حمّلت منظمة "بتسليم" الإسرائيلية المعنية بحقوق الإنسان، إسرائيل مسؤولية ما وصفته بـ"جريمة التجويع" في غزة، لافتةً في تقرير نشرته عبر موقعها الرسمي إلى أن الإجراءات التي تتخذها حكومة بنيامين نتنياهو "زائفة" وغير كافية لمواجهة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع.
وفي وثيقة بعنوان "عار التجويع: إسرائيل مسؤولة عن جريمة التجويع في قطاع غزة"، استعرضت "بتسليم" التي تُعرف نفسها على أنها "مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في المناطق المحتلة"، الوضع الحالي في كل ما يتعلق بحجم أزمة الجوع المتكشفة في قطاع غزة، وعواقبها على المديين القصير والطويل.
وقالت "بتسليم" إنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان التغيير في السياسة الإسرائيلية سيؤثر على الواقع في الأرض وكيف سيؤثر ذلك، لكن مع ذلك، يمكن القول بالفعل إن التغيير الحالي في السياسة "قليل جداً ومتأخر جداً"، بل إنه يشير إلى مسؤولية إسرائيل الأساسية عن الأزمة الإنسانية التي تفاقمت منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من 6 أشهر حتى بلغت حد الكارثة الإنسانية التي نشهدها حالياً.
نقص كارثي بالأمن الغذائي
المنظمة أشارت إلى أن "إسرائيل رفضت طوال أشهر السماح بإدخال الإغاثة الإنسانية عبر المعابر البرية الواقعة في أراضيها، وحدت بذلك من حجم الإغاثة التي يمكن أن تدخل إلى القطاع. وحتى عندما وافقت في أعقاب الضغط الدولي على السماح بإدخال الإغاثة من أراضيها فعلت ذلك ببُخل شديد وعلى نطاق هو أبعد ما يكون عن تلبية احتياجات السكّان، بل وحاولت تقديم صورة زائفة توهم بأنّه لا توجد أزمة خطيرة في كميات المواد الغذائية المتوفرة داخل قطاع غزة".
وأضافت: "التغيير الحالي في السياسة لا يمكنه أن يعفي إسرائيل من مسؤوليتها عن أزمة الجوع في قطاع غزة، ومن المشكوك فيه أن تستطيع التسهيلات التي أعلنتها مؤخراً، تلبية الاحتياجات الحالية للسكان المدنيين في قطاع غزة، وأصلاً من المبكر تحليل تأثيرها واقعياً إذا طبقت بهذا القدر أو ذاك".
وفي الوثيقة التي تُلقي الضوء على ما يحدث في قطاع غزة، اعتمدت "بتسليم" على مجموعة تقارير صادرة عن هيئات دولية، وشهادات جمعها باحثون ميدانيون تابعون للمنظمة، وأوضحت أن هذه المعلومات تقود إلى "الاستنتاج المؤسف بأن إسرائيل ترتكب في قطاع غزة منذ أشهُر جريمة التجويع الواردة نصاً في القانون الدولي".
وذكرت الوثيقة أن نصف سكان غزة يعانون من نقص كارثي في الأمن الغذائي، موضحة بالاستناد إلى تقارير دولية سابقة أن "قطاع غزة بأكمله كان خلال شهري فبراير ومارس في الدرجة 4 من 5 على مؤشر الجوع، إذ تعاني 55% من الأسر في شمال القطاع، و30% من الأسر في وسطه، و25% من الأسر في جنوبه، من انعدام الأمن الغذائي من الدرجة الخامسة، وهي الأعلى.
وأضافت أنه من المتوقع خلال الأشهر المقبلة أن يتفاقم الوضع في قطاع غزة، حيث يُتوقع أن تعاني 70% من الأسر في شمال القطاع، و50% في وسطه، و45% في جنوبه، من نقص كارثي في الأمن الغذائيّ من الدرجة 5.
