كما نقل عن المهندس المعماري بيل ميتش الذي كان يعمل لديه.
وذكرت تقارير صحافية أن محمد الفايد يمتلك أربع طائرات خاصة، وثلاثة قصور في لندن وآخر في سويسرا والأخير في فرنسا. إضافة إلى يخت كبير يطلق عليه اسم "سوكار"، وقيمته تصل إلى أربعين مليون دولار تقريباً. كما يمتلك قلعة في اسكتلندا التي نُقل عنه أنه "سوف يترشح إلى رئاسة حكومتها إن انفصلت عن بريطانيا".
واسمه الكامل محمد عبد المنعم الفايد، وهو أب لأربعة أولاد. قال فيه عالم الآثار والوزير المصري السابق زاهي حواس في مقال نشرته صحيفة الرأي عام 2007، تعليقاً على رغبة الملياردير المصري في تحنيط نفسه كما كان يفعل المصريون القدماء، إن "محمد الفايد سيظل حياً أو ميتاً، صداعاً في رأس العديد من الإنجليز".