بعدما تناولت الحلقة الأولى من "حرب الناقلات" في الخليج خلال الحرب العراقية -الايرانية، وساطة الرئيس السوري حافظ الأسد بين الرياض وطهران، والحلقة الثانية احتدام "حرب الناقلات" ورد فعل الرئيس صدام حسين، تتناول الحلقة الثالثة اختراق إيران للحدود العراقية، ومضمون مداولات وزير الخارجية السعودية الراحل الأمير سعود الفيصل في دمشق، وكذلك فحوى رسالة سعودية نُقلت إلى العاصمة السورية حول تآمر الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي وزعيم "فتح-المجلس الثوري" صبري البنا (أبو نضال) مع إيران لاستهداف منشآت أميركية في السعودية، ورسالة الرئيس الأسد إلى الرياض وقوله: "قواتنا في خدمتكم".
أما الحلقة الرابعة، فتتناول غضب السعودية من قصف إيران لناقلاتها وتلويحها بالرد، واقتراح دمشق هدنة لستة أشهر لمنع اتساع الحرب، فماذا قال خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز؟ وماذا أبلغ الرئيس الأسد "المرشد" الايراني علي خامنئي؟ وكيف ردّ الأخير؟
في السابع من أبريل 1986، وصل رفيق الحريري ثانية إلى دمشق والتقى نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام، وقال: "طلب إلي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد التوجه إلى دمشق واللقاء بك وعرض موضوع ضرب سفينة سعودية منذ أيام من قبل الطيران الإيراني، وأن جلالة الملك يتساءل: ماذا يريد الإيرانيون؟ هل يريدون حربا ضد السعودية؟ هل يريدون جلب الأميركيين ووجودا أميركيا وتدخلا أميركيا؟ السعودية لا تريد حربا مع إيران، ولا تريد تدخلا أميركيا ولا غير أميركي، لماذا يفعلون ذلك؟ وذلك يتعارض مع قولهم لسوريا إنهم ضد توسيع حرب الخليج، ومع تحسين العلاقات مع دوله، لاسيما مع السعودية، علما أن الباخرة مملوكة لسعوديين وترفع العلم السعودي".
بعدما سمع خدام الرسالة، عرضها على الرئيس حافظ الأسد، الذي أبلغ نائبه بالرسالة الآتية: "بالنسبة لموضوع ضرب السفينة السعودية، فقد أزعجنا الحادث وأقلقنا ونشارك السعودية قلقها، وهذا الأمر لا يتفق مع ما قاله لنا الإيرانيون، سنوجه رسالة إلى طهران نبدي فيها وجهة نظرنا ونسألها عن أسباب مثل هذه العملية التي تناقض الالتزام لنا بعدم توسيع رقعة الحرب وبالرغبة في تطوير وتحسين العلاقات مع دول الخليج وخاصة السـعودية".
وفي 4 مايو 1986، نُقلت رسالة أخرى من السعودية للأسد تضمنت التعبير عن "الشعور بقلق كبير إزاء استمرار إيران في تعرضها لسفن سعودية رغم إعلان إيران عن عدم رغبتها في توسيع حرب الخليج ورغم تعهدها بذلك لسوريا"، قائلة إن الرياض لا تريد "الاصطدام مع إيران أو توسيع رقعة الحرب، إلا أنها أيضا لا تستطيع الصبر على استمرار الاعتداءات على البواخر السعودية، لذلك فإنها مضطرة لإعطاء أوامر للطيران السعودي بقصف طهران فيما إذا وقع اعتداء جديد".
وتضمنت الرسالة مع التهديد صراحة بضرب طهران، طلبا من الأسد بأن يحسم أمره ويعلن أنه سيقف مع السعودية. وجاء فيها: "يساعد في إيجاد حل لهذا الموضوع، وفي حال استمرار إيران في اعتداءاتها على البواخر السعودية نتمنى أن تتخذ سوريا موقفا واضحا من ذلك، (أن تقف مع السعودية ضد إيران) سيما وأن السيد الرئيس سبق وأن أبلغ الملك مرارا أن سوريا ضد توسيع الحرب وضد أي اعتداء على السعودية وعلى بلدان الخليج".
