"مرحبا 2024".. المغرب يراهن على أبنائه المهاجرين لإنعاش الاقتصاد

time reading iconدقائق القراءة - 9
ركاب يغادرون عبارة قادمة من طريفة في إقليم قادش الإسباني ورست في ميناء طنجة المتوسط بالمغرب. 15 يونيو 2022 - AFP
ركاب يغادرون عبارة قادمة من طريفة في إقليم قادش الإسباني ورست في ميناء طنجة المتوسط بالمغرب. 15 يونيو 2022 - AFP
الرباط -أنس عياش

أطلق المغرب، الأربعاء الماضي، عملية "مرحبا 2024" لاستقبال المغاربة المقيمين في الخارج، خلال الفترة بين 5 يونيو الجاري و15 سبتمبر المقبل، وهي إجراء سنوي يُسهل عودة "مغاربة العالم" إلى وطنهم الأم لقضاء العطلة الصيفية، فيما قال محللون إن الرباط تراهن على أبنائها المغتربين في الخارج لإنعاش الاقتصاد.

وأفادت وزارة النقل المغربية، بأنه تم تشغيل 18 فضاءً لاستقبال هؤلاء المغتربين بكل من موانئ طنجة المتوسط، وطنجة المدينة، والحسيمة، والناظور. وبمطارات الدار البيضاء محمد الخامس، والرباط سلا، ووجدة أنجاد، والناظور العروي، وأكادير المسيرة، وفاس سايس، ومراكش المنارة، وطنجة ابن بطوطة. وبباحات الاستراحة طنجة المتوسط، والجبهة، وتازاغين، وسمير المضيق، وكذلك بمعابر باب السبتة وباب مليلية.

واستقبل المغرب خلال العام الماضي أكثر من 3 ملايين و165 ألف شخص، بارتفاع يقدر بـ2.74% مقارنة بـ"مرحبا 2022".

وسجلت "مرحبا 2023" عبور 2.84 مليون مسافر، و642 ألف سيارة في الاتجاهين عبر الموانئ المغربية، بزيادة قدرها 23% بالنسبة للركاب و20% بالنسبة للسيارات مقارنة بـ "مرحبا 2022". 

وتشير معطيات قدمتها وزارة النقل المغربية إلى استحواذ النقل البحري على حصة الأسد في حركة العبور العام الماضي، إذ سجل 54% من الحركة، فيما حقق النقل الجوي نسبة 46%.

وشكلت باب مليلية البوابة الرئيسية لعبور المهاجرين المغاربة إلى وطنهم، حيث استقبلت أكثر من 440 ألف مسافر، متبوعة بميناء طنجة المتوسط الذي توافد عليه أكثر من 404 آلاف مسافر، ثم يليه باب سبتة بحوالي 355 ألف مسافر.

وتعد الجالية المغربية في الخارج، من أقوى مصادر العملة الصعبة التي تنعش اقتصاد البلاد، إذ تجاوزت تحويلاتهم العام الماضي 115 مليار درهم (11.5 مليار دولار).

الارتباط بالبلد الأم

ومع اقتراب عيد الأضحى، بدأت أفواج المهاجرين المغاربة تتوافد إلى مطارات وموانئ المملكة، حيث يحرص الكثير منهم على قضاء العيد رفقة العائلة وفق الطقوس المحلية، فيما يفضل آخرون زيارة المغرب خلال عطلة الصيف.

ويبلغ عدد المغاربة المهاجرين عبر العالم، أكثر من 5 ملايين شخص، ما يمثل 15% من سكان المغرب، يتركز غالبيتهم في أوروبا.

وبحسب تقرير للمجلس الأعلى الاقتصادي والاجتماعي، والصادر في عام 2022، فإنه بالإضافة إلى المغاربة المقيمين في الخارج، من غير المسجلين لدى القنصليات، سواء المولودين في المغرب، أو مزدوجي الجنسية المولودين والمقيمين في الخارج الذين يحمل أحد والديهم أو كلاهما الجنسية، فإنه يمكن تقدير إجمالي مغاربة العالم بين 6 و6.5 مليون شخص.

وتستقبل أوروبا 89% من المهاجرين المغاربة، فيما يتوزع البقية على أكثر من 100 بلد في العالم (آسيا 202 ألف، إفريقيا 212 ألفاً، أميركا 150 ألفاً).

وتضم فرنسا أكبر حصة من مغاربة العالم، إذ تجاوز عددهم المليون شخص، وفي إسبانيا ناهز عددهم 900 ألف.

وأظهرت دراسة أصدرها قطاع المغاربة المقيمين بالخارج في وزارة الخارجية المغربية "ارتباطاً وثيقاً"، بين الشباب المغربي المقيم بالخارج وبلدهم "الأم"، وذلك من خلال تمكنهم من اللغات الوطنية، وتواتر الزيارات التي يقومون بها للمغرب ورغبتهم في الاستثمار والاستقرار به.

والعام الماضي، تمت تعبئة 32 سفينة لتشغيلها على 12 خطاً بحرياً لربط الموانئ المغربية بنظيراتها في إسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وذلك لتأمين 538 رحلة أسبوعية بسعة إجمالية تقدر بـ501 ألف مسافر و136 ألف سيارة كل أسبوع.

ولدى المغرب 18 مطاراً، 16 منها دولية، تتواجد بها شركات طيران دولية تؤمن رحلات جوية منتظمة نحو أهم مدن وعواصم العالم. كما تضم شبكة الموانئ في المغرب 39 ميناءً.

