تنطلق خلال ساعات، الخميس، قمة افتراضية بدعوة من الرئيس الأميركي جو بايدن، وبمشاركة 40 من قادة دول العالم لبحث "التغير المناخي" في كوكب الأرض وسبل مواجهة آثار ذلك التغير.
وتستمر القمة التي تعد امتداداً للجهود العالمية لمواجهة تحديات التغير المناخي والتقليل من آثاره، على مدار يومين.
القمة تأتي في وقت أصبح فيه "مواجهة التغير المناخي"، هاجساً عالمياً، ما دفع الحكومات والمنظمات الدولية إلى إطلاق العديد من المبادرات الساعية إلى التقليل من آثار ما يعانيه العالم في السنوات الأخيرة.
وتشير تقارير المنظمات البيئية إلى أن الأرض فقدت في العقود الثلاثة الماضية، 420 مليون هكتار من الغابات، أي ما يُعادل مساحة الجزائر والسودان سوياً (4 ملايين و200 ألف كيلو متر مربع)، أما الأسباب، فتعود إلى التوسع البشري الزراعي والصناعي والعمراني، والذي أدى إلى تفاقم أزمة التغير المناخي، ومن ثم فقدان المزيد من الغطاء النباتي.
وفي ضوء هذه المخاطر البيئية، انصبت أنظار العالم نحو ضرورة التحرك سريعاً، للحفاظ على الغابات وزراعة ملايين الأشجار، ليس من أجل امتصاص الانبعاثات الكربونية الهائلة فحسب، بل أيضاً لحماية التنوع الأحيائي والنظام البيئي بأكمله.
ونتيجة لهذه الجهود والمبادرات العالمية انخفض معدل إزالة الغابات من (16 مليون هكتار) سنوياً في التسعينيات إلى 10 ملايين هكتار سنوياً بين عامي 2015 و2020. ولا تزال الجهود مستمرة حتى يومنا هذا، مستهدفة تقليص المساحة المفقودة وتشجير ملايين الهكتارات.
"الشرق الأوسط الأخضر"
تُعد مبادرتا "الشرق الأوسط الأخضر" و"السعودية الخضراء"، اللتين أطلقتها المملكة، من أحدث المبادرات الهادفة لحماية الغطاء الشجري، ففي الـ27 من مارس الماضي، أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن المبادرتين، بهدف المساهمة في جهود مكافحة التغير المناخي في الشرق الأوسط، من خلال رفع الغطاء النباتي، وتقليل انبعاث الكربون، ومكافحة التلوث وتدهور الأراضي.
وتتضمن مبادرة "السعودية الخضراء"، زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة، بما يعادل إعادة تأهيل نحو 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، ما يعني زيادة في المساحة المغطاة بالأشجار الحالية إلى 12 ضعفاً، حيث تتمثل مساهمة المملكة بأكثر من 4% في تحقيق مستهدفات المبادرة العالمية للحد من تدهور الأراضي والموائل الفطرية، و1% من المستهدف العالمي لزراعة تريليون شجرة.
وتستهدف مبادرة "الشرق الأوسط الأخضر"، زراعة 40 مليار شجرة إضافية في الشرق الأوسط، بمجموع 50 مليون شجرة، وهو أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم.
سيعمل هذا المشروع على استعادة مساحة تعادل (200 مليون) هكتار من الأراضي المتدهورة، ما يُمثل (5%) من الهدف العالمي لزراعة (1 تريليون) شجرة، ويحقق تخفيضا بنسبة (2.5%) من معدلات الكربون العالمية، كما ستعمل المملكة على نقل المعرفة ومشاركة الخبرات مع دول الشرق الأوسط، الأمر الذي سيسهم في تخفيض انبعاثات الكربون الناتجة عن إنتاج النفط في المنطقة بأكثر من 60%، وتخفيض الانبعاثات الكربونية بما نسبته أكثر من 10% من المساهمات العالمية.
