الملاكمة الجزائرية إيمان خليف.. "أنثى 100%" تثير الجدل في أولمبياد باريس

اللجنة الأولمبية الدولية: اللاعبة مؤهلة للمشاركة في منافسات السيدات والإساءة إليها غير مقبولة

time reading iconدقائق القراءة - 11
الملاكمة الجزائرية إيمان خليف تربت على ظهر منافستها الإيطالية أنجيلا كاريني بعد انسحاب الأخيرة من النزال في أولمبياد باريس- 1 أغسطس 2024 - Reuters
الملاكمة الجزائرية إيمان خليف تربت على ظهر منافستها الإيطالية أنجيلا كاريني بعد انسحاب الأخيرة من النزال في أولمبياد باريس- 1 أغسطس 2024 - Reuters
دبي -رامي زين الدين

يتواصل الجدل بشأن الملاكمة الجزائرية إيمان خليف البالغة من العمر 25 عاماً، والتي تشارك في أولمبياد باريس التي تستضيفها العاصمة الفرنسية حالياً، إثر انسحاب منافستها الإيطالية بعد 46 ثانية فقط من بدء النزال، ما أشعل سجالاً واسعاً بشأن مشاركة اللاعبة في منافسات السيدات، لم يقتصر على مواقع التواصل فحسب، بل انتقل إلى المستويات السياسي أيضاً، ودفع اللجنة الأولمبية الدولية إلى التدخل.

وتُعتبر إيمان خليف من أبرز اللاعبات على مستوى العالم في رياضة الملاكمة النسائية، وتتمتع بمهارات قتالية عالية، وفازت بالفعل بعدد من الميداليات الذهبية خلال مشاركات إقليمية على مدى السنوات الست الماضية، لكنها تلقّت أيضاً هزائم عديدة من منافسات أخريات.

وحتى مشاركتها في أولمبياد باريس، لم يُعرف عن هذه اللاعبة الجزائرية أنها تملك قوة ساحقة أو ضاربة، ورغم استبعادها في عام 2023، من بطولة العالم في الهند بسب ارتفاع معدل هرمون الذكورة "التستوستيرون"، إلا أنه لم يحدث أن انسحبت إحدى منافساتها في البطولات السابقة.

كما لم يُقدم أي من الرافضين لمشاركتها في فئة السيدات أي أدلة تسند المزاعم حول جنسها، بينما أكدت اللجنة الأولمبية الدولية أن اللاعبة أنثى بنسبة 100%.

ولدت إيمان خليف في عام 1999، في إحدى المناطق الريفية شمالي غرب الجزائر، وفي البداية لم يوافق والدها على مشاركة الفتيات في رياضة الملاكمة، لأنها لا تتناسب مع عادات وتقاليد مجتمعها المحافظ، لكنها أصرت على تحقيق حلمها متخلية عن رياضة كرة القدم التي كانت تمارسها في فترة المراهقة، وكانت إيمان تضطر إلى التنقل لمسافة 10 كيلو مترات حتى تصل إلى الصالات الرياضية التي توفر لها بيئة التدريب، والمعدات الملائمة.

وفي نهاية المطاف، لفتت هذه الشابة، انتباه المنتخب الوطني الجزائري للملاكمة، إذ ظهرت لأول مرة منافسة كبرى عام 2018، عندما شاركت في بطولة العالم للاتحاد الدولي للملاكمة، غير أنها خسرت في الجولة الأولى، ثم استمرت سلسلة الخسائر لتصل إلى 5 في أول 6 نزالات.

رغم الهزائم، لم تستسلم إيمان، بل واصلت التدريب والتطور في مستواها، وكانت واحدة من أول 3 ملاكمات جزائريات تم إرسالهن إلى طوكيو في الألعاب الأولمبية 2020، وفازت بمباراتها الافتتاحية، لكنها خسرت الثانية أمام الإيرلندية كيلي هارينجتون الحائزة على الميدالية الذهبية.