كرر خدام مواقف سوريا السابقة من أن سوريا ضد توسيع الحرب وضد أي اعتداء يقع على أي بلد خليجي، كما أبلغه بأنه "سبق أن وجهنا رسالة إلى القيادة الإيرانية، وكان هذا الموضوع من المواضيع التي بحثها وزير الخارجية السوري في طهران خلال مروره فيها إلى دلهي لحضور مؤتمر عدم الانحياز".
الملك فهد يخبر الأسد بأنه لا يستطيع الصبر على اعتداءات إيران على السفن السعودية، لذلك فإنه "مضطر لإعطاء أوامر للطيران السعودي بالرد"
بعد عرض الأمر على الأسد "أبدى انزعاجا كبيرا من الموقف الإيراني"، وطلب إلى وزير الخارجية توجيه رسالة إلى وزير خارجية إيران علي أكبر ولايتي، هذا نصها: "أرسل الملك فهد رسالة للسيد الرئيس حول قصف الباخرة السعودية مؤخرا، تقول: إن الملك فهد يشعر بقلق كبير إزاء استمرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقصف البواخر السعودية رغم إعلان إيران عن عدم رغبتها في توسيع حرب الخليج وتعهدها بذلك لسوريا. وإن الملك لا يرغب في الاصطدام مع إيران، ولا يرغب في توسيع رقعة الحرب، إلا أنه لا يستطيع الصبر على استمرار الاعتداءات على السفن السعودية، لذلك فإنه مضطر لإعطاء أوامر للطيران السعودي بالرد إذا وقع اعتداء جديد، وأن الملك يطلب من السيد الرئيس أن يساعد في إيجاد حل لهذا الموضوع، وفي حال استمرار الاعتداءات على البواخر السعودية يطلب أن تتخذ سوريا موقفا واضحا من ذلك، لاسيما وأن سوريا سبق أن أبلغت السعودية مرارا بأنها ضد توسيع الحرب وضد الاعتداء على السعودية ودول الخليج.
أيضا في الشهر الماضي حصل ضرب لإحدى البواخر السعودية وكان الملك فهد قد بعث برسالة للسيد الرئيس ونقلت (الشرع) مضمون الرسالة عندما كنت في طهران للدكتور ولايتي. الآن تكرر هذا العمل ونأمل من حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تجد حلا لهذا الموضوع، وبخاصة فإن عدم حل هذا الموضوع سيضيف مشاكل جديدة أنتم ونحن في غنى عنها، كما أن صدام (حسين) سوف يستفيد من ذلك بتوتير الأجواء في منطقة الخليج لتوسيع رقعة الحرب وتوريط الدول العربية في هذه الحرب، نحن في سوريا نعتقد أنه ليس من مصلحتنا كبلدين صديقين أن نهيئ المناخ المناسب للنظام العراقي، لذلك نرجو أن تتم معالجة هذا الموضوع وإعلامنا رأي القيادة الإيرانية وموقفها الدقيق حتى نتمكن من إبلاغ الملك فهد بالموقف الصحيح، وأرجو نقل تحياتي للدكتور ولايتي. ونأمل وصول جواب واضح، لأننا أيضا حريصون على معرفة موقف القيادة الإيرانية إذا كانت هناك مصلحة لضرب السفن السعودية فيجب أن تخبرونا بذلك وإذا لم تكن هناك مصلحة فيجب وقف ضرب السفن السعودية".
التاريخ علمنا أن المشكلة تبدأ صغيرة ثم تكبر وتكبر حتى يستعصي حلها، ولدينا أمثلة عديدة
مسؤول سعودي
إثر ازدياد التوترات بين المملكة العربية السعودية وإيران واحتمال توسع رقعة الحرب والتدخل الأجنبي، قرر الرئيس حافظ الأسد إيفاد وزير الخارجية فاروق الشرع إلى طهران لنقل رسالة إلى الرئيس علي خامنئي.
