ما أسباب تراجع الأسواق حول العالم؟

خبراء يحددون لـ "الشرق" أسباب ومدى هبوط الأسواق عالمياً وعربياً وكيفية التحوط من تداعياته

time reading iconدقائق القراءة - 7
لقطة من بورصة نيويورك خلال عمليات بيع كبيرة أدت إلى هبوط الأسهم الأميركية. 5 أغسطس 2024 - Bloomberg
لقطة من بورصة نيويورك خلال عمليات بيع كبيرة أدت إلى هبوط الأسهم الأميركية. 5 أغسطس 2024 - Bloomberg
دبي-رهام الشايب

أعادت التراجعات المفاجئة التي أصابت أسواق العالم، وأثرت على الأصول المتداولة من الأسهم إلى النفط وحتى العملات المشفرة والتي وصلت إلى 10% في بداية تداولات الأسبوع، شبح "الاثنين الأسود" إلى أذهان المستثمرين، والذي تراجعت فيه أسواق المال بما وصل إلى 40% منذ 37 عاماً.

وتلقت الأسواق العربية عدوى التراجع من الأسواق العالمية، وهبطت بشدة خلال تداولات اليوم بعد أن مُنيت أسواق آسيا بتراجعات حادة، كما أن العقود الآجلة للأسهم الأميركية تشير إلى جلسة عاصفة اليوم في وول ستريت.

قال فيصل حسن رئيس قسم الاستثمارات في "المال كابيتال" إن التراجع الذي أصاب السوق العالمية سببه البيانات الاقتصادية الضعيفة مؤخراً. وأضاف: "ربما تشير الأسواق إلى أن البنك المركزي قد يتأخر في خفض أسعار الفائدة كما كان متوقعاً هذا العام". وتوقع حدوث ارتفاع حاد في التقلبات بالأمد القريب.

عزا لؤي بطاينة الرئيس التنفيذي في "أومنيفست دي أي في سي" (Ominvest DIFC) اضطرابات الأسواق إلى عاملين مهمين، الأول يتمثل في تباين الإشارات التي تصل من المؤشرات الأميركية ونسب البطالة وسياسة الفيدرالي الأميركي بخصوص أسعار الفائدة.

أضاف: "الأرقام التي ظهرت بخصوص معدلات البطالة والأعمال غير المرتبطة بالأعمال الزراعية وتباطؤ سياسة الفيدرالي الأميركي بتخفيض أسعار الفائدة تثير مخاوف قطاع كبير من المستثمرين بشأن تسارع تباطؤ الاقتصاد الأميركي". 

الجانب الثاني بحسب بطاينة، أن هناك تخوفاً كبيراً في أوروبا خاصة بعد الحديث عن عودة التسلح ووجود نية في نشر صواريخ في منطقة أوروبا، والتصريحات الروسية عن عودة ما يُسمى الحرب الباردة والتخوف من انزلاق الأمور إلى الأسوأ.

ورغم أن نتائج أعمال البنوك كانت متميزة، إلا أنها لن تكون كذلك في النصف الثاني من هذا العام، بسبب سياسة الفيدرالي وتخفيض أسعار الفائدة مما ينعكس على هامش ربح البنوك بشكل كبير، وفق "أومنيفست دي أي في سي".

كيف أثرت وول ستريت على الأسواق الخليجية؟

تأثرت الأسواق الخليجية بشكل كبير بالأسواق الأميركية على الرغم من عدم وجود رابط مباشر، بحسب وضاح الطه عضو المجلس الاستشاري الوطني لمعهد "سي أي إس أي" (CISI).

وقال: "أعتقد أن ظهور بيانات ضعيفة لسوق العمل الأميركية أعطى انطباعاً بتباطؤ الاقتصاد الأميركي على الرغم من أن معدل البطالة الحالي من أبطأ معدلات البطالة تاريخياً خلال الخمسين سنة الماضية".

يرى الطه أن السوق الأميركية متضخمة بعد أربع سنوات من الارتفاع. وأشار إلى أن مكرر ربحية مؤشر "إس أند بي 500" تجاوزت الـ 28 مرة، ما يدلل على حالة تضخم سعري بسبب شركات التكنولوجيا التي لديها وزناً مؤثراً في المؤشر.

ولا يستبعد أن يكون هناك المزيد من الانخفاض في الأسواق الخليجية خلال هذا الأسبوع.

يرى الطه أن انخفاض السوق الأميركي بشدة أمر صحي، فالهبوط سيجعله جاذباً مرة أخرى، وتخفيض الفائدة القادم سيجعل الأموال أرخص، ما يأذن بمزيد من الاقتراض للاستثمار في سوق الأسهم.

ما ثقل التطورات الجيوسياسية؟

ما يحدث في أسواق المال العالمية من تصحيح قوي وانتقاله إلى الأسواق الإقليمية غير مستغرب كون المستثمر الأجنبي له ثقل في حجم التداولات اليومية في أسواق المنطقة بنسبة لا تقل عن 25%؜ من إجمالي التداولات اليومية، وفق محمد علي ياسين المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "أوراكل للاستشارات والاستثمارات المالية".