تضامن منافستها السابقة

وفي بطولتي العالم التاليتين، أظهرت إيمان تطوراً كبيراً في إمكانياتها كلاعبة ملاكمة، وفي وقت سابق هذا العام تم تعيينها سفيرة منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" لمدة عامين.

وتلقّت اللاعبة الجزائرية تضامناً من زميلات لها، مثل الإيرلندية، إيمي برودهيرست، التي تغلبت على خليف في بطولة العالم للملاكمة عام 2022، وعبر حسابها على منصة "إكس"، أعادت نشر مقطعاً متداولاً من النهائي الذي انتصرت فيه العام الماضي، وكان مرفقاً بتعليق يتساءل عما كانت لتفعل الإيطالية كاريني لو واجهت برودهيرست التي تغلّبت على خليف.

ونشرت الملاكمة الإيرلندية صورة لها مع زميلتها الجزائرية وهما تتصافحان خلال بطولة العالم للملاكمة عام 2022 في إسطنبول، معتبرةً أن "الكراهية شيء سخيف"، في إشارة إلى ما تتعرض له خليف.

وفي تغريدة أخرى كتبت برودهيرست: "شخصياً لا أعتقد أنها (إيمان) فعلت أي شيء لتغش.. أعتقد أنها الطريقة التي ولدت بها وهذا خارج عن سيطرتها.. حقيقة أنها (هُزمت) من قبل أمام 9 إناث تقول كل شيء".

الجزائر تدافع عن لاعبتها

لم يبدأ التشكيك باللاعبة الجزائرية بسبب نزالها الذي انتهى سريعاً مع الإيطالية أنجيلا كاريني، فحتى قبل ذلك أثار البعض شكوكاً بشأن أهليتها للمشاركة في منافسات السيدات، لا سيما أنها استُبعدت من بطولة العالم في نيودلهي، العام الماضي، بعد سقوطها في اختبار قياس معدل هرمون الذكورة "التستوستيرون"، في قرار اتخذه الاتحاد الدولي للملاكمة الذي يترأسه الروسي عمر كريمليف، وهو ما اعتبرته اللاعبة آنذاك "مؤامرة كبيرة".

ومع إعادة التشكيك بأهلية خليف في أولمبياد باريس، هبّت اللجنة الأولمبية الجزائرية إلى الدفاع عنها، وسرعان ما أصدرت بياناً شديد اللهجة، مستنكرة من خلاله الهجوم الذي تتعرض له لاعبتها.

وندّدت اللجنة بما وصفته "التصرف غير الأخلاقي الذي استهدف بطلتنا المرموقة إيمان خليف، وهي تستعد لأهم حدث في مسيرتها الرياضية، الألعاب الأولمبية، من بعض وسائل الإعلام الأجنبية"، معتبرةً أن "مثل هذه الهجمات دعاية باطلة تماماً، وتعكس الأرق الذي أصاب البعض بسبب مستوى اللاعبة العالي جداً".

وأكدت  اللجنة، اتخاذها الإجراءات اللازمة لحماية إيمان، والرد على "المتطاولين".

لاعبة ملاكمة في مرمى الانتقادات 

ومن بين الشخصيات التي انتقدت أيضاً مشاركة إيمان خليف في أولمبياد باريس، الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري لانتخابات 2024 دونالد ترمب، إذ نشر نشر عبر منصته "تروث سوشيال"، مقطع فيديو من المباراة محل الجدل، مع تعليق يقول: "سأقوم بإبعاد الرجال عن المنافسات الرياضية للسيدات".

كما شارك الملياردير الأميركي إيلون ماسك مالك منصة "إكس"، في السجال الساخن بشأن أهلية الملاكمة الجزائرية، وأعاد نشر عدد من التغريدات حول القضية، مؤيداً رأي السباحة الأميركية، رايلي جاينز، التي رأت أنه "لا ينبغي للرجال أن ينخرطوا في الرياضة النسائية"، وفي تعليق آخر اعتبر أن ما جرى للاعبة الإيطالية "جنون".