وبتاريخ 12 مايو 1986 استقبل الرئيس الإيراني خامنئي الوزير السوري، وتسلم رسالة من الرئيس حافظ الأسد "حول التوترات مع السعودية وقلق سوريا من استمرار هذه التوترات واحتمال تطورها وتدخل عناصر أجنبية في هذه الأزمة مما يزيد من الضغوط على إيران، كما أن تصاعد التوترات قد يؤدي إلى توسيع دائرة الحرب، وهذا ما يسعى إليه صدام حسين. وبعد نقاش طويل عرض فيه وزير الخارجية السوري وجهة نظر سوريا وأسباب قلقها، أعطى الرئيس الإيراني موقفا فهم منه الوزير السوري موافقة إيران على وقف التعرض لناقلات النفط السعودية والكويتية".
الشرع في السعودية بعد لقاء خامنئي
في 14 مايو 1986، زار وزير الخارجية السوري فاروق الشرع السعودية لإبلاغها بنتائج زيارته إلى طهران. وكان موقف الرياض: "نحن لا نريد أن نثير مشكلة، ولا الاحتجاج لمجلس الأمن ولا للجامعة العربية، ولا نريد إزعاج أحد بمشاكلنا غير سوريا لأن مصيرنا ومصيركم واحد، نحن سكتنا لأن بالإمكان حماية بواخرنا، ولكن قلنا نحاول بالعقل حتى آخر نقطة، ولهذا توجهنا للإخوة في سوريا حتى نضعهم في الصورة لعل وعسى أن يفهم الإخوة في إيران أن هذا العمل لن يفيد بشيء بل سيدخلنا في مشكلة كبيرة ولا أحد يضمن أن لا تتدخل فيها الدول الكبرى، لهذا صبرنا وسكتنا واعتمدنا على جهود سوريا".
وأعرب الجانب السعودي عن "الامتنان لجهود الأسد واهتمامه الكبير وهو يدرك أن السعودية تميل إلى عدم إثارة المشاكل لأن التاريخ علمنا أن المشكلة تبدأ صغيرة ثم تكبر وتكبر حتى يستعصي حلها، ولدينا أمثلة عديدة في إفريقيا وأميركا اللاتينية، لذلك اخترنا طريق المحبين لنا وفي مقدمتهم سوريا... قلنا الذي حصل حصل والضرر الذي وقع قد وقع ونحن لا نريد مشكلة جديدة نضيفها إلى مشاكل العرب الكثيرة".
من جهته، قال الشرع إن رسالة الأسد لطهران "تضمنت تذكيرا للقيادة الإيرانية بما كانت تؤكده لنا دوما بأن إيران ترغب في إقامة علاقات حسن جوار وصداقة مع دول الخليج وخاصة مع المملكة وأنها ملتزمة بعدم توسيع الحرب".
الرئيس الإيراني أكد أن طهران مهتمة بإقامة علاقات حسن جوار وتفاهم مع السعودية بشكل خاص ودول الخليج بشكل عام
وزير الخارجية السوري السابق فاروق الشرع
وطلب الأسد في رسالة من القيادة الإيرانية التوقف عن ضرب السفن السعودية، لما سيلحقه ذلك من أضرار بالغة تهدد أمن واستقرار المنطقة، كما أكد الرئيس ضرورة تجاوب إيران لحل كل الخلافات إن وجدت بين إيران والمملكة بالوسائل السياسية والحوار الأخوي البنّاء وليس الأعمال العسكرية.
وقال الشرع: "أجريت في طهران محادثات طويلة وشاقة حول هذا الموضوع مع الرئيس الإيراني ورئيس الوزراء ووزير الخارجية، بهدف إقناعهم بأخطار ضرب السفن السعودية، وقد ساد هذه المباحثات في بعض مراحلها جو من التوتر بسبب إصرارنا على ضرورة وقف قصف السفن السعودية فورا وتأكيدنا أن أي اعتداء على دول الخليج العربي هو اعتداء على سوريا وأن الخلافات بين إيران والمملكة مهما كانت يجب أن لا تحل بالطرق العسكرية بل بالتفاهم والحوار".
