التغيّر المناخي.. كيف يهدد الزراعة؟

3 مليارات شخص يعيشون في بيئة "شديدة التأثر" بتغير المناخ

time reading iconدقائق القراءة - 5
جثة فيل نافق قرب بركة في متنزه هوانج الوطني في زيمبابوي. 7 ديسمبر 2023 - REUTERS
جثة فيل نافق قرب بركة في متنزه هوانج الوطني في زيمبابوي. 7 ديسمبر 2023 - REUTERS
باريس -أ ف ب

 تتسبب موجات الجفاف والحرارة في معاناة البشر والحيوان والنبات من القرن الإفريقي إلى الأرجنتين، فيما تفاقم التغيّرات المناخية التهديدات التي تتعرّض لها المحاصيل الزراعية في العالم، حتى في المناطق التي كانت تُعتبر معتدلة سابقاً.

وليس هناك أي قارّة بمنأى من ذلك، إذ أدى الجفاف دوراً في زوال حضارة بأكملها، عندما سرّع سقوط الإمبراطورية "الحِيثِّية"، التي كان موقعها في هضبة الأناضول في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وفق دراسة حديثة نشرتها مجلة "Nature" البريطانية. 

وبات الجفاف راهناً يهدّد محاصيل دول زراعية كبرى، مثل الأرجنتين التي شهدت تراجع محصولها من الذرة بأكثر من 30% خلال موسم حصاد 2022-2023.

الزراعة والاحتباس الحراري

والزراعة التي تمثّل 23% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم (جراء تربية الماشية واستخدام الأسمدة)، هي واحدة من أولى ضحايا الاحترار المناخي.

ويؤدي الاحترار إلى زيادة عدد موجات الجفاف وإطالة مدّتها، على غرار الموجة القياسية التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي منذ نهاية عام 2020، حيث أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى نفوق الملايين من رؤوس الماشية، وأصبح 23 مليون شخص مهددين بالجوع، وفق الأمم المتحدة.

في المجمل، يعيش أكثر من 3 مليارات شخص في بيئة "شديدة التأثر" بتغير المناخ.

ويؤدي هذا التغيير أيضاً إلى زيادة حالات هطول الأمطار الغزيرة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مدمرة: تدمير المحاصيل، واستحالة البَذر أو الحصاد، وتفاقم تآكل التربة مع جرف الفيضانات طبقاتها العليا الخصبة. ولوحظ حدوث هذه الظواهر في السنوات الأخيرة في باكستان وأستراليا. 

تُضاف إلى ذلك الظاهرتان المناخيتان "إل نينيو"، و"إل نينيا"، المتكررتان لكن غير المنتظمتين، واللتان تزيدان حدة الجفاف في إندونيسيا (أول منتج لزيت النخيل في العالم) وفي الأرجنتين (من أبرز الدول المصدّرة للذرة)، وتؤثران على الرياح الموسمية في الهند، الأساسية في الدولة الأكثر تعداداً للسكان في العالم، وتفاقمان الأعاصير.

قمح وحليب أقلّ 

من جهته، قال المدير العلمي لقسم البيئة في المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الزراعية (Inrae) تييري كاكيه، الذي يعمل على تكييف الزراعة مع التغيّر المناخي، إن "إذا كان هناك نقص في المياه في وقت الإنبات، أو نمو النبات، أو قبل الإزهار مباشرة، فسيكون لذلك تأثير كبير على إنتاج الحبوب".

وأضاف أن "ارتفاع درجة الحرارة، مع أو بدون مياه، سيعزز ظاهرة توقف امتلاء الحبوب"، لافتاً إلى أنه من الناحية التخطيطية، سيكون للمياه تأثير في كمية السنابل، وتالياً حجم المحصول، ولدرجة الحرارة تأثير في جودتها ومعدل امتلاء الحبوب.

ويؤدي نقص المياه أيضاً إلى نقص محاصيل الأعلاف. فقد تخلى المزارعون الكاتالونيون عن زراعتها في أبريل الماضي في وقت كانت تعاني فيه إسبانيا من جفاف تاريخي.

ويؤدي جفاف نقاط تدفّق المياه ونقص العشب بشكل منتظم إلى القضاء على القطعان في منطقة الساحل والقرن الإفريقي. وحتى في المناطق التي تتمتع بطقس معتدل، مثل تونس وفرنسا، ينخفض إنتاج سلالات الألبان بسبب درجات الحرارة المرتفعة. 

وأوضح كاكيه أن "الحيوانات المجترّة، التي تسخن أمعاؤها أثناء التخمير، حساسة بشكل خاص"، مشيراً إلى أن "ذروة الحرارة البالغة 40 درجة مئوية يمكن أن تقتل بقرة".

"سوء التكيّف"

ويجري توفير 60% من الأغذية في العالم من خلال "الزراعة البعلية" (التي تعتمد على مياه الأمطار بشكل أساسي)، فيما يجري تأمين الباقي من الزراعة المروية. 

مع ظاهرة الاحترار المناخي، يزداد الطلب على الريّ: تحتاج المحاصيل إلى مزيد من المياه؛ لأنها تفقد أكثر من خلال التبخر. 

ويقدر فقدان المحصول الزراعي بسبب الجفاف بنسبة 25% بين عامي 1961 و2006، بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (فبراير 2022). 

وبحلول الفترة الممتدة من 2071 إلى 2100، إذا ارتفعت حرارة الكوكب بمقدار 1.5 إلى 2 درجة مئوية، فإن هذه الخسارة المرتبطة بالجفاف ستزيد بنسبة 9 إلى 12% للقمح وأكثر من 18% للأرز، مقارنة بفترة 1961-2016. 

والحلول موجودة، وتتمثل في وقف الزحف العمراني، والإدارة المحسّنة، والمستدامة للغابات والحفاظ على النظم البيئية ذات القدرة العالية على تخزين الكربون مثل الأراضي الخثية (نوع من الأراضي الرطبة)، وتطوير الزراعة الإيكولوجية. 

لكن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تحذر أيضاً من "سوء التكيّف"، مؤكدة على سبيل المثال أن "الإفراط في استخراج" المياه بغرض تخزينها لري المناطق القاحلة، يمكن أن "يؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية"، الأمر الذي ستكون له آثار ضارة على المدى المتوسط.

تصنيفات

قصص قد تهمك