وفي حديث لـ"الشرق"، قال الدكتور إيهاب عيد، الخبير في حفظ التنوع الحيوي، إن لمبادرة المملكة وغيرها من الجهود العالمية أهمية كبرى في حماية التنوع الحيوي، لأن الأشجار تعتبر من "الأنواع المؤسسة" بمعنى أنها تهيئ المناخ المناسب، والمسكن، وموقع التغذية، للعديد من الأنواع الأخرى. وأضاف"تلعب الأشجار أيضاً دوراً مهماً في عملية التمثيل الضوئي و(النتح)، لتنظيم غازات الجو وترطيب المحيط وحفظ الكربون.
وأشار عيد إلى أن "الأشجار تعتبر مستودعات للكربون، ما يُسهم في حفظ الأرض من تأثيرات التغير المناخي، وكذلك تساعد في حفظ الكربون من خلال تثبيت التربة، فضلاً عن تعزيز نسبة امتصاص الأرض للمياه ما يعمل على تغذية الخزانات الجوفية".
"السور الأخضر العظيم"
الاتحاد الإفريقي أطلق في عام 2007، مبادرة "السور الأخضر العظيم"، للقضاء على التصحر والفقر والجوع، وتغيير حياة ملايين البشر من الذين يعيشون في منطقة الساحل الإفريقي.
وتنفذ المبادرة في 11 دولة، ومن المنتظر بحلول عام 2030 استصلاح 100 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة حالياً، واحتجاز 250 مليون طن من الكربون، وخلق ما لا يقل عن 350 ألف فرصة عمل في المناطق الريفية. ويمتد السور على مساحة 7.775 ألف كيلو متر مربع، بامتداد القارة الإفريقية بأكملها من السنغال إلى جيبوتي.
وتهدف المبادرة إلى أكثر من مجرد زراعة الأشجار، إذ تنطوي أهدافها أيضاً على تعزيز قدرة التكيف مع تغير المناخ، وضمان الأمن الغذائي لـ 20 مليون نسمة في منطقة الساحل الإفريقي، والذين يعانون من الجوع سنوياً. كما تهدف إلى زيادة الوظائف "الخضراء"، لتوفير دخل مستقر للشباب والنساء في القارة السمراء، وزيادة الاستجابة العالمية لأزمة الهجرة.
"تحدي بون" لاستعادة 350 مليون هكتار
في الثاني من سبتمبر عام 2011، أطلقت ألمانيا والاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، "تحدي بون" في مدينة تحمل الاسم ذاته، وذلك بالتعاون مع الشراكة العالمية بشأن استعادة الغابات والمناظر الطبيعية، وذلك بغية تحقيق الأهداف المتعلقة باتفاقيات "ريو"، والنتائج الأخرى لقمة الأرض عام 1992.
واستهدف التحدي استعادة 150 مليون هكتار من أراضي العالم المتدهورة، بحلول عام 2020، واستعادة 350 مليون هكتار بحلول عام 2030.
وتعهد المشاركون في التحدي منذ عام 2013، بزراعة أكثر من 20 مليون هكتار من الأراضي، في دول مثل البرازيل وكوستاريكا والسلفادور ورواندا والولايات المتحدة. كما شاركت دول أخرى في التحدي مثل كوريا الجنوبية وكوستاريكا وباكستان والصين ورواندا والبرازيل، وغيرها.
يُقدر الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية، أن يخلق "تحدي بون" ما يقارب 84 مليار دولار سنوياً، في صافي الفوائد التي يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي على فرص الدخل للمجتمعات الريفية. ومن المرجح أيضاً، تقليل فجوة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الحالية بنسبة من 11 إلى 17% خلال مواجهة التحدي.
