يبدو أن الهند بدأت تحاكي خطوات الصين عبر الاستثمار في موانئ دول أجنبية، بعدما تمكنت من تأمين حصص في موانئ إيران وسريلانكا وميانمار وسلطنة عمان، ومؤخراً تتطلع إلى الاستثمار بميناء في الفلبين، الدولة الجارة والمتورطة في صراع إقليمي مع بكين في بحر الصين الجنوبي.
واتبعت بكين لفترة طويلة استراتيجية "عقد اللؤلؤ"، لإنشاء مشروعات البنية التحتية ونقاط انطلاق جاهزة من الشرق الأوسط وآسيا، لاكتساب النفوذ الاستراتيجي والوصول البحري، وذلك حسبما ذكر موقع EurAsian Times.
وأعادت بكين في وقت سابق، تسمية طموحاتها الجيوسياسية المعروفة باسم "عقد اللؤلؤ" في الغرب باسم مبادرة طريق الحرير البحري.
وحققت الهند العام الجاري، تقدماً هائلاً من خلال الاستثمار في الموانئ بالخارج. وقررت الحكومة السريلانكية تجديد ميناء كانكيسانتوراي في المقاطعة الشمالية بتمويل هندي بنسبة 100%.
وحصلت الهند، بالشراكة مع شركة روسية، على حقوق إدارة مطار ماتالا راجاباكسا الدولي في هامبانتوتا بسريلانكا، بعدما تم تطويره في البداية بقروض صينية، ما تسبب في أزمة مالية بسريلانكا.
وتمنح سيطرة الهند الإدارية على مطار ماتالا راجاباكسا الدولي في سريلانكا، نفوذاً كبيراً على ميناء هامبانتوتا.
ووقعت شركة Adani Group الهندية أيضاً، اتفاقية مع شركة John Keells Holdings السريلانكية وهيئة موانئ سريلانكا المملوكة للدولة، لتطوير محطة غرب كولومبو الدولية للحاويات (CWICT) بشكل مشترك.
ويبلغ الاستثمار أكثر من 700 مليون دولار، ما يجعله أكبر استثمار أجنبي في قطاع الموانئ بسريلانكا.
وتخطط حالياً مجموعة Adani، من خلال شركتها التابعة Adani Ports and Special Economic Zone Limited (APSEZ)، للاستثمار في ميناء بالفلبين.
تطوير الموانئ
وتتطلع شركة APSEZ، وهي أكبر شركة خاصة لتشغيل الموانئ في الهند، إلى مقاطعة باتان في الفلبين لوضع خطة تطوير الموانئ. وتهدف الشركة إلى تطوير ميناء عميق يمكنه استيعاب سفن ضخمة.
والتقى المدير الإداري لشركة APSEZ، كاران أداني، قبل أيام، الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور في مالاكانانج لمناقشة خطط تطوير الموانئ.
فيما تخطط مجموعة Adani أيضاً للاستثمار في قطاعات الموانئ والمطارات والطاقة والدفاع.
ودخلت شركة APSEZ في يوليو 2022، في شراكة مع مجموعة Gadot في إسرائيل وفازت بعقد إيجار لخصخصة ميناء حيفا، ثاني أكبر موانئ إسرائيل، مقابل 1.18 مليار دولار.
ويدير ميناء حيفا ما يقرب من نصف شحنات الحاويات في إسرائيل، ويعمل أيضاً كميناء رئيسي في البلاد لسفن الرحلات البحرية وحركة الركاب.
وتولت الحكومة الهندية السيطرة على جزء من عمليات ميناء شهيد بهشتي في تشابهار بإيران في 24 ديسمبر 2018.
واستثمرت الهند في ميناء تشابهار لتتمكن من الوصول إلى التجارة بشكل أكبر مع أفغانستان ودول آسيا الوسطى الأخرى، وبالتالي تقليل الاعتماد على الطرق البرية الباكستانية.