وانضمّت مؤلفة سلسلة روايات "هاري بوتر" إلى حفلة الهجوم على إيمان خليف، ونشرت سلسلة تغريدات شديدة القسوة، وصفت فيها الملاكمة الجزائرية بأنها "رجل يُعنّف النساء".

وفي تغريدة مرفقة بصورة للاعبتين تَظهر فيها خليف وهي تحاول أن تربت على ظهر منافستها الإيطالية، تساءلت جيه كيه رولينج: "هل يمكن لأي صورة أن تُلخص حركة حقوق الرجال الجديدة بشكل أفضل؟ ابتسامة ساخرة لرجل يعرف أنه محمي من قبل مؤسسة رياضية معادية للنساء، يستمتع بحزن امرأة لكمها للتو في رأسها، وحطم طموحها في الحياة".

وتصاعدت حدة الخلاف بعد أن هاجمت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني اللجنة الأولمبية الدولية، معربةً عن غضبها من اضطرار اللاعبة أنجيلا كاريني، إلى الانسحاب خلال مواجهة منافستها الجزائرية.

وقالت ميلوني: "في الحقيقة مع مستويات هرمون التستوستيرون لدى الرياضية الجزائرية، فإن النزال لا يبدو عادلاً، ولذلك أعتقد أنه لا ينبغي السماح للرياضيين الذين لديهم خصائص وراثية ذكورية بالمشاركة في مسابقات السيدات".

وفي الوقت نفسه أوضحت ميلوني، أن موقفها هذا "ليس للتمييز ضد أي شخص، لكن لحماية حق الرياضيين في القدرة على المنافسة على قدم المساواة".

وأيّد ميلوني كبار السياسيين الإيطاليين، على غرار وزيرة الأسرة، يوجينيا روتشيلا، ووزير الرياضة، أندريا أبودي، اللذين أعربا عن مخاوفهما بشأن قواعد الأهلية في المسابقات الرياضية، وقالت روتشيلا: "من المدهش أنه لا توجد معايير محددة وصارمة وموحدة على المستوى الدولي".

اللاعبة الإيطالية تعتذر

بعد تلقيها لكمة على الوجه في غضون 30 ثانية، توجهت الملاكمة الإيطالية، أنجيلا كاريني، إلى زاوية الحلبة لكي يصلح مدربها خوذة حماية الرأس، بعد تلقيها عدة لكمات قوية من منافستها الجزائرية، ثم استأنفت النزال لبضع ثوان، لكن سرعان ما ذهبت كاريني مرى أخرى باتجاه مدربها، وتحدثت معه قبل أن يعلما الحكم بقرار الانسحاب.

وبعد إعلان الحكم فوز إيمان خليف، في النزال، تجنّبت اللاعبة الإيطالية مصافحتها أو تهنئتها، وانحنت على ركبتيها وأجهشت بالبكاء لخروجها السريع من أولمبياد باريس، وقالت لاحقاً لهيئة الإذاعة البريطانية BBC: "كان من الممكن أن تكون مباراة العمر، لكن، كان علي أن أحافظ على حياتي أيضاً في تلك اللحظة".

وفي اليوم التالي، أبدت الملاكمة الإيطالية البالغة من العمر 25 عاماً، أسفها عن السلوك الذي بدر منها تجاه اللاعبة الجزائرية في اللحظات التي أعقبت انسحابها.

وقالت لصحيفة "جازيتا ديلو سبورت" الإيطالية: "كل هذا الجدل يجعلني حزينة.. أريد الاعتذار لمنافستي.. إذا قالت اللجنة الأولمبية الدولية إنها تستطيع القتال، فأنا أحترم هذا القرار".

