تصدرت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، المشهد في الولايات المتحدة، بعد أن تمكنت من الحصول على دعم العدد الكافي من المندوبين، للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للمنافسة في الانتخابات الرئاسية، ومحققة تزايد ملحوظ في التبرعات، بأكثر من مليون متبرع، 62% منهم متبرعون للمرة الأولى، لتشعل حماس ومعنويات الحزب، الذي كان متجهاً نحو الهزيمة، حسبما ذكرت شبكة CNN، الثلاثاء.
وألقت هاريس خطاباً حماسياً، الاثنين الماضي، خاطبت فيه موظفي حملتها الانتخابية بمقر الحملة في ويلمنجتون بولاية ديلاوير، فيما دعا الرئيس الأميركي جو بايدن إلى دعم المرحلة الانتقالية.
وذكرت CNN أن هاريس وصفت المنافسة بأنها "نسختان مختلفتان لما نتوقع أن يكون عليه مستقبل بلدنا"، بعد حديثها عن الدعاوى القضائية المقامة ضد الرئيس السابق والمرشح عن الحزب الجمهوري دونالد ترمب، في أول تجمع عام منذ إعلان بايدن الانسحاب من السباق الرئاسي، الأحد الماضي.
وأشارت CNN إلى أن حصول هاريس على دعم رئيسة مجلس النواب السابقة، نانسي بيلوسي، والتي لعبت مناورتها غير المباشرة، دوراً حاسماً في إنهاء محاولة بايدن "المتعثرة" لإعادة انتخابه، بالرغم من اعتبارها أن الرئيس البالغ من العمر 81 عاماً "لا يزال الديمقراطي الأكثر خبرة، وتأثيراً في البلاد".
وبعد أن وصفت بيلوسي دعمها لهاريس بأنه "رسمي، وشخصي، وسياسي"، اصطف قادة آخرون في الكونجرس خلف نائبة الرئيس، وهم على استعداد لوضع آمال حزبهم في أيدي "حامل راية تاريخي".
وتمكنت هاريس من الحصول على دعم أكثر من 1976 مندوباً، الرقم الذي يتجاوز العدد اللازم للفوز بترشيح الحزب في أول انتخابات، وفقاً لتقديرات CNN.
انسحاب بايدن
وبعد أن ساهم تجميد التبرعات في إجبار بايدن على مغادرة السباق الرئاسي، بدأ الديمقراطيون في تقديم تبرعات كبيرة، إذ جمعت هاريس أكثر من 100 مليون دولار في الفترة بين يومي الأحد، والاثنين، من أكثر من 1.1 مليون متبرع، كان 62% منهم يتبرعون للمرة الأولى، حسبما نقلت CNN عن أحد مسؤولي الحملة.
ووصفت CNN سرعة هاريس في إرساء نفوذها بأنها "مذهلة"، موضحة أن "المكالمات الهاتفية التي أجرتها هاريس مع ديمقراطيين بارزين، الأحد الماضي، تشير إلى وجود عملية مُعدة مسبقاً، لكنها ظلت سرية ولم تُسرب".
وأضافت الشبكة "أن الخطة قضت على ما يبدو على أي أمل في إيجاد مرشحين بدلاء، وبددت طموحات بعض أعضاء الحزب في إجراء انتخابات تمهيدية سريعة لتقديم مرشح جديد".
وأبانت CNN أن هناك قول مأثور في واشنطن، يشير إلى أن "المرشح الرئاسي لن يحظى بيوم أفضل من اليوم الذي يلي إعلان ترشحه"، وينطبق هذا القول عادة على "الساعات الأولى المثيرة للحملات الأولية"، ولكن هاريس، في وضع مختلف حتى الآن.
وبات من الواجب على هاريس الحفاظ على الزخم الجديد المفاجئ في الحزب الديمقراطي، الذي كان حتى، الأحد الماضي، يعتقد أنه متجه نحو الهزيمة، بينما تخلى عنه العديد من المشرعين، بعد الأداء الكارثي للرئيس بايدن في مناظرة أمام ترمب.
ومن المرجح أن تواجه هاريس، أقوى آلة إعلامية لحملة مرشح رئاسي في السنوات الأخيرة، إذ يُعرف ترمب بخطابه "المليء بالكراهية ضد النساء، والعنصرية"، الذي قد يحول الأشهر القليلة القادمة، إلى أكثر انتخابات عامة حادة في الذاكرة الحديثة.