ويتمتع الميناء بالقدرة على النمو ليصبح واحداً من أهم المراكز التجارية في المنطقة، حيث أنه مركز عبور حاسم على ممر النقل الدولي المتطور بين الشمال والجنوب.
وتعتبر تشابهار واحدة من المناطق القليلة في إيران التي لا تخضع للعقوبات الأميركية، ما يسهل بشكل كبير عمليات التجارة الدولية مع الدول الأخرى. ومرت مؤخراً الأسلحة الهندية الموردة إلى أرمينيا عبر هذا الميناء.
كما حصلت الهند على حق تشغيل ميناء خارجي ثانٍ، وهو ميناء سيتوي، في ميانمار. وعملت الهند على بناء ميناء سيتوي في المياه العميقة في عام 2016.
وجرى إنشاء الميناء كجزء من مشروع كالادان للنقل العابر متعدد الوسائط. وسيربط هذا المشروع ميناء سيتوي في ميانمار بالحدود الميانمارية - الهندية.
وتتمتع ميانمار بأهمية جيواستراتيجية لكل من الهند والصين. وحافظ كلا البلدين على علاقاتهما مع النظام العسكري، منذ استيلائه على السلطة والإطاحة بحكومة أونج سان سو تشي المدنية في عام 2021.
كما أبرمت الهند اتفاقية مع سلطنة عمان للاستخدام العسكري والدعم اللوجيستي في ميناء "الدقم الجديد"، والذي يبدو وكأنه جزء من استراتيجية الهند الكبرى لتعزيز وضعها البحري في منطقة المحيط الهندي.
استثمارات صينية
وتعد منطقة المحيط الهندي متلقياً رئيسياً لاستثمارات الصين في الموانئ التجارية الأجنبية.
واستحوذت الكيانات الصينية على إجمالي 101 مشروع ميناء، فضلاً عن وجود موانئ مزدوجة الاستخدام، تجارية وعسكرية، مملوكة أو مبنية أو تديرها شركات صينية.
وتدير الصين أو تمتلك ميناءً واحداً على الأقل في كل قارة، باستثناء القارة القطبية الجنوبية.
ومن بين 101 مشروع، تدير الصين 92 مشروعاً نشطاً، بعد تعليق عمل 9 موانئ أخرى بنهاية سبتمبر 2023.
وألغت الصين المشروعات أو علقتها بسبب المخاوف البيئية، وتدهور العلاقات السياسية، والمشاكل المالية، والقضايا الأمنية التي أثيرت محلياً ودولياً.
وتعمل الصين حالياً على بناء قاعدة غواصات في بنجلاديش وميناء آخر في ميانمار.
ويطلق على الموانئ الثلاثة التي تديرها الصين في جنوب آسيا، وهي: شيتاجونج في بنجلاديش، وهامبانتوتا في سريلانكا، وجوادر في باكستان، مسمى "مثلث الموت" الذي يحيط بالهند.
ووصفت الصين مساعيها في المحيط الهندي بأنها حميدة، وهو ادعاء لم تقبله الهند.
وقال EurAsian Times إنه من شأن القدرات التي تسعى إليها البحرية الصينية في المنطقة أن تساعدها على القيام بمهمة عسكرية هناك.
ودخلت البحرية الصينية، إلى منطقة المحيط الهندي؟، بداية من عام 2008 بحجة مكافحة القرصنة في خليج عدن. كان يُطلق عليها اسم "بحرية المياه البنية". واكتسبت ببطء القدرة من خلال تعزيز أنشطة بناء السفن.
وأصبح تواجد القوات البحرية الصينية ثابتاً، عندما بدأت الإبحار من غرب المحيط الهادئ إلى القرن الإفريقي، مروراً بالمحيط الهندي.
وأعقب ذلك، قيام الصين بنشر غواصاتها في المنطقة لدعم سفنها السطحية في مهام مكافحة القرصنة.
وسعت الصين منذ فترة طويلة إلى الوصول إلى خليج البنغال وبحر العرب بسبب جغرافيتها البحرية المحدودة وغير المواتية، وخاصة على طول غرب المحيط الهادئ.