مبادرات هندية تحطم الأرقام القياسية
بعد عام من توقيع الهند "اتفاقية باريس للمناخ" عام 2015، سجلت ولاية أوتار براديش الهندية رقماً عالمياً قياسياً في زراعة الأشجار خلال يوليو 2016، حيث قام 800 ألف متطوع بزراعة 50 مليون شجرة في يوم واحد، وكسرت الولاية الرقم القياسي في العام التالي، من خلال زراعة 66 مليون شتلة في 12 ساعة فقط. وخلال العام الماضي قام أكثر من مليوني متطوع بزراعة 250 مليون شتلة وزعها المسؤولون في الولاية.
وتهدف الهند إلى زيادة الغطاء الشجري، بحيث يبلغ 235 مليون فدان بحلول عام 2030، وذلك التزاماً بما تعهدت به في باريس عام 2016.
إثيوبيا والمنافسة الخضراء
وانضمت إثيوبيا إلى خط المنافسة في عام 2019، بعد أن انخفض غطاء غاباتها من 35% في أوائل القرن العشرين إلى حوالي 4% فقط في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأطلقت الحكومة مبادرة التراث الأخضر، وأعلنت زراعة أكثر من 350 مليون شتلة في 12 ساعة، شارك فيها 23 مليون متطوع، في ألف موقع بجميع أنحاء البلاد. كما أعلنت إثيوبيا في وقت لاحق، زارعة 4 مليارات شجرة.
10 ملايين شجرة برية في سلطنة عمان
أطلقت وزارة البيئة والشؤون المناخية العمانية، بالتعاون مع شركة "تنمية نفط عُمان"، مبادرة استزراع 10 ملايين شجرة من النباتات البرية العمانية في الـ8 من يناير الماضي، بالتزامن مع يوم البيئة العماني، تحت شعار “مجتمع متعاون لبيئة مستدامة”، وذلك تأكيداً لأهمية المحافظة على النباتات البرية وزيادة الرقعة الخضراء ومكافحة التصحر.
وجاء ذلك بعد نجاح مبادرة "أشجار" التي أطلقتها عُمان عام 2016. وتهدف المبادرة إلى زيادة وتحسين الغطاء النباتي في المناطق الطبيعية الرعوية والمتدهورة، وزيادة مخزونات الكربون، ورفع الوعي بأهمية زيادة المساحة الخضراء وفوائدها على البيئة والمجتمع، ومساهمة جميع شرائح المجتمع في المحافظة على البيئة الطبيعية، وإمكانية الاستفادة اقتصادياً من بعض الأنواع النباتية. كما تهدف إلى تفعيل مشاركة المجتمع في الحفاظ على النباتات البرية والتنوع النباتي، وذلك ضمن رؤية المبادرة التي تستمر على مدى 10 سنوات حتى عام 2030.
وتشمل الخطة زراعة تلك الأشجار بمعدل مليون شجرة سنوياً، بحيث يتم التركيز على زراعة معظم الأشجار البرية المعروفة في السلطنة، ومنها الغاف والسمر والسدر والشوع والطيق والطلح والميطان والصبار والسرح والعلعلان، وغيرها، وذلك حسب البيئات والمناخ المناسب لزراعتها.
الإمارات تستهدف غرس مليار شجرة
أطلقت مجموعة "ستوري" في الإمارات مبادرة لتشجيع الشركات ومختلف شرائح المجتمع في الدولة على التعاون والمساعدة في زراعة مليار شجرة، في مختلف أنحاء العالم بحلول عام 2026، في إطار مشروع يهدف لتحقيق نقلة نوعية، والمساعدة في تخفيض انبعاثات الكربون في الدولة.
وتشاركت مجموعة "ستوري" مع "إيكو ماتشر"، المؤسسة الأولى عالمياً في زراعة الأشجار بالاستعانة بتقنية "بلوك تشين"، وذلك لإطلاق مبادرة غرس مليار شجرة، بهدف إزالة 250 مليار كيلو جرام من انبعاثات الكربون خلال 10 سنوات من إتمامها.
وتتيح المبادرة للمساهمين بشراء الأشجار لأنفسهم أو إهدائها لغيرهم، بحيث تسهم كل شجرة في تصفية 25 كيلوغراماً من انبعاثات الكربون سنوياً. كما يمكنهم المساهمة في زراعة غابة من 1000 شجرة أو أكثر.