وفيات الأطفال
بحسب معطيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة OCHA لشهر مارس 2024، يُعاني 2.2 مليون إنسان (نحو 100%) من سكان قطاع غزة انعدام الأمن الغذائي من الدرجة 3 فما فوق، و1.17 مليون قد بلغوا الدرجة 4 فما فوق، ونحو نصف مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي من الدرجة الخامسة وهي الأعلى.
كما تفيد تقارير العديد من المصادر أن عواقب المجاعة بدأت تظهر دلائلها واقعياً، فالطواقم الطبية الدولية التي زارت مستشفى كمال عدوان، المؤسسة الطبية الوحيدة في شمال غزة التي تختص بطب الأطفال، تحدثت عن وقوع كارثة إنسانية حقيقية، وأعلن مدير عام منظمة الصحة العالمية أن 10 أطفال ماتوا نتيجة الجوع بينما كانوا يتلقون العلاج في هذا المستشفى.
وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة في تقرير سابق بأن 32 شخصاً بينهم 28 طفلاً، لقوا حتفهم نتيجة سوء التغذية أو الجفاف منذ بداية الحرب في القطاع، مشيراً إلى أن 16% من الأطفال في شمال غزة، ممّن هم تحت سن عامين، يُعانون من سوء تغذية حاد، وتبلغ نسبتهم في منطقة رفح 5%.
وجاء في وثيقة "بتسليم" أن رئيس المجلس الوطني للأمن الغذائي في إسرائيل، البروفيسور روني سْترييِر، قال عن الوضع الغذائي إنه "توجد شهادات دامغة من منظمات دولية نقيم معها علاقات عمل مستمرة، مثل البنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الغذاء العالمي، وكذلك مؤسسات دولية مختلفة خاصة بالإغاثة والرعاية، وصحف عالمية كبرى، أشارت إلى وُقوع كارثة إنسانية بعيدة المدى تشمل جوعاً شديداً يعانيه السكان المحليون في غزة".
"محو غزة"
وتناولت المنظمة آثار الجوع على صحة السكان في القطاع، موضحةً أن سوء التغذية يؤدي إلى زيادة تعرض الإنسان وخاصة الأطفال والرضع لعدوى الأمراض والالتهابات، وخطر وفاتهم نتيجة لها. كما يُطيل بشكل كبير مدة التعافي من الأمراض والإصابات القائمة، ويزيد من فرصة حدوث آثار صحية طويلة المدى. ومنذ الآن يُسجل بين أطفال غزة معدل وفيات مرتفع جراء اجتماع سوء التغذية وأمراض سابقة أخرى.
وأضاف التقرير: "للمجاعة أيضاً عواقب مصيرية على المدى الطويل. إن سوء التغذية والآثار الجانبية المصاحبة له لها تأثير بعيد المدى على النمو العصبي والذهني الطبيعي لدى الأطفال، خاصة في الفترة ما بين الولادة وسن العامين. الأطفال الذين يولدون بوزن منقوص والذين يعانون من سوء التغذية لديهم معدل ذكاء أقل، وأداء وتحصيل دراسي أكثر تدنياً. كما يساهم الجوع بشكل كبير في زيادة المشاكل السلوكية والنفسية لدى الأطفال".
وفي ختام الوثيقة التي أصدرتها، اعتبرت منظمة "بتسليم" أن هدف بنيامين نتنياهو كما يبدو من سياساته وتصريحاته هو "محو غزة" واستهداف كل من فيها بما في ذلك الأطفال، مشيرةً إلى أن "إسرائيل تعمل بهذه الروح منذ 7 أشهر، إذ تحولت المدن إلى أنقاض، وأعداد الضحايا لا يتصورها عقل، وجهاز الصحة لا يعمل، والمستقبل مُبهَم.
وتابعت الوثيقة: "انطلاقاً من رغبتها في الانتقام من الجرائم التي ارتكبتها (حماس) في 7 أكتوبر، تتصرّف إسرائيل في تجاهل لأي معيار أخلاقي أساسي، وانتهاك صارخ لما يُلزمها به القانون الدولي".