بعد مرور عامين على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبح من الواضح أن العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا لم تنجح في إضعاف اقتصادها الذي قال عنه صندوق النقد الدولي إنه "فاجأ العالم بقوة النمو في مواجهة العقوبات الدولية"، متوقعاً تحقيق نمواً بنحو 2.6% خلال العام الجاري 2024.
وفرضت دول غربية عدة وفي مقدمتها الولايات المتحدة عقوبات واسعة على روسيا ما جعلها تتصدر قائمة الدول الأكثر تعرضاً للعقوبات حول العالم بأكثر من 19 ألف عقوبة، بحسب موقع castellum المتخصص في رصد العقوبات.
وبهذه العقوبات تجاوزت روسيا، التي تعد أكبر دول العالم مساحة، وثاني أكبر قوة عسكرية، كلا من إيران (5011 عقوبة)، وسوريا (2844 عقوبة)، وكوريا الشمالية (2171 عقوبة)، لتصبح أكثر دول العالم التي فُرضت عليها عقوبات.
ودفع الغزو الروسي، الدول الغربية إلى فرض أكثر من 16 ألف عقوبة على موسكو، إذ تصدرت واشنطن قائمة الدول الأكثر فرضاً للعقوبات على روسيا بـ3585 عقوبة، تليها كندا بـ2765، ثم سويسرا بـ2403، أما الاتحاد الأوروبي فقد فرض 1785 عقوبة.
وأدت هذه العقوبات إلى تجميد أغلبية احتياطات البنك المركزي الروسي حول العالم، كما استهدفت قطاع الطاقة وأصول الصندوق السيادي إضافة إلى الأفراد والشركات وصولاً إلى إعادة النظر في العلاقات المالية والتجارية.
ورغم حجم العقوبات الغربية، لا يزال الاقتصاد الروسي يحقق نمواً ما جعله يتفوق على نظيره الأميركي والأوروبي في العام الماضي 2023، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي بنحو 3%، وذلك بعد الانكماش بنحو 2.1% في عام 2022، بحسب تقرير صندوق النقد الدولي الذي صدر في يناير الماضي.
وعلى الرغم من انكماش اقتصاد روسيا في البداية وانخفاض الروبل الروسي، إلا أن البلاد تعافت في نهاية المطاف ويُتوقع أن ينمو اقتصادها بنسبة 2.6% هذا العام، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
وفي السياق، قالت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، الخميس، إن "روسيا فاجأت الجميع، بقوة النمو الاقتصادي على الرغم من العقوبات والقيود المفروضة"، موضحةً في مؤتمر صحافي أن ذلك يرجع إلى "وجود قدر كبير من الإنفاق العسكري في الاقتصاد، مما يساهم في نمو الاقتصاد الروسي".
ويرى موقع Focus Economics المتخصص في البيانات الاقتصادية أن الدوافع الرئيسية التي تقف خلف الأداء المتوقع هي "مرونة إنتاج النفط الخام"، و"ارتفاع أسعار النفط"، و"الإنفاق الدفاعي والاجتماعي القوي"، و"القدرة على التحايل جزئياً على العقوبات الغربية"، و"استبدال التبادل التجاري مع الغرب بتعزيز العلاقات مع الدول الأسيوية".
انخفاض العملة
ويظل ارتفاع الأسعار، أحد المخاوف الرئيسية للشعب الروسي الذي تتأثر قدرته الشرائية بالعقوبات الغربية، وانخفاض قيمة الروبل مقابل الدولار واليورو.
وتعاني العملة الروسية، تقلبات شديدة منذ فبراير 2022، حيث تراجعت قيمة العملة 12% أمام الدولار، بحسب "بلومبرغ" التي أشارت إلى أن قيمته وصلت، الجمعة، إلى قرابة 94 روبل مقابل الدولار الواحد.
وارتفع الروبل بنسبة 14% منذ مطلع أكتوبر الماضي، بعدما أعادت موسكو فرض ضوابط على العملة، ورفعت معدلات الفائدة، وأوقفت التدخلات في سوق الصرف الأجنبي.
وكانت وزارة المالية الروسية، أعلنت خلال الشهر الجاري، تعودتها إلى شراء العملات الأجنبية على مدار شهر، متوقعة إيرادات إضافية من النفط والغاز في فبراير.
وفي أغسطس الماضي، أرجأ البنك المركزي الروسي، مشتريات العملات الأجنبية حتى العام الجاري، حيث أوقفها لتجنب تفاقم الضغط على الروبل، الذي انخفض إلى ما يزيد على 100 روبل مقابل الدولار في أغسطس وأكتوبر.
بموجب قاعدة ميزانيتها، تبيع روسيا العملات الأجنبية من صندوق السيادة للتعويض عن أي نقص في إيرادات صادرات النفط والغاز، أو تقوم بعمليات شراء في حالة وجود فائض.
ووفقاً للبنك المركزي الروسي، تراجع احتياطي موسكو من النقد الأجنبي 62.8 مليار دولار وذلك بعد عامين من الحرب حيث كان يبلغ 643.2 مليار دولار في 18 فبراير 2022، لكنه وصل في 9 فبراير الجاري إلى 580.4 مليار دولار.
فائض الحساب الجاري
انخفض فائض الحساب الجاري الروسي في عام 2023، وهو أول عام كامل في ظل العقوبات الشاملة التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها بسبب غزو أوكرانيا والتي أدت إلى كبح عائدات التصدير للبلاد.
ورصيد الحساب الجاري، وهو الفرق بين التدفقات النقدية الواردة إلى البلاد والتدفقات الخارجة، بلغ 50.2 مليار دولار فقط في العام الماضي، منخفضاً من مستواه القياسي البالغ 238 مليار دولار في نهاية 2022، وفقاً لبيانات أولية للبنك المركزي نشرت في يناير الماضي.
وقال بنك روسيا في بيان، إن الصادرات انخفضت بمقدار 169 مليار دولار لتصل إلى 423 مليار دولار، وهو ما "يرجع بشكل أساسي إلى الأسعار غير المواتية لسلع التصدير الروسية الرئيسية". وفي الوقت نفسه، ارتفعت الواردات إلى 304 مليارات دولار.
وتراجعت إيرادات روسيا من صادرات الطاقة، بعد أن دخل سقف أسعار النفط، الذي فرضته مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، رداً على الحرب الروسية على أوكرانيا، وتم تقييد تدفقات الغاز إلى أوروبا طوال العام.
انخفض متوسط سعر خام الأورال، مزيج تصدير الخام الرئيسي في روسيا، بأكثر من 17% العام الماضي ليصل إلى 62.99 دولار للبرميل، وفقاً لوزارة المالية.
ولا يزال السعر أعلى من السقف البالغ 60 دولاراً للبرميل، لكن الخصومات الحالية أعلى بكثير من المتوسط التاريخي الذي يتراوح بين دولارين إلى 3 دولارات للبرميل، فيما بلغت الفجوة ما يقرب من 14 دولاراً للبرميل في ديسمبر، وفقاً للبيانات.
وحققت ثالث أكبر دولة منتجة للنفط في العالم، 14.4 مليار دولار من المبيعات الخارجية للخام والمنتجات النفطية في ديسمبر الماضي، منخفضةً بنحو 9% عن الشهر السابق، حسبما ذكرت وكالة الطاقة الدولية في باريس، في تقريرها الشهري عن النفط في يناير الماضي.