بعد أقل من أسبوع على إعلان نتيجة امتحانات الثانوية العامة في مصر، وما يتبعها من بدء إجراءات الالتحاق بالجامعات، وتظلم البعض على النتائج، أعلنت وزارة التربية والتعليم، نظاماً جديداً للمرحلة التي تضم أكثر من 700 ألف طالب سنوياً، يطبق من العام الدراسي المقبل.
النظام الجديد يقضي ببدء التخصص إلى شعبتي علمي وأدبي من الصف الثاني، وليس الثالث كما هي الحال حالياً، وتخفيض عدد المواد الدراسية من 10 إلى 6 مواد للصف الأول، ومن 8 إلى 6 للصف الثاني، ومن 7 إلى 5 للصف الثالث، فضلاً عن دمج مواد في أخرى مثل العلوم، وتحويل مواد إلى خارج المجموع مع احتسابها مواد نجاح ورسوب، مثل اللغة الأجنبية الثانية، وهي الفرنسية في أغلب المدارس، والألمانية أو الإيطالية أو الإسبانية في بعضها، إلى جانب إلغاء بعض المواد وأبرزها الجيولوجيا.
وبررت الوزارة إعادة الهيكلة بأنها تركز على دراسة لغة أجنبية واحدة وإتقانها، وتؤكد على الهوية الوطنية بدراسة تاريخ مصر، وتهدف إلى مواكبة التعليم لمتطلبات سوق العمل، وتؤدي إلى استعادة المدرسة دورها التربوي، والعمل على إكساب الطلاب مهارات المستقبل.
لا يخفي عبد الحميد محمد، قلقه من تغيير النظام على ابنته دعاء التي تستعد للسنة الأخيرة في الثانوية، العام المقبل، ويطبق عليها هذا النظام.
قال عبد الحميد لـ "الشرق"، إن النظام الجديد يخفف من الأعباء الدراسية بعد تقليل عدد المواد الدراسية، إلا أنه نظام جديد وبالتالي له رهبة، خاصة أن السنوات الماضية شهدت تغيير نظام الثانوية العامة مرات عدة.
ويأمل عبد الحميد، أن يخفف النظام المنتظر من الأعباء المادية التي كان يتحملها شهرياً مقابل الدروس الخصوصية لابنته، خاصة أنه كان يدفع آلاف الجنيهات وهو ما يرهقه بشدة، متمنياً أن يتيح النظام الجديد وقتاً لابنته وأسرته للاستمتاع بالحياة.
وتلجأ العديد من الأسر المصرية إلى الدروس الخصوصية لتعويض ازدحام الفصول الدراسية وضمان تحصيل علمي أكثر وبالتالي ضمان التفوق الدراسي، وانتشرت في أغلب المحافظات مراكز تشبه المدارس يتجمع فيها الطلاب للحصول على درس خصوصي، غالباً ما يلقيه عليهم المدرس نفسه الذي يعلمهم في المدرسة.
دعاء تحلم بدخول كلية الطب التي تتطلب مجموعاً وصل إلى 93% هذا العام، وهو ما يعني بذل مجهود مضن في الدراسة، ولذلك تبدي تفاؤلاً بالنظام الجديد لأنه قلل عدد المواد الدراسية، واصفة استبعاد مادة الجيولوجيا بأنه أمر جيد لأنها مادة غير مجدية لمن يحلمون بدخول كلية الطب.
لكن هذه المادة التي أبدت دعاء سعادتها بسبب إلغائها من المناهج، كانت سبب غضب قطاعات أخرى، أبرزها رابطة المساحة الجيولوجية المصرية التي حذرت من إلغاء المادة، مشيرة إلى أهميتها في دراسة التربة، واكتشافات البترول، والذهب، وتقرير صلاحية البناء من عدمه في منطقة ما، وغيرها من الاستخدامات شديدة الأهمية، كما أعلن اتحاد الجيولوجيين العرب اعتراضه على إلغاء المادة، مشيراً إلى أن قرار الإلغاء يأتي في وقت تزداد فيه أهمية المعرفة المتعلقة بعلوم الأرض.