ورغم أنها اعتبرت أن الانسحاب من القتال كان "خطوة ناضجة"، لكن كاريني أعربت عن أسفها لعدم مصافحة إيمان خليف بعد ذلك، وتابعت: "لم يكن هذا شيئاً كنت أنوي القيام به.. في الواقع، أريد أن أعتذر لها وللجميع. كنت غاضبة لأن أحلامي في الأولمبياد ذهبت أدراج الرياح".

وأكدت أنها إذا قابلت إيمان خليف مرة أخرى، فسوف "تحتضنها".

اللجنة الأولمبية الدولية تدعم اللاعبة

اللجنة الأولمبية الدولية، واصلت الوقوف إلى جانب الملاكمة الجزائرية، مشددةً على ضرورة وضع حد لما وصفته بـ"الإساءة للاعبة" من جهة، والمعلومات المضللة التي تنتشر كالنار في الهشيم من جهة أخرى.

وفي وقت سابق الجمعة، افتتح المتحدث الرئيسي باسم اللجنة، مارك آدامز، المؤتمر الصحافي اليومي بقراءة بيان شديد اللهجة حول السجال الدائر بشأن أهلية إيمان خليف، مؤكداً أنها أنثى بنسبة 100%، وقال إن "المنافسات الأولمبية تحترم قواعد الأهلية.. وكل القواعد الطبية المعمول بها".

وأشار آدامز إلى أن اللجنة الأولمبية الدولية ليس لديها معلومات عن المعايير الدقيقة التي أدت إلى منع خليف، واللاعبة التايوانية، لين يو تينج، من مسابقة نيودلهي، مشيراً إلى أن وثائق الاتحاد الدولي للملاكمة، تقول إن القرار اتخذ من شخص واحد هو رئيس الاتحاد، وكانت اللجنة الأولمبية الدولية وصفت القرار بأنه "مفاجئ وتعسفي".

وتابع في المؤتمر الصحافي: "للتأكيد، ولدت الملاكمة الجزائرية أنثى، وسُجّلت أنثى، وتعيش حياتها كأنثى، وتمارس الملاكمة كأنثى، ولديها جواز سفر أنثى.. هذه ليست حالة متحولة جنسياً.. هناك إجماع علمي على ذلك. علمياً، هي ليست رجلاً يقاتل امرأة. وأعتقد أننا بحاجة إلى توضيح ذلك".

وأبدى آدمز انفتاح اللجنة الأولمبية الدولية على إعادة النظر في متطلبات أهلية الجنس في المستقبل، لكنه أكد أن لا شيء سيتغير في الألعاب الحالية.

واستنكر المتحدث الرئيسي باسم اللجنة الأولمبية الدولية سلسلة الإساءات عبر الإنترنت ضد الرياضية الجزائرية إيمان خليف في أعقاب مباراة الخميس المثيرة للجدل، قائلاً "لا أحد يحب أن يرى الإساءات عبر الإنترنت. لقد شهدنا حالات عديدة، وهذا أمر غير مقبول، نأمل أن يتوقف ذلك، لست متأكداً من قدرتنا على إيقافه. لكنه ليس مفيداً ولا يساعد في الألعاب".

واعتبر آدامز أن "السؤال الذي يجب أن يطرحه كل شخص على نفسه: هل هؤلاء الرياضيات نساء؟"، مردفاً: "الإجابة هي نعم، وفقاً للأهلية، وفقاً لجوازات سفرهن، وفقاً لتاريخهن. إذا بدأنا في التصرف بشأن كل قضية، وكل ادعاء يظهر، فسنبدأ في إجراء نوع من عمليات مطاردة الساحرات التي نشهدها الآن"، وذلك في إشارة إلى الاضطهاد الذي تعرض له الأشخاص الذين يُشتبه بكونهم يمارسون السحر أو الشعوذة من قبل الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية في أوروبا بين القرنين الـ15 والـ17، حيث شهدت تلك الفترة إعدام آلاف الأشخاص.

تصنيفات

قصص قد تهمك