وسط هجمات روسيا المكثفة.. انقطاع الكهرباء عبء إضافي على أوكرانيا

time reading iconدقائق القراءة - 8
أشخاص يستخدمون المشاعل أثناء مغادرتهم أحد المتاجر الكبرى أثناء انقطاع جزئي للكهرباء في العاصمة الأوكرانية كييف وسط استمرار الغزو الروسي. 16 مايو 2024 - Reuters
أشخاص يستخدمون المشاعل أثناء مغادرتهم أحد المتاجر الكبرى أثناء انقطاع جزئي للكهرباء في العاصمة الأوكرانية كييف وسط استمرار الغزو الروسي. 16 مايو 2024 - Reuters
دبي -الشرق

بدأ انقطاع التيار الكهربائي في أوكرانيا، الاثنين الماضي، وزادت مدته على مدار الأسبوع، ما أدى إلى غرق معظم أجزاء العاصمة كييف في الظلام باستثناء ساعات قليلة كل يوم، وفي بعض النواحي من المدينة تم إطفاء حتى إشارات المرور، بينما يلف الظلام في الليل أحياء بأكملها.

وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، بات القصف المتواصل بلا هوادة لمحطات الطاقة الأوكرانية من قبل الطائرات المسيرة والصواريخ الروسية "ملموساً" بدرجة كبيرة، إذ أعلنت شركة توزيع الكهرباء الحكومية "أوكرينرجو"، أن الهجوم الأخير على شبكة الكهرباء، الذي وقع نهاية الأسبوع الماضي، أدى إلى "تقنين أوضاع الطاقة في جميع أنحاء البلاد".

ويُعد القصف الأخير السادس من نوعه منذ مارس الماضي.

وفي منشور عبر فيسبوك، خلال وقت سابق، الأربعاء، كتب سيرهي كوفالينكو، الرئيس التنفيذي لشركة توزيع الكهرباء الأوكرانية الخاصة "نحن نعاني من نقص كارثي في الكهرباء".

تقسيم كييف

انقطاع التيار الكهربائي، أدى إلى تقسيم كييف لمناطق مضيئة وأخرى مظلمة، حتى وجد سكان الأحياء الراقية أنفسهم فجأة ضمن الفئة الأخيرة. كما أصبح الناس يتبادلون النصائح بشأن ما الذي يمكن أن يبقي منازلهم مضاءة، في وقت تغرق منازل المناطق الأخرى بالظلام الدامس، لاسيما تلك التي ترتبط خطوط الكهرباء فيها بمكاتب السكك الحديدية أو مستشفيات الأطفال.

ونقلت الصحيفة عن الشابة ألاين لابتي، التي تبلغ من العمر 18 عاماً، وتعيش في وسط كييف، وتعمل بأحد المقاهي، أنها وصديقها استخدما موقد غاز خاص بالتخييم عندما انقطعت الكهرباء.

وتُمثل إمدادات المياه مشكلة أخرى للعاصمة الأوكرانية، إذ تضطر مثلاً ألاين وصديقها كونهما يقطنان في طابق علوي من مبنى شاهق إلى ملء أي وعاء مياه، سواء كان حوض الاستحمام الخاص بهما أو زجاجات أو أي شيء آخر، بحسب قولها، فالكهرباء لا تصل أحياناً إلا ساعتين في اليوم.

ويُنذر انقطاع الكهرباء بعودة ضجيج المولدات التي تعمل بالبنزين في شوارع كييف، وهو الصوت الذي كان مألوفاً في فصول الشتاء التي شهدت الهجمات الروسية السابقة، لكنه لم يكن متوقعاً نوعاً ما في ليالي الصيف الطويلة الدافئة، فقد عمدت القوات الروسية بعد غزو أوكرانيا في فبراير 2022، إلى قصف قطاع الطاقة، مع التركيز بصفة خاصة على شبكة نقل الكهرباء.

وتسببت الهجمات بوصول منظومة الكهرباء إلى "نقطة الانهيار" خلال شتاء 2022 حتى 2023، مخلفة أجزاء كبيرة من دون كهرباء أو حرارة أو مياه على مدى أشهر الشتاء الطويلة قارسة البرودة.

إلا أنه نظراً لسهولة إصلاح شبكة نقل الكهرباء نسبياً، عمل الكرملين هذه المرة على تغيير تكتيكاته، إذ تركز قواته صواريخها حالياً على محطات الطاقة الحرارية والكهرومائية في أوكرانيا، مع ضرب منظومة نقل الكهرباء بالمسيرات ذاتية التدمير.

وقال مكسيم تيمتشينكو الرئيس التنفيذي لأكبر شركة طاقة خاصة في أوكرانيا DTEK، إن الهجمات على منظومة نقل الكهرباء لم تُحدث أضراراً بالغة، إذ تتمتع المحطات الفرعية للشبكة بحماية جيدة خلف تحصينات خرسانية، مضيفاً أنه "يُمكن أيضاً استبدال المعدات سريعاً حال تدميرها".

غيرَ أن الهجمات الصاروخية المركزة التي استهدفت محطات الطاقة كانت "مدمرة"، ونتيجة لذلك فقدت DTEK نحو 86% من قدرتها على التولي.