وزير التربية والتعليم المصري، محمد عبد اللطيف، أعلن أن طلاب الصف الأول سيدرسون اللغة العربية، واللغة الأجنبية الأولى، والعلوم المتكاملة وهو المنهج الذي يطبق لأول مرة بدلاً من مادتي الكيمياء والفيزياء، والتاريخ، والفلسفة والمنطق، والرياضيات.
وقرر الوزير اعتبار اللغة الأجنبية الثانية مادة نجاح ورسوب، لكنها خارج المجموع، وكذلك إعادة تصميم مادة الجغرافيا لتلغى من الدراسة في الصف الأول، وتصبح مادة تخصص للشعبة الأدبية في السنة التالية.
وبداية من العام الدراسي الجديد الذي يبدأ في 21 سبتمبر، يدرس طلاب الصف الثاني الشعبة العلمية مواد اللغة العربية، واللغة الأجنبية الأولى، والكيمياء، والأحياء، والفيزياء، فيما يدرس طلاب الشعبة الأدبية مواد اللغة العربية، والأجنبية الأولى، والجغرافيا، والتاريخ، وعلم النفس، والرياضيات، وبالنسبة للشعبتين فإن اللغة الأجنبية الثانية مادة نجاح ورسوب، لكن درجاتها خارج المجموع، على أن يجري الاستفادة من فتراتها الدراسية في تقوية وزيادة فترات اللغة الأجنبية الأولى.
ويدرس طلاب الصف الثالث في العام الجديد مادتي اللغتين العربية، والأجنبية الأولى لجميع الشعب، بينما يدرس طلاب شعبة العلوم مواد الأحياء، والكيمياء، والفيزياء، ويدرس طلاب شعبة الرياضيات مواد الرياضيات، والكيمياء، والفيزياء، فيما يدرس طلاب الشعب الأدبية مواد التاريخ، والجغرافيا، والإحصاء، وبالنسبة للشعب الثلاث لا تضاف درجات اللغة الأجنبية الثانية إلى المجموع، لكنها مادة نجاح ورسوب.
وقرر الوزير الذي أثار جدلاً بعد تعديل نتيجة الثانوية العامة لطلاب الشعبة العلمية، بعد يومين من إعلانها، لأول مرة في تاريخ مصر، زيادة مدة العام الدراسي من 23 إلى 31 أسبوعاً، وإضافة 5 دقائق إلى مدة الحصة، بدعوى أن هذه الزيادة ترفع معدل التحصيل بنسبة 33%.
المجلس الأعلى للأمناء والآباء والمعلمين، وهو تجمع يضم أولياء أمور الطلاب في مصر، أعلن تأييده لخطة الهيكلة، واعتبر أنها تحل "المشكلات المزمنة لملف التعليم، خاصة مشكلة الكثافة، وتطوير المرحلة الثانوية عبر تخفيف المناهج وتقليل عدد المواد".
وقال المجلس، في بيان، إن تطوير الثانوية العامة يخفف كثيراً من الأعباء النفسية والمادية على أولياء الأمور والطلاب، كما يخفف التوتر والقلق داخل كل البيوت.
الدكتورة عالية المهدي، العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، انتقدت النظام الجديد، وقالت إن به بعض المشكلات، منها أن عدم إضافة درجات الفلسفة يدفع الطلاب إلى عدم الاهتمام بها، على الرغم من أنها مادة مهمة، وكذلك مادة علم النفس.
وقالت لـ "الشرق": "تغيير نظام الثانوية العامة يحتاج إلى دراسات عميقة تستطلع أراء الخبراء وأساتذة الجامعات المتخصصين في التعليم".
وأضافت: "نحن لن نخترع العجلة من جديد، فهناك أنظمة في العالم يمكن الاقتباس منها مثل النظام الأميركي أو البريطاني أو الفرنسي، وكلها أنظمة أثبتت نجاحها".