وبجانب المتغيرات الاقتصادية في السوق الأميركية، عزى ياسين هذا التراجع في أسواق المنطقة إلى ارتفاع حدة التوترات الجيوسياسية لمستويات غير مسبوقة منذ 30 عاماً نتيجة للاغتيالات السياسية التي قامت بها إسرائيل، في محاولة منها لجر المنطقة والولايات المتحدة الأميركية إلى حرب جديدة قد تتحول إلى عالمية في حال دخول أطراف أخرى في الصراع. 

و"إذا لم يتم احتواء هذه التوترات الجيوسياسية بسرعة، فإنها ستؤثر بشكل سلبي ليس على نفسية المستثمرين فحسب، و لكن حتى على أساسيات تقييم الشركات المدرجة وأرباحها القادمة، كون أن إدارات تلك الشركات ستأخذ مبدأ الحيطة والحذر، وتقلل شهية المخاطر للمحافظة على مكتسبات النصف الأول من العام الحالي"، بحسب ياسين. 

يتوقع ياسين استمرار التراجعات القوية خلال الأسبوع الحالي في الأسواق الإقليمية ومرورها بتذبذبات يومية حادة لفترة، وذلك اعتماداً على قدرة الأسواق المحلية وشركات صناعة الأسواق في استيعاب موجات البيع القوية وإيجاد طلبات شراء على الأسهم القيادية ذات الثقل الوزني في مؤشرات كل سوق".

لكن وضاح طه، يرى أن تسارع الأحداث الجيوسياسية في المنطقة ليست هي العامل الأساسي فيما يحدث بالأسواق. وأشار إلى أنه "في حال حدوث مواجهة فسيكون هناك تأثير ولكن لفترة ثم تبدأ الأسواق بالارتداد".

تخارج غير منظم للمستثمرين

يصف محمد السلايمة نائب رئيس أول مدير وحدة التداول بالأسواق العالمية في "كابيتال للاستثمارات"، التراجعات في الأسواق بـ"الهروب الجماعي غير المنظم للمستثمرين وسط انخفاض حاد بشهية المخاطرة".

وقال إن ما حدث اليوم هو مزيج من التخلص من المراكز المزدحمة الشائعة منها مراكز البيع على الين الياباني، ومراكز الشراء على الدولار الأميركي، والعملات المشفرة، إضافة إلى عمليات إغلاق لمراكز إما قسراً أو بسبب الحاجة الماسة للسيولة لتغطية خسائر بأماكن أخرى بالعالم.

بوادر الشرارة ظهرت يوم الخميس، بحسب السلايمة، وعزى ذلك إلى الأرباح المختلطة لأسهم التكنولوجيا التي عجزت عن تبرير الارتفاع الحاد بالتقييمات، والقراءات الاقتصادية الضعيفة خلال الأسبوع الماضي، والتي استبعدت فكرة "الهبوط الناعم"، وعمليات جني الأرباح الكبيرة، وارتفاع قيمة الين الياباني بشكل سريع وكبير والذي قضى على تجارة الفائدة الأكثر ربحاً بالسنتين الماضيتين، وذلك بعد رفع البنك المركزي الياباني أسعار الفائدة، ودخول عوامل مخاطرة كانت مهملة، ومنها خطر الانتخابات الأميركية والتجارة العالمية.

التحوط من اضطرابات السوق

يمكن للمستثمرين التحوط من مخاطر الأسواق بالاستثمار في الذهب وزيادة النسبة بمحافظهم لمستوى 7.5 إلى 10%، بحسب السلايمة. وتراجع سعر الذهب خلال تداولات اليوم، وغالباً ما يتأثر على نحو محدود بالاضطرابات التي تحدث في أسواق المال الأوسع نطاقاً لفترة تمتد لجلسة أو اثنتين. وقال إن الاحتفاظ بنسبة سيولة جيدة وإجراء عمليات تسييل بطريقة منتظمة تساهم في الحد من الخسائر التي تحدث بالأسواق. 

ينصح بطاينة المستثمرين أيضاً بالاحتفاظ بسيولة نقدية، ومن جهة أخرى الاحتفاظ بحصصهم في الصناديق والمحافظ التي تعتمد على المعادن النفيسة والمواد المرتبطة بالذهب والفضة، وزيادة حجم الاستثمارات في الأسهم الدفاعية والأسهم المرتبطة بالكهرباء والغاز والماء والأسهم المرتبطة بتزويد البنية التحتية، والابتعاد عن الشركات المرتبطة بالاقتصاد الأميركي.

ويلخص بطاينة رؤيته في الابتعاد عن "أي شركات مرتبطة بالإنفاق الاستهلاكي خارج الإنفاق الطبيعي. والتركيز على الأسهم الأساسية". ويرى ضرورة تخفيض حيازة الأسهم المرتبطة بالسياحة والسفر وتقنية المعلومات أو السلع غير المعمرة. 

ويطفو على السطح السندات كأداة استثمارية في وقت الأزمات مع مخاوف المستثمرين من أسواق الأسهم، بحسب أحمد عزام محلل أول لأسواق المال في "إيكويتي" (Equiti). وأشار إلى أن من بين الملاذات الآمنة الين الياباني خاصة مع توجه بنك اليابان لتغيير توجهاته التي دامت إلى أعوام طويلة في السياسة النقدية من حالة تيسيرية إلى حالة تشددية.

تصنيفات

قصص قد تهمك