توفي السياسي والمقاوم المغربي محمد بن سعيد آيت يدر، الثلاثاء، في المستشفى العسكري بالرباط، عن عمر ناهز 99 عاماً.
كان آيت إيدر أحد رموز المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي، وشارك في جيش التحرير المغربي، وبعد الاستقلال عارض النظام في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وصدر بحقه حكم غيابي بالإعدام بعدما انتقل إلى الخارج، قبل أن يعود لتأسيس تجربة سياسية جديدة من خلال منظمة العمل الديمقراطي.
"مقاوم ومناضل استثنائي"
ولد الراحل عام 1925 في قرية تيمنصور بمنطقة اشتوكة آيت باها، وتلقى تعليمه في مدرسة ابن يوسف بمراكش، قبل أن يبدأ الانخراط في "الحركة الوطنية من أجل الاستقلال"، ويصبح قائداً لجيش التحرير في جنوب البلاد.
يقول المؤرخ السياسي المغربي محمد جبرون، إن الراحل يعد "من رموز الحركة الوطنية، والكفاح المسلح ضد المستعمر، وهو من القادة ورجال التحرير المغربي"، مشيراً إلى أن آيت يدر التحق بجيش التحرير بعدما اقتنع المغاربة أنهم مضطرون لخوض الكفاح المسلح لإنهاء الاحتلال والحصول على الاستقلال.
وأضاف جبرون لـ"الشرق"، أن هذه المرحلة "مهمة جداً في حياة الراحل"، إذ يعد أحد الذين واجهوا الاستعمار في منطقة الصحراء، وكانت له أدوار في تحرير بعض المناطق في الصحراء خاصة ناحية ايت با عمران، لافتاً إلى أن حضوره البارز في المنطقة وشهادته "يستنار بها في ما يتعلق بمصير الصحراء المغربية".
من جانبها، تقول النائبة البرلمانية والأمينة العامة السابقة لحزب "الاشتراكي الموحد" نبيلة منيب، إن المغرب "خسر بوفاته رجلاً من أكبر قامات النضال في البلاد منذ بداية القرن الماضي"، مضيفة لـ"الشرق"، أن الرجل ناضل ضد الاستعمار، وكذلك ظل بعد الاستقلال يناضل من أجل بناء المغرب الديمقراطي ودولة القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية والمواطنة والمساواة.
ما بعد الاستقلال
تعرض آيت إيدر للاعتقال في فترة ما بعد الاستقلال في ستينيات القرن الماضي، بسبب مواقفه المناهضة للسلطة، قبل أن يلجأ إلى الجزائر، ومنها إلى فرنسا، وعاد إلى المغرب بداية الثمانينيات ليعمل على تأسيس منظمات سياسية يسارية، منها حزب "منظمة العمل الديمقراطي الشعبي"، التي انتخب أميناً عاماً لها، وباسمها انتخب نائباً في البرلمان عن منطقة شتوكة آيت باها عام 1983.
وعُرف الراحل بمواقفه القوية في البرلمان، إذ كان أول من أثار النقاش من داخل البرلمان بشأن معتقل تازمامارت الشهير، أحد أفظع السجون السرية خلال ما عرف بـ"سنوات الرصاص".
كما ساهم في تأسيس "الكتلة الديمقراطية" عام 1992، التي ضمت عدداً من الأحزاب السياسية الوطنية، منها "الاستقلال"، و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" و"التقدم والاشتراكية"، بهدف "توحيد جهود النضال من أجل الإصلاح".
وفي 2002، ساهم آيت يدر في تأسيس حزب "اليسار الاشتراكي الموحد"، لكنه لم يتحمل أي مسؤولية سياسية، وكان يعتبر مرجعاً سياسياً وأخلاقياً لرفاقه في اليسار الديمقراطي.
وبالرغم من تقدمه في السن، ظل يدعم ويشارك في مختلف الحركات المطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، كحركة 20 فبراير، وحراك الريف وغيرها.
تصف النائبة البرلمانية والأمينة العامة السابقة لحزب "الاشتراكي الموحد" نبيلة منيب، آيت يدر بأنه كان "مناضلاً شهماً متواضعاً، يعيش بزهد وإيمان عميق، وقد كان صادقاً في حبه لوطنه وشعبه، ملتزماً بنصرة كل القضايا العادلة عبر العالم، على رأسها القضية الفلسطينية".
حلم الوحدة المغاربية
خلال لجوئه أقام الراحل علاقات قوية مع عدد من القيادات في الجزائر وتونس، وحاول استغلال قربه منها في محطات لاحقة لتجسير الهوة، في أفق بناء الاتحاد المغاربي.
غير أن هذه المحاولات لم تكلل بالنجاح، بالرغم من "إيمانه القوي" بإمكانية قيام المغرب الكبير، كما تقول نبيلة منيب.
ويقول المؤرخ السياسي محمد جبرون، إن آيت يدر مال بعد الاستقلال إلى الجناح التقدمي اليساري في حزب الاستقلال، الذي شكل "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، وقد كان ممن اقتنعوا بالثورة المسلحة والكفاح الثوري لتغيير النظام، في سياق إقليمي مضطرب.
لكن خيار الكفاح المسلح انتكس، ليجد آيت يدر نفسه منفياً خارج المغرب، قبل أن يعود بداية الثمانينيات التي عرفت انفراجاً سياساً في المملكة، ويبدأ العمل السياسي من داخل المؤسسات.
تقول منيب، وهي أول امرأة ترأس حزباً مغربياً: "نحن مدينون له بكل ما تعلمناه من صبر وثبات على الموقف، ومن إخلاص لوطننا وشعبنا، وضرورة الربط بين الأخلاق وممارسة السياسة، خدمة للقضايا العادلة"، فيما يعتبر جبرون أن الراحل يعد "نموذجاً ملهماً للشباب بمساره السياسي النزيه"، مؤكداً أن الرجل ظل معروفاً بنزاهته ومواقفه الواضحة والقوية.
كرم الملك محمد السادس آيت يدر عام 2015، تقديراً له على ما قدمه من خدمات للبلاد، ومنحه وسام العرش.