وقالت الوزارة بالفعل إن إعادة هيكلة الثانوية العامة اعتمدت على دراسة المناهج وأنظمة التعليم في عدة دول أجنبية، وأن أنظمة بعض هذه الدول معتمد في مصر، كما جرت الهيكلة بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي، موضحة أن النظام الجديد يستهدف إعادة تصميم المناهج ودمج وحذف ما يمكن منها، مشيرا إلى أن مميزات إعادة الهيكلة التأكيد على الهوية الوطنية بدراسة تاريخ مصر والتركيز على دراسة لغة أجنبية واحدة وإتقانها، مؤكدا أن مجلس التعليم قبل الجامعي اعتمد الخطة الجديدة التي تقلل من عدد المواد الإجبارية في المرحلة الثانوية وفقا للنظم العالمية.
وطالبت المهدي، وزير التعليم بألا يصدر قرارات متسرعة، معتبرة أن الأولى من التغيير "غير المدروس" أن يتصدى الوزير بفاعلية لمشكلة نقص أعداد المدرسين ورواتبهم، وأن يعمل على زيادة عدد المدارس.
وأعلن الوزير أن مصر بها 843 ألفاً و490 معلماً موزعون على جميع المدارس المصرية، إلا أن هناك عجز يبلغ 469 ألفاً و860 معلماً، مشيراً إلى استمرار الوزارة في تعيين 30 ألف معلم سنوياً، والعمل على الاستفادة من خبرة المعلمين الذين بلغوا سن المعاش، ولديهم القدرة على التدريس لسنوات أخرى.
وكشف الوزير عن اتجاه الوزارة للتعاقد مع 50 ألف معلم للعمل بنظام الحصة (مقابل 50 جنيهاً أي نحو دولار واحد للحصة)، فضلاً عن الاستعانة بخريجي الجامعات ممن لا يؤدون الخدمة العسكرية، لأداء الخدمة العامة من خلال التدريس في المدارس لمدة عام هو الفترة التي يجب قضاؤها في الخدمة العامة.
وتوجد في مصر، ثاني أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان بعد نيجيريا، بإجمالي 110 ملايين نسمة، أكثر من 46 ألف مدرسة حكومية و7 آلاف مدرسة خاصة، يدرس بها 25 مليوناً و494 ألف طالب، بحسب الوزير، بخلاف المعاهد التابعة للتعليم الأزهري.
لكن الكثافة في الفصول تصل في بعض المدارس إلى 90 طالباً في المدارس الحكومية.
قرارات فردية
العميد السابق لكلية التربية في جامعة حلوان، إيهاب حمزة، وصف قرارات الوزير بأنها فردية، مشدداً على أن قرارات بهذا المستوى يجب أن تخضع للجان متخصصة.
وقال لـ "الشرق" إن كل مقرر دراسي سبق وضعه في المناهج كان لتحقيق مخرجات تعليمية بعينها، لأن كل مقرر له فائدة، مشيراً إلى أنه مع اتساع قاعدة العلم، يجب التوسع في دراسة المواد المختلفة، وليس كما تعمل الوزارة على دمج بعض المواد في بعضها.
في المقابل اعتبر أستاذ المناهج وطرق التدريس في كلية التربية جامعة عين شمس، حسن شحاتة، أن النظام الجديد يهدف إلى تخفيف العبء المعرفي على الطلاب بما لا يخل بأساسيات المواد الدراسية المؤهلة للتعليم الجامعي، أو إتقان المهارات المستهدفة.
وأضاف لـ "الشرق" أن النظام الجديد يراعي أن يكون عدد المواد الدراسية مناسباً مع عدد الحصص الأسبوعية، معتبراً أن الوزارة وضعت يدها على المشكلات الحقيقية التي تواجه العملية التعليمية، واعتمدت على الأرقام ومسح الواقع المتأزم في المدارس، مشيراً إلى أن الوزير عقد حواراً مع أعضاء مجلس التعليم قبل الجامعي، وأعضاء المجلس الأعلى للجامعات، وخبراء المراكز العلمية التابعة للوزارة، قبل إقرار النظام الجديد.