وأضاف الشرع أن الرئيس الإيراني "أكد مجددا حرص إيران على عدم توسيع رقعة الحرب وأن إيران مهتمة بإقامة علاقات حسن جوار وتفاهم مع المملكة العربية السعودية بشكل خاص ودول الخليج بشكل عام. لكنه قال إن المملكة لم تقابل هذا الحرص بمثله، وقال إن المملكة بدأت تظهر مؤخرا مواقف معادية لإيران واعتبر أن جولة نائب الرئيس الأميركي في المنطقة وتصريحاته استهدفت تخويف إيران. مضيفا أن إيران لا تعبأ بمثل هذه التهديدات وأنها لا تخاف".
حسب محضر رسمي سوري عن لقاء الشرع وخامنئي "تحدث الرئيس الإيراني حول العلاقات السعودية- الإيرانية، والتحول الذي طرأ عليها مؤخرا، وخيبة أمل وزير خارجية المملكة وإيران في أي تحسن عملي، وأن الأقوال لم تترجم إلى أفعال. وادعى أن القيادة الإيرانية عندما أخذت بنصائح الرئيس الأسد لتحسين العلاقات مع السعودية تعرضت لانتقادات شعبية كبيرة داخل إيران. وقال الرئيس الإيراني: بالرغم من ذلك فإن إيران ما زالت على استعداد لتحسين العلاقات مع السعودية شريطة إزالة الأسباب التي تسيء للعلاقات".
وشرح الرئيس الإيراني الأسباب التي تقف في طريق تحسين العلاقات بين إيران والمملكة، وركز بشكل خاص على قيام المملكة بتقديم مساعدات حيوية لدعم المجهود الحربي للعراق، بشكل مباشر وغير مباشر. وذكر الرئيس الإيراني قيام السعودية مع الكويت ببيع 300 ألف برميل نفط يوميا لصالح العراق. وتساءل الرئيس الإيراني: "كيف يمكن لإيران أن تسكت عن مرور البواخر السعودية بأمان في الخليج وهي تعلم أن بعض هذه البواخر تنقل النفط وتبيعه لصالح العراق؟". كما ذكر الرئيس الإيراني مساعدة السعودية للعراق في خط الأنبوب الواصل إلى ينبع على البحر الأحمر والذي سيمكن العراق من تصدير نحو 600 ألف برميل يوميا. وتساءل: "هل اشتغل الخط؟".
وتحدث الجانب السعودي عن الرغبة في تحسين العلاقات لكن دون شروط تملى عليه، "أما عن موضوع مساعداتنا للعراق فهذا الأمر يمكن أن يكون صحيحا، ولكن قبل سنوات وليس الآن، وما قلناه لإيران إن هذه المساعدات كانت بسبب ما صرحوا به سابقا حول التدخل في شؤون الخليج". وقال الجانب السعودي: "لا يعقل أن تهدد إيران الخليج ونقف مكتوفي الأيدي دون مساعدة العراق".
وكان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قد زار طهران، فيما زار وزير خارجية إيران علي أكبر ولايتي الرياض.
وكان الجو إيجابيا. "ولكن المشكلة عندما تصل إلى طهران أخبار مشوهة ليست في صالح إيران. إذا كان لا بد لإيران أن تشتبك مع دول الخليج، فهذا يعني أنه لا بد من إحراج سوريا"، حسب قراءة لهذه اللقاءات. وأضاف أحد كبار المسؤولين وفق وثائق خدام: "المشكلة مع إيران أعمق، كل ما قاله الإيرانيون لكم ليس هو الشيء الرئيس... المشكلة في البترول، تريد إيران بيع النفط دون حدود وأن تحصل على أسواق السعودية". وتحدث الجانب السعودي عن تفاصيل هذا الأمر والخلاف في "أوبك".
تعهد إيراني بوقف الهجمات
وحسب وثيقة، قال الشرع: "قال خامنئي إن إيران على استعداد لإيقاف كل الأعمال الحربية في منطقة الخليج إذا توقف العراق عن ضرب السفن التي تحمل النفط الإيراني. وأضاف خامنئي: إذا تحقق ذلك فإن الخليج سيعرف الأمن والاستقرار. وقال: إن الأمن في الخليج لا يمكن تجزئته إلى منطقتين منطقة آمنة ومنطقة غير آمنة، حيث يقوم العراقيون بضرب السفن الإيرانية بينما تتوقف إيران عن ضرب السفن التي تساعد العراق. وأضاف: هذا الأمر لا يمكننا السكوت عليه، ولهذا هم مضطرون للاستمرار في ضرب البواخر التي تحمل النفط لحساب صدام، وقال إذا توقف ضرب البواخر التي تحمل النفط الإيراني فإن منطقة الخليج ستنعم بالاستقرار والأمن للجميع".