وستتم زراعة هذه الأشجار في مواقع مختلفة ضمن 9 دول حول العالم وهي: غواتيمالا وبيرو وأوغندا والإمارات والهند ونيبال وتايلاند وإندونيسيا والفلبين، إلى جانب دول أخرى ستضمها المبادرة بحلول نهاية العام الجاري، عبر شراكات مع 20 منظمة غير حكومية تُعنى بزراعة الأشجار.
ويمكن للمساهمين تتبّع أداء أشجارهم عبر تطبيق الهاتف المحمول، باستخدام معرّف الموقع الجغرافي الخاص بكل شجرة، كما يمكنهم الاطلاع على قصة كل شجرة ونوعها وتاريخ زراعتها والمُزارع الذي يعتني بها وغيرها من المعلومات، حتى إن بإمكانهم أيضاً استخدام التطبيق للتفاعل مع الأشجار، وتتبّع تأثيرها على خفض انبعاثات الكربون عبر لوحة تحكم سهلة الاستخدام.
Team Trees.. مبادرة عالمية غير حكومية
على عكس المشروعات الوطنية، انطلق في الـ23 من أكتوبر عام 2019، تحدٍّ على مستوى الأفراد، في جميع أنحاء العالم، لزراعة 20 مليون شجرة بحلول عام 2020 بكافة القارات، وضمان بقائهم على قيد الحياة، وذلك بالتعاون مع بعض أشهر مستخدمي "يوتيوب"، ويعتمد المشروع على التمويل الجماعي وجمع الملايين من المشاهدين الافتراضيين.
وبعد مرور عام على إطلاق المشروع، احتفل الفريق بأنهم تمكنوا من التغلب على التحديات الناجمة عن أزمة فيروس كورونا وحرائق الغابات الهائلة، إذ نجحوا في زراعة 4.6 مليون شجرة، في العام الأول من المشروع.
Tree Neation.. زراعة 8 ملايين شجرة
وهي منظمة غير ربحية تأسست عام 2006، وتسمح للمواطنين والشركات بزراعة الأشجار في جميع أنحاء العالم، وتعويض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لتقديم حل تقني لإزالة الغابات المسؤولة عن نحو 17% من جميع انبعاثات تغير المناخ، عبر استخدام التكنولوجيا، وذلك لتسهيل زراعة الأشجار، وتقديم الدعم والمشورة والحلول للمواطنين والشركات، لمساعدتهم على الانتقال نحو مستقبل مستدام.
وفي 2007 أصبحت المنظمة شريكاً رسمياً للأمم المتحدة في مجال البيئة، حيث نفذت حتى الآن 90 مشروعاً للتشجير، ونجحت في زراعة أكثر من 8 ملايين شجرة، وإطلاق أكثر من 5500 حملة في 6 قارات.
وفي حديث لـ"الشرق"، قال خالد سليمان، الباحث العراقي في مجال تغير المناخ، إن استعادة البيئات الرطبة من أبرز الحلول المقترحة لمواجهة تغير المناخ، مضيفاً أن "التشجير لا يمتص فقط ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة فحسب، لكنه يساعد أيضاً على استعادة التنوع الأحيائي لأن المناطق التي تتعرض للتصحر وإزالة الغابات تفقد في الوقت ذاته الكائنات والحياة البرية".
وأشار سليمان، وهو مؤلف كتاب "حراس المياه"، إلى أن نسبة الغابات البكر التي لم يطاولها النشاط البشري تقلصت حتى وصلت إلى 3% فقط، وفق أحدث الإحصاءات، وتابع "العالم يفقد كل سنة مساحات هائلة من الأشجار والغابات من أجل مزيد من العمران والنشاط البشري والصناعة، وعلينا أن نواجه ذلك بالتشجير وزراعة ملايين الأشجار".