
كشفت دراسة حديثة نُشرت في دورية "نيتشر كلايمت تشانج" (Nature Climate Change) عن أن التربة الصقيعية، التي تُعتبر مخزناً للكربون على مدى آلاف السنين، تواجه تهديداً متزايداً بفعل الحرائق المتكررة وارتفاع درجات الحرارة في المناطق الشمالية.
وأشارت الدراسة إلى أن 34% من المنطقة القطبية الشمالية والغابات الشمالية أصبحت الآن مصدراً لانبعاثات الكربون إلى الغلاف الجوي، وأظهرت أن إضافة انبعاثات الكربون من الحرائق يرفع النسبة إلى 40%.
تُعتبر التربة الصقيعية نوعاً من التربة التي تبقى مجمدة تحت درجة الصفر المئوي لفترة لا تقل عن سنتين متتاليتين، وتوجد بشكل أساسي في المناطق القطبية مثل القطبين الشمالي والجنوبي وأجزاء من سيبيريا وألاسكا وكندا.
تمتد التربة الصقيعية على عمق يصل إلى مئات الأمتار في بعض المناطق، وتحتوي على كميات كبيرة من المواد العضوية المجمدة، مثل النباتات والحيوانات المتحللة، التي لم تتحلل بالكامل بسبب درجات الحرارة المنخفضة.
وعندما تذوب هذه التربة بسبب ارتفاع درجات الحرارة العالمية، تتحرر كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون والميثان، مما يساهم في تفاقم التغير المناخي، وبالتالي يؤدي إلى تغيرات بيئية كبيرة، مثل تآكل الأراضي، وتغيير في موائل الحياة البرية، وانبعاث الغازات الدفيئة.
وتُعد هذه النتائج أحدث تقييم شامل لتدفقات الكربون في هذه المناطق، معتمدين على بيانات جمعت من 200 موقع بين عامي 1990 و2020.
وذكرت الدراسة أن الحرائق تلعب دوراً كبيراً في تأثير الكربون في هذه المنطقة، وبينما لا تزال بعض النظم البيئية تعمل كخزانات للكربون، فإن مصادر الكربون والحرائق تلغي الكثير من هذه المكاسب.
تنوع الأنظمة البيئية
تساعد الدراسة على فهم ديناميكيات الكربون في المناطق الشمالية من خلال بيانات تجمعها أبراج مراقبة لتدفق الكربون وغرف تتبع تبادل الغازات بين الأرض والغلاف الجوي.
وتشير البيانات إلى أن الأنظمة البيئية في هذه المناطق أصبحت أكثر تنوعاً، مع تغييرات في أنماط النمو والانبعاثات على مدار العقود الثلاثة الماضية.
وأكدت الدراسة أهمية الدقة العالية للبيانات، والتي تساعد في الكشف عن تنوع المناطق القطبية الشمالية وكيفية تغيرها من حيث انبعاثات الكربون.
وأوضحت الدراسة أن مواسم النمو الأطول وزيادة النشاط الميكروبي في الشتاء يؤثران على ديناميكيات الكربون بشكل تدريجي، ما يشير إلى تغييرات إقليمية وعالمية قادمة.
وتأتي هذه الدراسة في وقت تتزايد فيه الأبحاث حول تغييرات ميزانيات الكربون في المناطق الشمالية، إذ تظهر أن المنطقة التي كانت تعمل تاريخياً كمصيدة للكربون، قد تتحول الآن إلى مصدر للكربون بفعل الاحترار وذوبان التربة الصقيعية.
وتُمثّل النتائج إشارة تحذيرية للتغيرات الكبيرة التي قد تحدث في المستقبل، مشيرة إلى أهمية مراقبة هذه المناطق بشكل أفضل في العقود المقبلة.