مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر، وتجاوزها اليوم الـ20 بعد المئة، لا تزال أرقام الضحايا والجرحى في ارتفاع مستمر، وخاصة في صفوف الأطفال الذين يواجهون معاناة مضاعفة بسبب القصف، وقسوة الطقس، والجوع، والعطش، والتهجير، والأمراض، وصولاً إلى الأثر النفسي الذي ستتركه هذه الحرب لفترة طويلة.
مسؤولون وخبراء أكدوا أن انعكاسات الحرب على الأطفال في غاية الخطورة على المستويات كافة، كونهم يعيشون ظروفاً هي الأصعب والأقسى في ظل القصف المتواصل، في ظل النزوح المستمر، مع ظروف جوية قاسية، ما ينذر بانعكاسات مستقبلية على وضعهم الصحي والنفسي ربما سيحتاجون إلى سنوات لتجاوزها.
واقع صحي مأساوي
المتحدث باسم وزارة الصحة في قطاع غزة أشرف القدرة، أكد أن الأرقام المتعلقة بالإعاقات في صفوف الأطفال جراء الحرب تحتاج إلى وقت لرصدها، كون الإصابات يومية، ومتواصلة، كما أن الوضع الميداني يصعب عملية إحصاء الإصابات.
وأضاف: "الكثير من الإصابات تعتبر معقدة طبياً، وقد تؤدي إلى بتر فيما بعد، لذلك نقرر الإعاقة بعد استكمال كل التدخلات العلاجية والطبية الممكنة، وهذا الأمر يحتاج إلى وقت، ولكن الأعداد ربما ستكون كبيرة".
وتابع القدرة: "تبلغ نسبة الجرحى الكلية في قطاع غزة 67 ألف جريح، منهم 7000 جريح، وضعهم حرج وخطير، ومنهم ما نسبته 42% من الأطفال، أي ما يقارب 3000 طفل بحاجة إلى الخروج بصورة عاجلة للعلاج بالخارج".
وأضاف: "يبلغ عدد الأطفال من النسبة الكلية للنازحين 900 ألف طفل، مناعتهم هشة وضعيفة وهم الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض الموسمية والمعدية، وتم تسجيل 200 ألف حالة إسهال في صفوف الأطفال، وحوالي 700 ألف إصابة بالأمراض المعدية، حتى الأطفال الذي لم يولدوا يواجهون الخطر حيث أن لدينا 60 ألف سيدة حامل يعشن ظروفًا صعبة ومأساوية".
وأشار القدرة، إلى أن هناك ما يقارب 350 ألفاً ممن يعانون أمراضاً مزمنة، ومناعتهم هشة ومنهم مئات الأطفال، كما أن هناك 10 آلاف مريض سرطان في قطاع غزة بينهم أطفال.
17 ألف طفل دون ذويهم
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن 12 ألف طفل لقوا مصرعهم منذ السابع من أكتوبر، كما أن هناك 7000 مفقود في القطاع 70% منهم من الأطفال والنساء، بينما يعيش الأطفال ظروفاً مأساوية في مراكز الإيواء، في ظل الظروف الجوية الباردة، وانعدام مقومات الحياة كافة.
وحذَّر المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، من خطورة الوضع مع استمرار الحرب، وانعكاساتها. وقال: "آلاف الأطفال يعيشون ظروفًا إنسانية مأساوية بسبب الحرب، منهم من فقدوا أطرافهم، ومنهم من يعانون أمراضاً مزمنة".
وأضاف الثوابتة: "يعيش قرابة 17 ألف طفل في قطاع غزة بدون ذويهم منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، فمنهم من استشهد والديه أو أحدهما، ومنهم من اعتقل والديه أو أحدهما، ومنهم من لا يزال والداه أو أحدهما في عداد المفقودين، إما تحت الأنقاض، أو أن مصيرهم ما زال مجهولاً نتيجة العدوان المتواصل".
صدمات مستمرة منذ 120 يوماً
الخبير النفسي الدكتور محمد مرعي، شدد على أن ما يتعرض له الأطفال في قطاع غزة، "إبادة جماعية" بطرق مباشرة بالقصف المتواصل، أو بطرق غير مباشرة؛ بسبب الظروف المروعة والمأساوية، حيث يواجه الأطفال الموت أكثر من مرة.
وتابع: "الأطفال في غزة يعيشون صدمات مستمرة يوميا منذ 120 يوماً، لذلك فإن التأثيرات والأبعاد لهذه الصدمات تحتاج إلى وقت لكي يُقَاس مدى تأثيرها فيهم، ويمكن القول إن قطاع غزة سيكون بحاجة إلى تدخل نفسي عاجل بعد الحرب".
ويشير الخبير النفسي إلى دور مؤثر للأمراض النفسية على إصابة الأطفال بأمراض عضوية. وقال: "ما يمكن تأكيده أن ردة الفعل تختلف من طفل إلى آخر، فبعض الأطفال تنعكس عليهم هذه الصدمات في صورة أمراض كالسرطان والسكري والضغط، ومن الممكن أن تنعكس على آخرين بأمراض نفسية وسلوكية اجتماعية، ومن الممكن أن ينجوا بعضهم منها، وكل ذلك يعتمد على الطفل والظروف التي عايشها وصلابته النفسية، لكن الجميع في غزة بحاجة إلى دعم نفسي بكل تأكيد".
مليون طفل بحاجة إلى دعم النفسي
من جهته أكد عمار عمار المتحدث الإقليمي باسم اليونيسف، أن المنظمة تعمل مع شركائها لدعم الأطفال في قطاع غزة نفسياً، لكن ذلك ليس كافياً بسبب استمرار القصف منذ 4 أشهر.
وقال: "لا يمكننا أن نزيد عملياتنا، وأن نقدم الخدمات اللازمة لهؤلاء الأطفال الذين يعيشون واقعاً مأساوياً، بدون وقف إطلاق نار إنساني فوري؛ فلا يمكن لأي شخص في قطاع غزة أن يتمتع بالصحة النفسية دون الشعور بالأمان، والحصول على الخدمات الأساسية".
وأوضح أن الأرقام المتعلقة بالأطفال "مأساوية"، فهناك 335 ألف طفل دون الخامسة معرضون لسوء التغذية الحاد، كما أن الأطفال النازحين إلى جنوب قطاع غزة "لا يحصلون على أكثر من 2% في اليوم من المياه الصالحة للشرب، وهذا أقل بكثير من الكميات الموصى بها للبقاء على الحياة".
وشدد عمار، على أن كل المعطيات التي ترد، والتقارير، والمتابعات للوضع الإنساني تؤكد أن قطاع غزة هو "أخطر مكان على حياة الأطفال في العالم".
وأضاف: "تشير تقديراتنا إلى أن جميع الأطفال في قطاع غزة تقريباً يحتاجون إلى الخدمات النفسية، أي أننا نتحدث عن أكثر من مليون طفل، وقبل هذه الحرب كانت تقديراتنا تشير إلى أن أكثر من 500 ألف طفل يحتاجون إلى خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي في قطاع غزة، وبسبب الحرب النسبة ارتفعت لتشمل جميع الأطفال".