الملكة رانيا تكتب عن "جحيم غزة": وجوه الأطفال نداء يائس للعالم

time reading iconدقائق القراءة - 8
الملكة رانيا تزور الأطفال مرضى السرطان الذين تم إجلاؤهم من غزة أثناء تلقيهم العلاج بمركز الملك حسين للسرطان في العاصمة عمّان. 29 نوفمبر 2023 - Reuters
الملكة رانيا تزور الأطفال مرضى السرطان الذين تم إجلاؤهم من غزة أثناء تلقيهم العلاج بمركز الملك حسين للسرطان في العاصمة عمّان. 29 نوفمبر 2023 - Reuters
عمان-الشرق

وصفت الملكة رانيا، قرينة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الوضع في غزة بأنه أصبح كابوساً إنسانياً جلياً، مطالبة بضرورة إنهاء الحرب، ووصول المساعدات الإنسانية دون قيود إلى القطاع المحاصر، مشيرة إلى أن "الاحتفالات في أرض ميلاد المسيح أُلغيت بسبب الحرب، حيث صور الدمار المروعة، والأطفال الملطخين بالدماء".

وقالت الملكة رانيا في مقال بصحيفة "واشنطن بوست"، إنه "عادة ما تنبض بيت لحم بالحياة في عيد الميلاد، لكن ليس هذا العام. في الأراضي المقدسة، أُلغيت الاحتفالات، فلا مواكب ولا أسواق ولا إضاءة لأشجار عيد الميلاد في الساحات العامة. وفي بلدي الأردن، حيث تعمَّد السيد المسيح عليه السلام، اختار مجتمعنا المسيحي أن يفعل الشيء ذاته".

وتحدّثت عن مشاهد الدمار والدماء قائلة: "في الضفة الغربية المحتلة، إحدى كنائس بيت لحم عدَّلت مشهد المغارة، فوضعت تمثال الطفل يسوع بين أنقاض مبنى تعرَّض للقصف. وذلك انعكاساً للقصة التي نراها على الشاشات في كل مكان: الصور المروعة للدمار في غزة، وبالأخص الأطفال الملطخين بالدماء والمحطمين هناك".

"نداء يائس للعالم"

وأضافت: "أشاهد مقطعاً لأب من غزة يلامس وجه ابنته، ويطلب من شخص أن يتأمل جمالها. قد تحسبها نائمة، لولا كفنها الأبيض".

وتابعت بقولها: "أتنقل من مقطع لآخر، وأرى مشهداً لصبي يكافح وسط الأمطار في طرقات غمرتها المياه، وهو يحمل جثة طفل أصغر منه، رافضاً أن يتركه خلفه. أم تحتضن جثة ابنتها وتقول لها: حطي قلبك على قلبي يمه. تبكي عندما يحاول آخرون أخذها، فهي غير مستعدة لتركها بعد".

ونوهت بأنه "علينا أن نرى في وجوه هؤلاء الأطفال وجوه أطفالنا. كل مقطع من تلك المقاطع هو بمثابة نداء يائس للعالم للاعتراف بإنسانيتهم وآلامهم. لم يفقد أهل غزة الأمل في إنسانية الآخرين، رغم فشل الكثيرين في رؤية إنسانيتهم".

"جحيم غزة"

وقالت الملكة رانيا: "منذ السابع من أكتوبر والغالبية العظمى من الضحايا في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة هم من المدنيين. سواء قُتلوا أو اختطفوا أو اعتقلوا ظلماً، كل واحد منهم يترك فراغاً لا يمكن ملؤه. ولا يوجد اختلاف بين الألم الذي تشعر به الأمهات الفلسطينيات والإسرائيليات نتيجة خسارة طفل. ومع كل يوم يمضي دون وقف إطلاق النار، تتعاظم الخسائر بشكل مأساوي".

ووصفت ما يحدث في غزة بالجحيم، قائلة: "في غضون ما يزيد قليلاً عن شهرين، قلبت إسرائيل غزة إلى جحيم. نحو 20 ألف قتيل. ما لا يقل عن ثمانية آلاف منهم أطفال، وهو عدد يفوق حصيلة قتلى بيرل هاربر، وهجمات 11 سبتمبر، وإعصار كاترينا، مجتمعة".

وأضافت: "لقد نزح نحو مليوني شخص من أصل 2.2 مليون في غزة، أغلبية سكانها أصبحوا لاجئين. أكثر من 50 ألف جريح، في حين 8 مستشفيات فقط من أصل 36 مستشفى تقدم الخدمة".

وفي وقت سابق الجمعة، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، ارتفاع عدد ضحايا حرب إسرائيل على القطاع، إلى 20 ألفاً و57 شخصاً، فيما أصيب 53 ألفاً و320 منذ السابع من أكتوبر الماضي.