والعام الماضي، استقبلت الموانئ المغربية 73.5% من مجموع المسافرين، بزيادة قدرها 13.5% مقارنة بالنسب المسجلة في 2022، أما مدينة سبتة فاستقبلت 16.2% من الرحلات بين ضفتي المتوسط، حيث سجلت هذه الأخيرة تراجعاً سنويا بلغ 6.8%، في حين استقبلت مدينة مليلية 10.3% من رحلات العبور.

رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج إدريس اليزمي، قال إن تدفق ملايين المغاربة ضمن عملية "مرحبا"، برهنت على ظاهرتين أساسيتين، الأولى "قوة العلاقة الروحية والإنسانية والعائلية" للجالية المغربية عبر العالم مع البلد الأم، والثانية قدرة السلطات على تدبير هذه العملية الضخمة بسلاسة، مشيراً إلى أن الأجيال الأولى من المهاجرين المغاربة "تتذكر كيف كانت عملية العبور صعبة، قبل أن تصبح عملية سلسة" تنظم بشراكة مع مختلف دول الإقامة، خاصة في أوروبا.

وأضاف اليزمي في حديث لـ"الشرق"، أن الجالية المغربية التي شهدت تحولات كبيرة مع توالي الأجيال، سواء من حيث النمو الديموغرافي وتأثيرات العولمة "ما زالت تبرهن على قوة العلاقة مع الوطن الأم، وتحرص على إنعاشها".

قوة اقتصادية

ويعد المهاجرون المغاربة المقيمون في الخارج، مصدراً مهماً من مصادر العملة الصعبة في البلاد، إذ يدرون على خزينة المملكة مليارات الدولارات كل عام، تتجاوز عائدات السياحة، التي بلغت 105 مليارات درهم (10.5 مليار دولار) في 2023.

وبحسب بيانات مكتب الصرف الحكومي، التابع لوزارة الاقتصاد والمالية المغربية، فإن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بلغت هذا العام 36.79 مليار درهم (3.6 مليار دولار) حتى أبريل الماضي، مقابل 35.95 مليار درهم في العام السابق.

وبلغت تحويلات المهاجرين السنة الماضية 115 مليار درهم (11.5 مليار دولار)، بزيادة تقدر بـ4% على أساس سنوي، فيما قال التقرير الحديث لمكتب الصرف، إن تحويلات المهاجرين حتى أبريل 2024 سجلت ارتفاعاً نسبته 2.4%.

وتشكل تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج 8% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب بيانات بنك المغرب المركزي.

وبحسب مكتب الصرف، سجلت إيرادات السفر ارتفاعاً في أبريل الماضي بنسبة 10.6%، لتصل 7.93 مليار درهم (نحو 790 مليون دولار)، فيما بلغت إيرادات السفر في الأربعة أشهر الأولى من السنة 31.87 مليار درهم.

الخبير الاقتصادي رشيد ساري قال، في حديث لـ"الشرق"، إن توافد ملايين المهاجرين المغاربة عبر العالم، خلال فصل الصيف يسهم في إنعاش العديد من الأنشطة الاقتصادية، خاصة تلك المرتبطة بالسياحة كالمطاعم والفنادق، والصناعة التقليدية.

وأضاف ساري، أن الدينامية الاقتصادية "يوازيها تضامن اجتماعي"، إذ تشكل نسبة مهمة من تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، مساعدات للأسر الفقيرة ومحدودة الدخل.

لكن الخبير الاقتصادي نبه، في الوقت ذاته، إلى أن هذه التحويلات "لا يوازيها استثمار فعال"، إذ لا تشكل الاستثمارات سوى 10% من تلك التحويلات التي تتجاوز 10 مليارات دولار، لافتاً إلى أن تلك النسبة "تظل ضئيلة"، إذ تذهب في معظمها نحو استثمارات آمنة، خاصة في العقار أو بعض المشروعات التقليدية كالمقاهي.

ودعا ساري إلى سياسات تشجع على استثمارات إنمائية، خاصة أن الجالية المغربية "لم تعد تتشكل من عمال بسطاء، وإنما هناك في مغاربة العالم كوادر عليا مؤهلة من المهندسين والأطباء ومدراء المختبرات، ينبغي تشجيعها على الاستثمار".

وبحسب دراسة لوزارة الخارجية المغربية، فإن 17% من أفراد الجالية حاصلون على شهادات جامعية عليا، وهي نسبة ترتفع وسط الشباب إلى 63%، فيما تصل نسبة من يشغلون وظائف عليا منهم (مديرين وأطر عليا ومناصب علمية وفكرية) إلى 18%.

في سياق متصل، أشار رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، إدريس اليزمي، في تصريحاته لـ"الشرق"، إلى أنه بغض النظر عن الإسهام الاقتصادي، فإن الجالية تسهم بأشكال مختلفة في التنمية، سواء عبر المستوى الجامعي، من خلال البحث العلمي، أو الإسهام الثقافي وكذلك في البرامج المحلية للتنمية.

وضرب اليزمي نموذجاً، بالإنتاج الثقافي المغربي، إذ أضحت الرواية المغربية اليوم تكتب بالعربية والأمازيغية، والفرنسية، والإسبانية، والإيطالية.. مؤكداً أن للجالية دوراً مهماً في إشعاع الثقافة المغربية.

تصنيفات

قصص قد تهمك