وتساءل الشرع: "ما علاقة المملكة بضرب السفن الإيرانية". أجاب خامنئي: "المملكة بمقدروها إذا أرادت أن تضغط على العراق من أجل الكف عن قصف السفن التي تحمل النفط الإيراني". ورد الجانب السعودي قائلا: "قلنا لهم من السابق يوجد خط أحمر في الخليج بيننا وبين العراق، وواضح للجميع السفن التي تأتي إلينا وتحمل نفطنا والسفن التي تذهب للعراق لتحمل نفطه، من سيمنع إيران من قصف السفن المتوجهة إلى العراق، لماذا لا يقصفون هم تلك السفن ويأتون إلينا لقصف سفننا؟ هل تعتقدون أن العراق في الوضع الموجود فيه يصغي للسعودية أو الكويت؟".
الشرع يدعو طهران إلى هدنة ستة أشهر بعدم التعرض للسفن السعودية والصبر وضبط النفس حتى يتم تفويت الفرصة على صدام
وعاد الوزير السوري للحديث قائلا: "في الحقيقة دخلت في جدل حاد معهم، وتوتر الجو ولم نصل إلى نتيجة مرضية مع هذا الإصرار الإيراني، فبادرت باقتراح من عندي وقلت للرئيس الإيراني: هل هناك إمكانية لوقف ضرب السفن السعودية لمدة ستة أشهر يحاول خلالها السيد الرئيس حافظ الأسد بذل مسـاعيه لحل الخلافات بينكم وبين المملكة في أجواء مريحة طالما أنكم تبدون حرصا على العلاقات مع المملكة؟".
علق الجانب السعودي: "بارك الله فيكم، ما طرحتموه فيه منطق وعقل، نهدأ الآن ونشوف عدم إثارة الأمور ربما ستحل المشاكل. أما متابعة حالة الحرب وأن تأتي لخنق دولة ما فماذا تنتظر من تلك الدولة أن تفعل، نأمل بدل أن تضرب السفن السعودية أن نترك المجال لما تفضلتم به، فالعاقل هو الذي يبدأ بحل المشاكل، يجب أن نبحث عن الطرق والأساليب الهادئة، في حالة القتال بين العراق وإيران لا أحد يعرف متى تنتهي".
"عندما حطت في مطاراتنا ست أو سبع طائرات إيرانية هاربة وبعضها مع ركابها أبلغنا طهران أن ترسل طيارين لاستعادتها"
مسؤول سعودي
شكر الجانب السعودي الشرع على المساعي، وأشار إلى أنها "لا تستعجل الشر، هم يعرفون عندما حطت في مطاراتنا ست أو سبع طائرات إيرانية هاربة وبعضها مع ركابها كان أول تصرف قامت به وزارة الخارجية لدينا أن استدعت القائم بالأعمال الإيراني وقالت له المملكة تسمح لطيارين إيرانيين (يفدون من إيران) بأخذ الطائرات مع ركابها دون أي ضجة، نحن لا نريد افتعال مشكلة ونعمل المستحيل حتى لا نصطدم مع أحد، على كل حال إذا ابتلينا يعني أن سوريا ابتليت".
ونقل الشرع عن خامنئي قوله: "أرجو إبلاغ السيد الرئيس حافظ الأسد بأن كل شيء قابل للحل سواء عن طريق هذا الاقتراح أو غيره من الأفكار. وأن إيران لن تغلق الباب أمام حل هذه الأمور طالما هي رغبة السيد الرئيس... أخوكم السيد الرئيس يؤكد لجلالتكم أن هم السعودية هو همنا".