"كابوس إنساني"

ولفتت الملكة رانيا، إلى أنه "فوق كل ذلك، هنالك الجوع. ما يقرب من نصف سكان غزة يتضورون جوعاً، فخلال أكثر من شهرين، سُمِح بدخول مساعدات تكفي حاجتهم لأقل من أسبوع. كيف يمكن اعتبار تجويع شعب شكلاً مشروعاً من أشكال الدفاع عن النفس؟"، مشيرة إلى أن "منظمات دولية تصف غزة الآن بأنها مقبرة للأطفال، وكم هو مؤلم أن يُطلق على أرض مقدسة وصفاً كذلك".

واعتبرت أن الوضع في غزة "أصبح كابوساً إنسانياً جلياً. ومع كل يوم يمضي، يتراجع مقياس ما هو مقبول إلى مستويات متدنية جديدة، مسجلة سابقة مرعبة لهذه الحرب وغيرها".

وعما يمكن فعله بشأن الحرب، قالت: "بغض النظر عن الطرف الذي تدعمه، لا يزال بإمكانك المطالبة بوقف إطلاق النار، والإفراج عن الرهائن والمعتقلين، والوصول غير المقيد للمساعدات".

وأردفت بقولها: "البعض سيستخف بهذا النداء باعتباره مدفوعاً بالعاطفة، مُصرين على أن وقف إطلاق نار فوري ليس استراتيجياً ولا مستداماً. إنها إدانة لعصرنا هذا حينما تُرفض مطالبات العودة إلى العقلانية بحجة أنها مجرد دعوات عاطفية. كما نسمع الكثيرين يتحدثون عن سلام ما بعد الحرب وكأن ذلك يعفيهم من مسؤولية التحرك الآن".

"وقف إطلاق النار مجرد بداية"

واعتبرت قرينة العاهل الأردني، أن "وقف إطلاق النار مجرد البداية. ويتعين علينا أن نباشر بالعملية الصعبة المتمثلة في إعادة الإنسانية، والاعتراف بإنسانية الآخرين والعمل على أساس الترابط العالمي".

وقالت الملكة رانيا: "أنا أم، وينفطر قلبي على الآباء والأمهات في غزة الذين يبذلون كل ما في وسعهم لإبقاء أطفالهم على قيد الحياة، ومن ثم يفقدونهم. نشترك جميعاً كأمهات وآباء في ذات الدافع لحماية أطفالنا من كل سوء. بغض النظر عمن نكون، أو من أين أتينا، فإن رعاية وحماية من نحب هي إحدى الغرائز التي يجب علينا تقديرها، ليس لذاتنا فقط، ولكن للغريب أيضاً، وحتى الخصم، فاحترامها بشكل انتقائي، ينتقص من إنسانيتنا".

ومن مشهد إلى آخر تتحدث الملكة رانيا عن المعاناة الإنسانية في غزة، قائلة: "هناك مقطع آخر لن أنساه أبداً، لأم تودع أطفالها. قضوا بقصف جوي أثناء نومهم بعد أن ذهبوا إلى الفراش ببطون خاوية. حزن أمهم لا يُحتمل، شعورها بالذنب لموتهم جياع كسرني. خاطبت أحد أبنائها: معلش يبني يا حبيبي أنت عند الرحمن في الفردوس الأعلى، وتشرح قائلة: سميته أيوب والله سميته أيوب علشان قصة سيدنا أيوب الصبر، الصبر، الصبر، ثم قالت باكية: وأنا يمه صابرة".

وأشارت إلى أن "في التوراة، والإنجيل والقرآن، يفقد النبي أيوب، عليه السلام، ممتلكاته وأولاده وصحته، ومع ذلك يظل ثابتاً على إيمانه. لقد تكرّم صبره عند اليهود والمسيحيين والمسلمين، والذين، في مراحل مختلفة من التاريخ، تشاركوا الأرض المقدسة بسلام. قصته هي قصة ألم، ولكنها أيضاً قصة أمل".

وطالبت الملكة رانيا بإنهاء الحرب: "هذه الحرب يجب أن تنتهي. واليوم، يتلخص الأمر في سؤال واحد يتعين على كل واحد منا الإجابة عليه: إذا كان بوسعك أن تمنع موت مئات أو آلاف الأطفال الآخرين، فهل ستفعل ذلك؟"

واختتمت المقال بقولها: "لذلك، فإن المطالبة بوقف إطلاق النار هو أقل ما يمكنك القيام به. ويجب علينا جميعاً أن نفعل ذلك معاً".

تصنيفات

قصص قد تهمك