كما من المرجح أن تكون هاريس تحت الضغط من قبل الديمقراطيين، إذ يستثمر قادة الحزب فيها لتكون "آخر حاجز" أمام عصر جديد من الحكم المحافظ غير المقيد، الذي يمكن أن يقضي على إنجازات رئاسة بايدن، وباراك أوباما، لا سيما وأنها أظهرت علامات على تحسين مهاراتها السياسية.
حملة ترمب.. تشويش مؤقت
وبدا أن حملة ترمب قد تعرضت لـ"تشويش مؤقت"؛ بسبب التحول السريع في المرشحين الديمقراطيين، وذلك بعد أن أدرك بايدن أنه لا يتمتع بالقدرة على الترشح لفترة رئاسية ثانية، والتي كانت ستنتهي عندما يبلغ 86 عاماً.
ولكن ظهرت علامات جديدة، الاثنين، تشير إلى أن العملية السياسية لترمب كانت تعيد التكيف مع الواقع الجديد، وتشحذ هجماتها ضد نائبة الرئيس، وفي مؤتمر للصحافيين، قدمت "حملة ترمب"، لمحة عن "هجوم لاذع قادم على هاريس".
ووجه مديرا "حملة ترمب" سوزي وايلز، وكريس لاسيفيتا، سهام النقد إلى هريس، وأنها "المساعدة لبعض أفظع إخفاقات بايدن"، وأضافا: "فشل هاريس في معالجة الأسباب الجذرية لعبور الحدود الجنوبية، سيتحول إلى رواية أنها متساهلة تجاه الهجرة غير الشرعية".
وتابعا:"لقد كان معدل شعبيتها أقل من جو بايدن.. هاريس هي الأقل شعبية في تاريخ نواب الرئيس، وهو أمر ليس مفاجئاً نظراً لسجلها السيئ".
هاريس.. نجاح مبكر
وأحدث دفع هاريس للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي تطوراً مذهلاً في سباق تحدى الأعراف، حيث أطلق أكبر رئيس سناً في تاريخ الولايات المتحدة، محاولة لإعادة الانتخاب، ثم تراجع في وقت متأخر، كما أن المرشح الجمهوري هو أيضاً رجل مسن غير محبوب آخر، حاول سحق الديمقراطية الأميركية للبقاء في السلطة، بعد خسارته في الانتخابات الأخيرة، كما أنه مدان بجريمة في قضية "شراء الصمت"، وفق CNN.
ومع ذلك، تمت الإشادة بترمب في مؤتمر الحزب الجمهوري الأسبوع الماضي، باعتباره بطلاً قوياً أحاطته العناية الإلهية، بعد "محاولة الاغتيال"، ومثلت"محاولة الاغتيال، إلى جانب مناظرة بايدن وترمب، وصعود هاريس"، أهم ثلاثة أحداث في تاريخ حملات البيت الأبيض الحديثة، في فترة زمنية لا تتجاوز 4 أسابيع.
واتخذ أحد الحزبين قراراً جريئاً في النزول عند رغبة الناخبين، التي أظهرتها استطلاعات الرأي منذ شهور، والمتمثلة في رؤية مرشح ليس اسمه "بايدن أو ترمب"، والسؤال الآن هو "ما إذا كانت هاريس، التي أظهرت نقاط ضعف سياسية كبيرة كنائبة للرئيس، تمتلك المهارات والقوة والصبر والحظ للاستفادة من ذلك".
وتحركت هاريس بسرعة لتوحيد الحزب خلفها، بمساعدة رغبة ظاهرة من قبل القوى الرئيسية لتجنب معركة خلافية على الترشيح في المؤتمر، الذي سيعقد الشهر المقبل في شيكاغو، إذ سارع الحكام وأعضاء مجلس الشيوخ ووفود الكونجرس للانضمام إليها، ما يعكس هذا الزخم المتسارع في محاولة لصد ولاية ثانية لترمب.
مواجهة افتراضية ضد ترمب
وأظهر استطلاعاً للرأي أجرته CNN نهاية يونيو، أنه في "مواجهة افتراضية ضد ترمب"، تفوقت هاريس، على بايدن بين الناخبات والمستقلين السياسيين وغيرهم من الناخبين، ويمكن أن تكون هذه الكتل الانتخابية الرئيسية حاسمة في نتيجة الانتخابات، في عدد قليل من الولايات، والمقاطعات المتأرجحة التي من المرجح أن تقرر السباق.