مصاعب عراقية وتوقعات إيرانية
توقع الإيرانيون أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج قادرة على ممارسة الضغط على العراق وكان هذا التوقع في غير محله، وذلك أن العراق كان يواجه مصاعب في ساحات القتال واختناقات اقتصادية لم يحسبها قبل تورطه في الحرب، لذلك فقد لجأ إلى ضرب مراكز النفط في إيران والبواخر الحاملة للنفط الإيراني ظنا منه أن إيران ستتوقف، مما يدفعها إلى الرضوخ ووقف الحرب، وفي حرب كهذه الحرب كان من المتوقع أن يلجأ الجانبان إلى تدمير القوى الخاصة بالطرف الآخر العسكرية والاقتصادية والبنى التحتية، وهذا ما حدث فعلا وتعمدت إيران ضرب ناقلات النفط الخليجية لزيادة الضغط على صدام لكنها كانت مخطئة، حسب التقدير السوري. وتضمن أنه بعد هذه الجولات المكوكية، هناك فجوة بين إيران والخليج. هناك دعم خليجي للعراق ولكن هذا الدعم لا يعني قدرة الخليج على الضغط على صدام حسين من أجل وقف ضرب السفن الإيرانية. كما أن إيران متمسكة بمواقفها.
لم يمض أسبوعان على زيارة وزير خارجية سوريا فاروق الشرع إلى طهران حتى بعثت القيادة الإيرانية ممثلة في وزير خارجية إيران علي أكبر ولايتي رسالة إلى دمشق عبر السفير الإيراني في سوريا في 31 مايو 1986 هذا نصها: "بالنسبة لناقلات النفط، وكما تحدثتم سيادتكم في طهران بناء على رسالة السيد الرئيس حول قصف الناقلات في الخليج، تبين أن العراق مستمر في قصف الناقلات الإيرانية".
وتضمنت رسالة موجهة من الدكتور ولايتي إلى الشرع: "في رحلة معاليكم الأخيرة إلى طهران من أجل دراسة سبل الحيلولة دون مهاجمة ناقلات النفط والبواخر التجارية في منطقة الخليج ومن خلال موافقة مسؤولي الجمهورية الإسلامية الإيرانية المبدئية على التعامل المتوازن مع الموضوع وكذلك من خلال استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية للبحث عن طريقة للقضاء على التوتر في المنطقة، وأيضا من خلال الإعلان عن أن العراق هو السبب والمثير لكل التوترات في المنطقة، الذي يسعى إلى أهداف عدوانية من خلال ضربه لناقلات النفط الإيرانية، كان رد الملك فهد الذي أبلغ للرئيس خامنئي ضمن الرسالة الموجهة لفخامته من فخامة الرئيس حافظ الأسد، قد أوجد أرضية إيجابية وقد دعمت هذه الأرضية الإيجابية جراء بضعة أيام من الهدوء الذي ساد المنطقة، ولكن وقبل أيام قليلة علم أن الباخرة التي تحمل النفط إلى الجمهورية العربية السورية قد تعرضت للهجوم مرتين ويبدو أن الأمر قد حصل بعلم مسبق وقد أصابت صواريخ العدو هذه الناقلة".
تابع ولايتي في رسالته التي سلمت للشرع: "بما أننا كنا نرغب في إعطاء فرصة أكثر للمملكة العربية السعودية لكي تمارس الضغوط اللازمة من أجل الحيلولة دون مهاجمة البواخر، وكذلك من أجل أن يتضح مدى إمكانية السعودية على التعاون، وبما أنه قد ثبت أن نظام صدام لا يريد للهدوء أن يسود المنطقة ومع اعتقادنا أن التوتر في المنطقة هو لصالح صدام، فإن إجراءاتنا هي من أجل الدفاع عن النفس ومصالح بلدنا وإن صمتنا يستمر إلى الحد الذي لا نصبح فيه ضحية لمؤامرات العدو".
وقد أكد الوزير السوري للسفير الإيراني "الحاجة إلى الصبر وضبط النفس لأن توسيع التوتر والحرب في الخليج من أهداف صدام حسين ويجب تفويت هذه الفرصة".
هذا المحتوى من مجلة "المجلة"