وفي مقابلة مع "واشنطن بوست"، أشار تيمتشينكو، إلى أن "ما يُزيد الطين بلة هو استهداف العديد من مرافق الطاقة الكهربائية بشكل متكرر. كما أن وحدة الطاقة في DTEK التي تم إصلاحها منذ بضعة أسابيع تعرضت للضرب مرة أخرى خلال نهاية الأسبوع، وتعطلت الآن أيضاً"، واصفاً ما يجري بأنه "دائرة التدمير ثم التعافي ثم التدمير".

عواقب طويلة المدى

الشبكة الكهربائية الأوكرانية، استطاعت إلى حد معقول تجاوز القصف الذي شنّته القوات الروسية خلال الشتاء الماضي، وذلك وفقاً للصحيفة الأميركية، بفضل عوامل عديدة، مثل منظومة الدفاع الجوي التي اعترضت عدداً كبيراً من الصواريخ والطائرات المسيرة.

لكن الصواريخ الروسية أصبحت قادرة على الوصول لأهدافها بشكل متزايد، بحسب قول المسؤولين الأوكرانيين، مشيرين إلى أن بلادهم "تفتقر إلى ما يكفي من الأنظمة المضادة للطائرات، إلى جانب نقص ذخيرة الدفاعات الجوية، ما أرجعوه جزئياً إلى "تأخر الغرب في تسليم الأسلحة".

ولعلّ السؤال الملح الآن لدى الأوكرانيين هو ما سيحدث لاحقاً، فأكثر من نصف احتياجات الطاقة في البلاد تأتي من الطاقة النووية التي توفر نحو 70% من الكهرباء من معدلات الاستهلاك المرتفعة خلال الشتاء. ورغم ذلك، تُوفر محطات توليد الطاقة الحرارية والكهرومائية قدرة كهربائية إضافية.

وفي وقت سابق الأربعاء، حذّر رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال، في اجتماع حكومي، من أن عواقب الهجمات الروسية على الطاقة ستكون "طويلة المدى، ومن ثم فإن توفير الطاقة سيُمثل "جزءاً من حياتنا اليومية في الأيام المقبلة".

وأضاف شميهال، أن "محطات الطاقة فقدت أكثر من 9 جيجاوات من قدرتها على التوليد"، أي ما يقارب نصف إنتاج الطاقة في أوكرانيا خلال الحرب.

ولفت تقرير الصحيفة، إلى أن جدول عمليات الانقطاع في أوكرانيا سيستمر على فترات متقطعة خلال الصيف، إذ تشهد محطات الطاقة النووية، نظراً لتزايد استهلاك الكهرباء في ظل ارتفاع درجات الحرارة ولجوء الأوكرانيين إلى تشغيل أجهزة تكييف الهواء، عمليات صيانة مقررة مسبقاً.

وخلال عمليات الصيانة سيحاول المسؤولون الأوكرانيون تأمين المعدات اللازمة لمحطات الطاقة لتكثيف إنتاج الكهرباء، في وقت أكدوا لـ"واشنطن بوست"، أنه "يجب طلب الكثير من هذه المعدات الآن، إلا أنها لن تصل في الوقت المناسب قبل فصل الشتاء".

مؤتمر "تعافي أوكرانيا"

في شأن ذي صلة، تحدث الرئيس التنفيذي لشركة DTEK عن مؤتمر "تعافي أوكرانيا" السنوي المقرر عقده الأسبوع المقبل في العاصمة الألمانية برلين، لمناقشة إعادة الإعمار وتأمين المساعدات اللازمة لذلك، مشيراً إلى أنه "سيوفر فرصة للحصول على معدات مثل توربينات الغاز".

ويأمل تيمتشينكو أيضاً، وفقاً لـ"واشنطن بوست"، في التوصل إلى "اتفاق مع المسؤولين الأوروبيين لشراء معدات مستعملة من محطات الطاقة التي تم إيقاف تشغيلها".

وزادت أوكرانيا حجم وارداتها من الطاقة من الدول المجاورة، لكن "يبقى هذا الإجراء غير كاف لتغطية العجز"، وفي نهاية المطاف، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: "ماذا يخبئ الشتاء في جعبته لأوكرانيا؟".

في هذا السياق، أوضح فولوديمير كودريتسكي، الرئيس التنفيذي للشركة الوطنية المشغلة للكهرباء في أوكرانيا Ukrenergo، أن عمليات قطع الكهرباء المقررة ستستمر وستكون "بالغة الصعوبة، وفق وصفه، إلا أنه لا يُعرف بعد "مدى قسوتها"، محذراً من "أننا بحاجة إلى احتواء خطر حدوث المزيد من التدهور للقدرة التوليدية لهذا النظام".

ونقلت "واشنطن بوست" عن بعض المحللين، أن هذا الشتاء في جميع الأحوال سيكون "أكثر صعوبة من الشتاء الذي تخلله الهجوم الروسي السابق".

وقال يوري كوبروشكو مؤسس Imepower، وهي شركة استشارات أوكرانية في مجال الطاقة: "نحن نتحدث عن خسارة فادحة في التوليد. لا أستطيع أن أرى من أين لأوكرانيا أن تحصل على طاقة إضافية جديدة خلال الشتاء المقبل فقط".

تصنيفات

قصص قد تهمك