وتزداد العلامات على أن صعود هاريس وانسحاب بايدن، قد أعادا تعريف الأبعاد الموضوعية لسباق 2024، إذ كان الديمقراطيون، ولعدة أشهر يدافعون عن"عمر بايدن وادعاءات أنه يعاني من تدهور إدراكي"، ولكن الآن يعيشون مرحلة تحول جيلي، مع مرشح أصغر بقرابة 20 عاماً من المرشح الجمهوري البالغ من العمر 78 عاماً.
سبق وأن بادرت حاكمة ساوث كارولينا السابقة، نيكي هايلي، في التلويح بورقة العمر، في وجه ترمب خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، وهي الخطوة التي نجح الديمقراطيون الآن في اتخاذها، وقالت: "إن أول حزب يتقاعد مرشحه البالغ من العمر 80 عاماً سيربح الانتخابات".
وذكر النائب الديمقراطي إريك سوالو من كاليفورنيا، الاثنين الماضي، لـ CNN: "أعدكم ألا تسمعوا دونالد ترمب يطلب من خصمه إجراء اختبار إدراكي مرة أخرى، وربما كانت تلك آخر مرة نسمع فيها عن ذلك".
وقال حاكم نيو هامبشاير الجمهوري كريس سونونو في حدث نظمته مجلة "بوليتيكو": "سيكون هناك المزيد من الطاقة.. أعتقد أن الحزب الديمقراطي سيكافأ فعلياً، إذا صح التعبير، من قبل المستقلين الذين سيقولون، حسناً، لم نحب تلك البطاقة المكونة من بايدن وترمب منذ البداية، لقد كان لديكم الشجاعة لتغيير مرشحكم".
نقاط ضعف هاريس
وفي السباق لتزكية هاريس كمرشحة رسمية عن الحزب، يراهن الديمقراطيون على مرشحة "غير محبوبة"، لم تُظهر أنها كانت قادرة على كسب الولايات المتأرجحة الرئيسية من أمام بايدن، كما أنها لم تظهر القدرة على التعامل السياسي خلال حملتها الأولية في عام 2020، والتي انتهت قبل انتخابات "أيوا" التمهيدية، ولم تكن أيضاً قادرة على إظهار التعامل السياسي المأمول في بداية ولايتها كنائبة للرئيس.
وإذا تعثرت هاريس في الأيام أو الأسابيع القادمة، فإن الديمقراطيين يخاطرون بالظهور كحزب يفرض على البلاد، مرشحا آخر لعام 2024 "غير مؤهل" لقيادة البيت الأبيض لفترة رئاسية جديدة.
وستختبر الأيام المقبلة أيضاً ما إذا كان استياء الناخبين من البطاقة الديمقراطية، ناتجاً عن القلق بشأن عمر بايدن فقط، أم أنه استياء أوسع ناتج عن الإحباط من الظروف الاقتصادية، بما في ذلك الأسعار المرتفعة، وأسعار الفائدة.
وبعد كل هذا، فإن ترمب غالباً ما يتصدر استطلاعات الرأي حول القضايا التي تهم الناخبين أكثر، مثل "الهجرة، والأمن القومي، والاقتصاد"، وإذا كان "إرث بايدن" يشكل عبئاً انتخابياً، فقد تدفع هاريس الثمن.
ويضخم فريق ترمب أيضا حدة الخطاب ضد هاريس، إذ يحاول تصويرها أنها "مشاركة في ما يُوصف من قبل الجمهوريين على أنه تغطية من البيت الأبيض لصحة الرئيس وحالته العقلية"، إذ ادعى المرشح لمنصب نائب الرئيس الجمهوري، جي دي فانس، أن "كامالا هاريس كذبت بشأن ذلك (صحة بايدن).. زملائي من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ كذبوا بشأن ذلك.. الإعلام كذب بشأن ذلك.. كل شخص رأى جو بايدن يعرف أنه لم يكن قادراً على إدارة أميركا، ولثلاث سنوات ماضية، لم يقولوا شيئاً، حتى أصبح عبئاً سياسياً".
وهناك عقبة أخرى محتملة لـ"حملة هاريس"، لم يتم تسليط الضوء عليها بالكامل بعد، قد تؤثر في الانتخابات، متعلقة بالعرق، رغم أنه قبل 16 عاماً، كان العديد من الأميركيين يعتقدون أن البلاد "لن تنتخب أبداً رجل من أصول إفريقية لقيادة البيت الأبيض"، لكن باراك أوباما أثبت أن الشكوك كانت "خاطئة"، فيما ستواجه هاريس الآن حاجزاً تاريخياً أعلى، كونها "امرأة" ومن أصول "إفريقية-آسيوية".