لا يكاد ينتهي أي قصف يستهدف قطاع غزة إلا ويترك خلفه ضحية على الأقل من الأطفال إلى جانب عائلاتهم وأقاربهم، منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر، حتى ارتفع عدد الضحايا من الأطفال إلى 16 ألفاً و456، من بين إجمالي الضحايا البالغ أكثر من 40 ألفاً، إضافة إلى آلاف المصابين، بحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية.
ولم تتوقف جرائم الاحتلال عند هذا الحد، إذ تسببت سيطرته على معبر رفح الحدودي مع مصر منذ مايو، في منع خروج الجرحى لتلقي العلاج في الخارج، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية ووفاة أكثر من 1000 طفل، وهو ما أضاف معاناة جديدة لمأساتهم المستمرة.
وفي 6 مايو، أعلن جيش الاحتلال بدء عملية عسكرية برية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، متجاهلاً تحذيرات دولية من تداعياتها على حياة النازحين الذين تكتظ بهم المدينة، لكنه سيطر في اليوم التالي على معبر رفح وأطبق حصاره على سكان القطاع من جميع الجهات، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).
أطفال بلا طفولة
والأطفال في غزة لا يواجهون القتل والإصابة فحسب، بل يعانون أيضاً جحيم الخوف والرعب الناتج عن الغارات المكثفة، والنزوح المستمر، والأمراض التي تصيبهم نتيجة التكدس في أماكن النزوح التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، ووصل الأمر إلى إعلان وزارة الصحة الفلسطينية، الجمعة، اكتشاف أول إصابة بمرض شلل الأطفال.
وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" كثيراً من أن "أغلب الأطفال في قطاع غزة باتوا غير قادرين على النوم وعيش طفولتهم بهدوء من هول ما رأوه جراء الحرب الإسرائيلية"، معربة عن خشيتها على مستقبلهم في حال استمرار الحرب.
وطالب مسؤول الإعلام بالمنظمة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سليم عويس، المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الحرب وإعادة مستقبل أطفال غزة.
وقال عويس، في حوار مع وكالة أنباء الأناضول التركية، إن "الأطفال في غزة لا يعيشون طفولتهم"، مضيفاً أن "الأمراض الجلدية والتهابات الجهاز التنفسي والإسهال باتت شائعة بين أطفال غزة".
ولفت إلى أنه "من الصعب جداً على الأطفال العيش في خيام خلال صيف لاهب تصل حرارته إلى 35 درجة مئوية، وتزيد داخل الخيام بين 5 و10 درجات".
وتابع عويس أن "النوم يجافي عيون كثير من أطفال غزة لأنهم يفكرون دائماً في هول ما رأوه، ويشعرون بالخوف جراء استمرار الحرب"، مشدداً على أن "هناك أمورا كثيرة يجب على المجتمع الدولي القيام بها من أجل أطفال غزة".
فقد أطراف.. وآباء أيضاً
وأمام أقسام الاستقبال في المستشفيات وتحت ركام المنازل المدمرة، تلتقط عدسات الصحافيين والناشطين صوراً للأطفال الضحايا والمصابين، وهم مضرجون بالدماء أو أشلاء صغيرة تمزق قلوب ناظريها.
ولا يكترث الاحتلال بقتل الأطفال، بل يواصل هجماته على جميع مناطق القطاع، متجاهلاً جميع القوانين والأعراف الدولية.
ويعيش الأطفال في غزة أوضاعاً مأساوية، يفتقرون فيها إلى أدنى مقومات الحياة الأساسية ويعيشون دون مأوى جراء عمليات النزوح المتكررة، إضافة إلى نقص حاد في الأدوية والطعام والشراب، ما يعرضهم لأخطار صحية جسيمة.
وفي يوليو، قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، إن الأطفال "يدفعون الثمن الأعلى للحرب في غزة، وسط نزوح وخوف من فقدان طفولتهم".
وفي استهانة بالمجتمع الدولي، يواصل جيش الاحتلال حرب الإبادة متجاهلاً قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فوراً، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي في غزة.
وفي نهاية يونيو، قال مسؤولون بقطاع الصحة الفلسطيني لوكالة "رويترز"، إن طفلة أخرى توفيت بسبب سوء التغذية في شمال قطاع غزة، ليرتفع عدد ضحايا الأطفال بسبب سوء التغذية والجفاف إلى 31 على الأقل، مشيرين إلى أن الحرب تزيد من صعوبة تسجيل مثل هذه الحالات.
وفي الأسبوع ذاته، قال المفوّض العام لـ "الأونروا"، فيليب لازاريني، إن الحرب تؤدي إلى فقدان 10 أطفال بالمعدل ساقاً أو ساقين كل يوم، وأضاف في تصريحات للصحافيين: "بصورة أساسية، لدينا كل يوم 10 أطفال يفقدون ساقاً أو ساقين بالمعدل"، موضحاً أن هذه الأرقام لا تشمل الأطفال الذين خسروا أيدي أو أذرعاً.
وحذر المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة، في نهاية يونيو أيضاً، من أن أكثر من 3500 طفل معرضون لخطر الموت في القطاع؛ بسبب سياسات "التجويع" الإسرائيلية ونقص الغذاء والأدوية.
وقال المكتب، في بيان: "أصبح أكثر من 3500 طفل دون سن الخامسة معرضون لخطر الموت التدريجي في قطاع غزة بسبب اتباع الاحتلال الإسرائيلي لسياسات تجويع الأطفال ونقص الحليب والغذاء وانعدام المكملات الغذائية وحرمانهم من التطعيمات ومنع إدخال المساعدات الإنسانية للأسبوع الرابع على التوالي وسط صمت دولي فظيع".
ويعاني 1 من بين كل 10 أطفال في غزة دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، بسبب الحرب، وفقاً لبيانات أولية من الأمم المتحدة صدرت في فبراير، من خلال قياسات الذراع التي تظهر مستويات الهزال لدى الأطفال.
وتقلصت الإمدادات الغذائية التي تعتمد عليها غزة عن مستواها قبل الحرب، وأورد عمال الإغاثة، تقارير عن علامات واضحة للمجاعة، خاصة في مناطق شمال ووسط القطاع التي تعد الأكثر تضرراً من الحرب.
ووفقاً لمذكرة صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أظهرت قياسات محيط أذرع آلاف الأطفال الصغار والرضع أن 9.6% منهم يعانون من سوء التغذية الحاد، وهو ما يمثل ارتفاعاً بنحو 12 مثلاً عن مستويات ما قبل الحرب. وفي شمال غزة، بلغ المعدل 16.2% أو 1 من كل 6 أطفال.
وفي فبراير أيضاً، قالت "يونسيف" إن تقديراتها تشير إلى أن 17 ألف طفل على الأقل في غزة باتوا يعيشون دون ذويهم، أو انفصلوا عن عائلاتهم، بعد مرور حوالي 4 أشهر على بدء الحرب.
وفي يونيو، قالت المنظمة إن 9 من كل 10 أطفال في غزة لا يستطيعون تناول العناصر الغذائية من مجموعات غذائية كافية لضمان نموهم وتطورهم بشكل صحي.